الردة الدستورية : ملاحظات حول الدائرة الوطنية المنقرضة والدوائر الجهوية المحدثة
ذة . سليمة فراجي
من الثابت ان القاعدة القانونية لا تسري الا على الوقائع المستقبلية ،ولا يكون لها امتداد و اثر رجعي ,لذلك فان تطبيق الاثر المستقبلي على مراكز قانونية كانت تخضع لقانون قديم لا يستقيم مع مقاصد المشرع والقانون الاسمى للبلاد ، هذه المقاصد التي توخى منها المشرع التقيد بالمقتضيات الدستورية سواء تعلق الامر بالجهوية المتقدمة او السعي نحو تحقيق المناصفة .
واذا كان من الثابت ان القانون التنظيمي رقم 11.27 احدث دائرة وطنية لم تخضع لمقاييس جهوية كما يدل اسمها على ذلك مكنت اشخاصا من ولوج البرلمان ، فان مشروع القانون التنظيمي الحالي 21-04المغير والمتمم للقانون التنظيمي 11/27 نص على احداث دوائر انتخابية جهوية حددت مقاعد كل جهة على سبيل الحصر و لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب برسمها كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم دائرة انتخابية جهوية ،
و اضافت الفرق البرلمانية تعديلا تم التهافت و التصويت عليه يمنع من الترشح برسم الدوائر المحدثة بقانون جديد ، الشباب والنساء الاعضاء السابقين برسم الدائرة الوطنية المحدثة بموجب القانون التنظيمي السابق رقم 27-11
لكن اذا كان القانون التنظيمي الحالي يسري على مرشحات ومرشحين شباب دون الاربعين سنة في لوائح جهوية اتجهت فيه ارادة المشرع الى التناغم مع المقتضيات الدستورية بخصوص الجهوية المتقدمة والتمثيلية النسائية ،فانه لا يمكن ان يسري على لائحة وطنية لا علاقة لها بمقتضيات جهوية تم سنها لأول مرة
كماان القانون التنظيمي الحالي والذي نص على عدم امكانية المترشحين في اللوائح الجهوية ان يترشحوا في نفس هذه اللوائح ، فان المقصود هو عدم تمكنهم من الترشح مستقبلا اي سنة 2026 وليس الرجوع باثر رجعي للائحة وطنية محدثة بموجب قانون تم تعديله بمقتضى مشروع قانون تنظيمي جديد .
الاكثر من ذلك فان الدائرة الوطنية لم تكن التمثيلية فيها لجميع جهات المملكة بحكم منطق المحاباة و تفوق المركز على الجهات وانعدام العدالة المجالية الشيء الذي جعل من اللائحة الوطنية التي تم نسخها متضمنة لاسماء اشخاص ينتمون خاصة الى بعض الجهات في غياب العديد من الجهات الاخرى
في حين ان الدوائر الجهوية المحدثة بموجب القانون التنظيمي 21-04 فانها ستمكن نساء وشباب جميع جهات المملكة من التمثيلية ، الشيء الذي يجعل الدائرة الوطنية تختلف اختلافا بينا عن الدوائر الجهوية
وما كان ينبغي اقحامها في مقتضيات قانون تنظيمي جديد
واعتبارا من كون اللوائح الجهوية تم التنصيص عليها اول مرة بمقتضى مشروع قانون تنظيمي عرض للتصويت ، فانه لا يمكن تقييد الترشح فيها بشرط سبق الانتداب في اطار اللائحة الوطنية ، لانه لا علاقة للائحة وطنية معمول بها سابقا ،في التوجه الحالي الرامي الى توسيع الجهوية من جهة ، وتدرج المشرع في السعي نحو تحقيق المناصفة من جهة اخرى ، علما ان القانون يجُبّ ما قبله ولا يمكن للقانون القديم ان تمتد اثاره الى مراكز احدثها القانون الجديد
الشيء الذي يتبين منه ان التعديل الذي تم التصويت عليه مخالف للدستور وينم عن محاولة لاقصاء الكفاءات التي تركت بصمتها خلال الانتدابات السابقة من المشهد السياسي لاعتبارات حزبية ضيقة
واذا كان تعليل التعديل الذي اوردته بعض الفرق يتمحور حول فتح المجال لنخب نسائية وشابة جديدة لولوج مجلس النواب وان الاثر القانوني لاعتماد اللوائح الجهوية لن يكون له اثر عدم التأهيل الا عند اجراء انتخابات 2026
فإن ذلك يعتبر في قمة الاجحاف والتناقض بل هو تعليل ضد التعديل لكونه يسلم بكون اللوائح الجهوية منصوص عليها لاول مرة، وبالتالي فان المنع من الترشح برسمها لن يكون الا سنة 2026 فلماذا اذن يتم حشر دائرة تم الغاؤها بمقتضى قانون قديم؟ ما دام المنع من الترشح لن يكون الا مستقبلا
اما القول بنظرية التناوب على المجلس بحكم صغر السن وفتح المجال للبعض واقصاء البعض لانه سبق ان اثث القبة مرة واحدة وكأننا في مسطرة التعدد ، فان ذلك يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين جميعا دون اي تمييز ، وتمتعهم بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية المنصوص عليها في الفصل 19 والفصل 6 من الدستور
وان هذا المنطق يجعلنا نسلم باشتراط بعض المتطلبات التمييزية بالنسة للمترشحات فقط دون المترشحين مع استبعاد معايير الكفاءة والمكنة ومختلف التراكمات والتجارب
اذا كان المشرع حرص على تمثيل كافة جهات المملكةفي الدائرة الانتخابية ،
و كانت اللائحة الوطنية سابقا واللوائح الجهوية بمقتضى القانون التنظيمي الجديد تمهد للترشح على مستوى الدوائر المحلية ، فهل تمكن المستفيدون من الدائرة الوطنية من خوض معارك الدوائر المحلية ?
اذا كانت الاحزاب لا تنتصر لتزكية النساء في اللوائح المحلية؟ وكان المقصود اذن ،ودون استعارة فصاحة الخطباء ان الامر يتلخص في تاثيث مرحلي غير مضبوط باستراتيجية ،او محكوم بنظرية اقصائية مفادها تكوين نساء وشباب وعدم الاستفادة من تراكمات تجاربهم وكفاءتهم ،اذ ان منح التزكية لامرأة قد يشكل مخاطرة كبيرة ، لانها حسب منطقهم ، لا تحسن خوض المعارك الانتخابية وتعجز عن بذل المال في اغلب الحالات ، وتحرم الحزب من مقعد مضمون متى تمت تزكية ذي مال من يتقن فن خوض المعارك ، وبالتالي فان مرحلة التكوين والإنفاق واكتساب التجارب خلال الولاية التي قضتها نائبات اللائحة الوطنية ومرشحات اللوائح الجهوية تصبح حبرا على ورق وهدرا للمال العام وضربا لمبدأ الحكامة الجيدة ولكافة التراكمات والتجارب التي جعلت من المرأة نتاج اللائحة الوطنية والجهوية عنصرا مؤهلا لخدمة الشأن العام ؟ ما الفائدة اذن اذا اثثت مرحليا مشهدا وغادرته دون تمكنها من الاستمرار والعطاء ؟
هل نستنتج انه يجب حذف اللوائح الجهوية مستقبلا لانها لن تمكن من الترشح لمن سبق له ان اثث المشهد ، وننتصر للوائح محلية تعجز المرأة والشاب عن خوض غمار معاركها ؟
هل نستنتج ان المناصفة وإنصاف الشباب موكول لمنطق القبيلة والخليلة والحليلة ؟ولم نعد نتساءل عن سبب وجود عائلة باكملها في المؤسسة التشريعية او الجماعات الترابية
بل اصبح اولياء الامر الذين ادمنوا المناصب وخاضوا معارك الانتخابات يشترطون فرض الفروع والحليلات والاشقاء في مختلف اللوائح !
هل نستنتج ان المعيقات السوسيو ثقافية والعقلية الذكورية المهيمنة والانماط المتعددة للانتهاكات والممارسات الضارة والتمييزية والمهدرة للكرامة تتحدى القوانين التي تصاغ على المقاسات وتفسر لصالح الطرف القوي ؟
هل نستنتج ان المعركة الحقيقية ليس هي اعتبار تلك اللائحة ريعا لانه لن يبقى للريع وجود اذا تم القضاء على الفقر والجهل والامية والاقصاء والهشاشة ؟
تلك المعارك وحدها هي التي تمكن الناخب من استعادة حرية الاختيار ، للتمييز بين المرشحين سواء كانوا ذكورا او اناثا لان الفيصل انذاك سيكون الاستقامة والتجرد والكفاءة وليس بذل المال فقط والممارسات والمناورات التدليسية لكسب اصوات فاقدي الاختيار .
لا يزال الطريق شاقا وطويلا لبناء دولة ديموقراطية تضمن تعزيز موقع الكفاءات في مراكز القرار السياسي ، وعملية التشخيص أظهرت ان مكامن الخلل تتلخص احيانا في المراة نفسها في مواجهة معيقات تاريخية ، وعقلية ذكورية لا زالت ترفض في اللاشعورتبوأ المرأة في مواقع القرار ،وتستعملها كورقة اشتغال وخزان اثناء الحملات الانتخابية ، ونصوص قانونية يشوبها الغموض البناء لتفسرتفسيرا يحتمل كل الفرضيات
واذا كانت القوانين التنظيمية والقوانين والانظمة الداخلية للمجالس تحال على المحكمة الدستورية طبقا للمادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية فانه من حق اعضاء البرلمان الادلاء بما يبدو لهم من ملاحظات كتابية في شأن التعديل الذي تمت اضافته وتم التصويت عليه بخصوص عدم التأهيل للترشح في عضوية الدوائر الجهوية ومدى مطابقته للدستور !