الخوارج الصفرية.. من ينقذ البلاد؟
رمضان مصباح الادريسي
الى هذا الحد، نعم.
والمشكل ليس في الدرهم والدرهمين، وحتى الخمسة والعشرة.
نحن أمام ظاهرة اجتماعية معقدة، حقوقية بالخصوص ، تتشعب تفسيراتها ،لما لها من مساس بالحريات الفردية ،المنصوص عليها دستوريا؛ وبأمن الناس الذي تحتكره الدولة ،من خلال أجهزتها ومؤسساتها المختصة ،وهذا الاحتكار غير قابل للتفويت.
ولها مساس أيضا بقانون الجولان ،الذي ينظم تحرك العربات وتوقفها ،وفق ضوابط الطريق والساحات ،كمرافق عمومية .
ولها تأثير على السياحة الوطنية .
المشهد كما نعاينه جميعا:
قبة صفراء، على غرار القبة الحديدية الحربية ، في بعض الدول ،التي تشعر بالتهديد الدائم.
لا يمكن أن تتوقف ، في أي شارع أو ساحة أو سوق ، أو مؤسسة ،عمومية كانت أو خاصة ،بالمدن المغربية، دون أن تظللك هذه القبة ،حتى وأنت لا ترغب في ظلها.
رجال شداد غلاظ ، بسترات صفراء أو حمراء، أو بدون؛ خولوا لنفوسهم – خارج القانون غالبا – حق احتلال الملك العمومي ؛فضاء ،يعتبرونه سائبا ،يقبضون مقابل توقف السيارات به أجرا ،يحددونه حسب مستوى الاقبال ،والفصول.
يستمد السائق حقه في استعمال الطريق –جولانا وتوقفا – من الضريبة السنوية التي يؤديها عن سيارته.
وقبل هذا يستمده من حقه كمواطن في الاستفادة من مرافق الوطن كلها ؛ وفق القوانين المنظمة لها.
ويستمده أيضا من حقه الأمني ، الذي تضمنه الدولة من خلال مؤسساتها الأمنية المتعدة .
كل هذا لا اعتبار له لدى “الخوارج الصفرية” ؛يتم السطو نهارا جهارا على المرفق والمرتفق ،مواطنا كان أو أجنبيا ،سائحا أو مقيما.
المرجعية في هذا التوحش:
مهما سألتم فلن تخرج الإجابات عن :
“القايد قال لي..” أو “لمقدم” ،أو الجماعة.
اذا طالبت بوثيقة – مع العلم ألا أحد من هذه الجهات، له الحق في تفويت منفعة المرفق العام ، دون قانون – فسيكون الجواب غالبا: “ماشي شغلك” ،”شكون أنت حتى تسولني؟”
وإذا استل الخارجي الصفري لسانه الأسود ” فستسمع العجب العجاب:
يتطاول حتى على الشرطة ، اذا هددته بها ،ويخدش الحياء العام ،خصوصا مع النساء.
يستقوي بعناصر من قبيله ، سرعان ما يحلون بالمكان ويتدخلون، منتصرين لصاحبهم.
ولا يستبعد أن تسمع :”راني عشرين عام وأنا ف الحبس” ؛الحبس أحسن من داري.
وقد يستل سيفه ،كما حدث في فاس أخيرا ،حيث أجهز خارجي صفري على صفري مثله منافس.
وسيكون مهذبا إذا اكتفى فقط بالقول: “آه على سقرام” أو “شحال باش كا تشريي المكياج؟” في مواجهة المتمنعات من النساء.
هل فعلا تستعين السلطة بالخوارج الصفرية؟
الكثير من تعليقات الفضاء الأزرق تمضي في هذا الاتجاه؛ خصوصا من مروا من تجربة الاستنجاد بالشرطة ، أو السلطة، دون مفعول يذكر.
وقد اطلعتُ على حالة في فاس ،تدخل فيها شرطي مرور؛ لكن صلحيا فقط ،مقبلا رأس الصفري، ليتنازل عن حصر السيارة وسائقتها.
اذا كان هذا صحيحا فلا مبرر مؤسسيا وقانونيا له؛ لأن السلطة لها أجهزتها الرسمية ،الظاهرة والسرية؛ فكيف تستعين بهؤلاء في مهامها ،وأغلبهم –وسيماهم في وجوههم – من أصحاب السوابق الاجرامية؛ وحالة فاس تؤكد هذا.
حتى حينما يقال بأن رخص ممارسة الحراسة –القهرية – تكون أحيانا في أسماء ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا لا يخرج عن كونه عذرا أقبح من الزلة؛ لأن أمر هؤلاء غير موكول لا لقائد ولا لمقدم. هناك مؤسسات يفترض فيها أن تتولى أمرهم ،ولا سلطة لها لتفوت المرفق العام.
رد الفعل المواطني مبرر:
انه الجحيم بعينه أن تقضي يومك بالمدينة ، وأنت بين هؤلاء الصفرية ،ينهبون دراهمك ،أو يشتمونك ؛وأنت لم تزد على ممارسة حق من حقوقك.
أعرف الكثيرين ممن أحجموا عن ارتياد الكثير من الساحات والأسواق والشواطئ ،بسبب القبة الصفراء.
بل هناك من كره السيارة بسببها وتخلص منها.
استمعت أخيرا الى أحدهم وهو يتحدث ببرنامج إذاعي عن هذه الظاهرة ؛ وأقسم أن احدى معارفه من الأجنبيات ،كلفتها سياحتها المكناسية أخيرا ،200د ،تخطفها منها الخوارج الصفرية في يوم واحد.
وقد تحدث أيضا عن مداخيل بعض هؤلاء في فاس ،وقد وصلت عند أحدهم الى 60.000د في الشهر.
من ينقذ البلاد؟
لقد بلغ المنخرطون في مجموعة” بويكوط مول الجيلي” أزيد من مائة وثلاثين ألفا(130000) والرقم مرشح للارتفاع سريعا .
هذا العدد في الدول الديموقراطية يستدعي اجتماع مجلس للحكومة ،لتدارس الظاهرة وسن ما يلزم من ضوابط قانونية.
ان نزع فتيل الفوضى والتوحش والكراهية مطلب ملح؛ ولا يمكن أن يترك للجماعات والسلط المحلية ،لتفتي فيه على هواها وخصوصياتها.
وكما يوجد للجولان قانون ،وهو من أقدم القوانين التي خلفتها فرنسا بالمغرب، يجب العمل على تنظيم التوقف بشوارعنا؛ في شقه المتعلق بالحراسة:
أين يسمح بالتوقف؟ متى وأين يمكن تفويت الحراسة، ومتى لا يمكن ذلك.
وطبعا تحديد العقوبة الزجرية لكل متطاول بانتحال صفة حارس.
ومن باب الانصاف اعتبار هؤلاء “الحراس” – ومنهم طيبون وأرباب أسر – فئة اجتماعية بحاجة الى حلول وبدائل تغنيها عن هذا النوع من التطاول على حريات الناس وحقوقهم.
لقد آن الأوان لرفع العناء عن الجميع ،بتحرير المرفق العام ،حتى نتصالح مع شوارعنا وساحاتنا وأسواقنا ،بعيد عن الخوارج ،صفرية كانوا أو أباضية.