المغرب يُدشن نظاما إقليميا جديدا
بقلم : عبد القادر العفسي
بالمباشر،لعل ما يغيض “اسبانيا”أكثر هو أنها لم تستطيع اختراق الدائرة الضيقة جدا حول الملك “محمد السادس”و تخبطها في الاستنتاجات و الاستنباطات مع الدوخة و انقطاع المعلومات عن بيادقها المتسترين داخل الهيئات أو المتعاملين معها بالمغرب! فكما لا يخفى أن أهم منطقة تعرف حضورا استخباراتي ” اسباني ” هو ” المغرب ” ، بمعنى آخر فإذا كانت بعض النخب السياسية و المدنية …بالمغرب اختارت المنطقة الرمادية في الأزمة القائمة مع الجارة ” الأيبيرية “،فإن ذلك ليس إلا تأكيد على أن مصالح هؤلاء البعض مرتبطة ب” اسبانيا” أكثر من وطنهم ! أينما كانوا في شماله أو وسطه أو جنوبيه، و لعلنا الآن تَحضرنا جملة نهمس بها في أذن هؤلاء البعض و هي:”إما أن تكون مغربيا أو روح تْقَوَدْ”، فالمغرب ليست دار دعارة تجمعون الأموال بها ثم تصرفونها في “اسبانيا “!؟
لا نلوم “اسبانيا” عن تهافت التهافت لهؤلاء كما هي المعطيات الصادرة عن”السجل العقاري الاسباني” و غيره الكثير ، و لا نلوم”الأسبان” كذلك على موقفه العدائي! فهذا تدافع طبيعي بين الدول و الأمم لكن نأخذ عليها عدم الالتزام حينما تتعهد كدولة بشيء و تمارس في الخفاء شيء آخر،لكننا نسجل انكشاف الغطاء عن الطابور الخامس “الاسباني” داخل “المغرب” و الذين ابتلعوا ألسنتهم و أكلوا هواهم خشية افتضاح ممتلكاتهم ب”إسبانيا” مما هربوه من “المغرب”…و من هنا وجب التوضيح للأخر من أجل الاستيعاب و فقط،على أننا لسنا انفعالين و لا يجب أن نكون كذلك و لسنا شفونين بل مواطنين أحرار نُعبر بكل حرية و نرفض ونفضح ونشير إلى مكان الضرر على الوطن،فالمسائل المقدسة”للمغرب” لا تحتاج إلى توجيه من أعلى هرم في السلطة أو من المخزن بل يجب أن تكون عقيدة لكل المغاربة ، فمن لا غيرة له على وطنه لا غيرة له على عرضه.
هذا من جهة ومن جهة ثانية ، ففي ظل لجوء معظم دول العالم إلى تأمين ثرواتها الطبيعية و “المغرب” كذلك لم يعد يقبل أن يتقاسم معه احد ثرواته ، إضافة إلى تنويع علاقاته الاقتصادية مع مختلف جهات العالم و بناء شبكة علاقات علنية و سرية أضحى رقما مزعجا لدى أطراف إقليمية و دولية عدة ، فالجارة الشرقية التي يعاني فيها إخوتنا من الشعب “الجزائري” مِن تسلط نير العسكاريتارية التي قد اتخذت من العداء “للمغرب” عقيدة وطنية للاستمرار في نهب ثروات المغرب الأوسط و تجويع شعبه، و كأن حال لسانهم يؤكد أن استمرار تسلطهم رهين بعقدة العداء “للمغرب “، أما “روسيا” التي تربطها مع المغرب اتفاقيات تعاون استراتيجي فإنها منزعجة من التوافق الكبير بين “المغرب” و “الولايات المتحدة الأمريكية ” ( الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية + مناورات الأسد الإفريقي … ) و لا يمكنها_أي روسيا_ أن تخرج بنفوذها من شمال إفريقيا بلا حمص و لا حلوى ، أما “ألمانيا” البلد الاروبي القوي فإن استثماراتها الضخمة و هيمنتها الكلية على جزر “الكناري” قد أزعجها التمدد البحري” المغربي ” و هي الباحثة عن موطئ قدم بالمنطقة استشرافا للثروات التي تتضمنها خدمة لآلاتها الصناعية ، أما الجارة “الإيبيرية ” و هي المتخصصة في الشأن “المغربي” فإنها مازالت رهينة فكر “الاسترداد الكنسي” و وصاياه في ضرورة منع “المغرب” من أي مصادر القوة و العمل على تجويعه و شرذمته …
إن زمن الوصل ب”الأندلس” لم يكن حلما بل هو نتيجة طبيعية لواقع جغرافي له أبعاده التاريخية و السياسية بالعقيدة الدبلوماسية التي عمل عليها المغرب لأزيد من عشر سنوات و توجهه نحو العمق الإفريقي بحثا عن مصادر القوة ، جعل الجارة الشمالية جد حذرة و تلعب من وراء الستار لجعل الحصى التي وضعتها “الجزائر” تحت قدم “المغرب” تدوم و لا تبتغي لهذا المشكل الذي تعرفه أكثر من غيرها باعتبارها مؤسسة له أن يعرف طريقه للحل ، لأن في قراءتها انه لو تم حل مشكل الأقاليم الجنوبية فإن “سبتة” و “مليلية” و الجزر التابعة لهما ستتحرر تلقائيا بفعل استقلال القرار المغربي و سياسة الخنق الاقتصادي التي تبرز من خلال المشاريع و البنيات التحتية المدنية و العسكرية على الساحل المتوسطي .
أما “التوصية” التي صدرت عن ” البرلمان الأوروبي”إحدى مؤسسات “الاتحاد الأوروبي” ، و الذي يُشكر ثم ” يُؤَاخذ ” فيها “المغرب” على أحداث “سبتة” بإقحام القاصرين في مشاكل سياسية فإننا نضن باعتقاد جازم على أنها ” توصية” مفيدة، أولا : ل”لأمم المتحدة” بحيث أعطت لنفسها هذه المؤسسة الاروبية صلاحية مراقبة اتفاقيات أممية ! ثانيا : يؤكد أن وظائفية هذه المؤسسة الأوروبية هو منهح واحد يُبرر إرهاب الدولة ( الاعتداء على الأطفال بسبتة) و مافيا الدولة بالموافقة على تزوير أوراق رسمية للمجرمين والقتلة (بن بطوش نموذج) ! ثالثا : مفيدة لاسبانيا و ألمانيا و الحركات الفاشية حيث أنّ الحلف الأطلسي يؤكد أن عقيدته العسكرية الغربية لا تدخل ضمن نطاقها “سبتة” و “مليلية” و الجزر التابعة باعتبارها افريقية محتلة تقع ضمن المجال الجغرافي و التاريخي للمغرب ،رابعا والأخير : مفيدة للدولة المغربية لأن عليها في المرة المقبلة يجب أن ترسل لهم عن سبق إصرار من هم فوق 18 سنة ( باش نشوفوا لحساب كِيفَاش عاي يْخرج)! بحيث انه و من منظور اسباني بعض “ديال الدراري زعزعوا ” اسبانيا و “أوروبا” فكيف سيكون الحال إذا كانت مسيرة شعبية ؟
إذا كانت بعض العقول السياسية “الاسبانية” لازال يتراءى في مخيالها “فرديناند”و”إيزابيلا” فلا يمكن أن يمنعونا من استحضار طارق ابن زياد وموسى بن نصير…كمخيال جماعي له رمزياته و دلالته ، و بالتالي منطق الجغرافيا و التمدن و الاقتصاد و القيم الإنسانية و غيرها يفترض بناء علاقات مبنية على الثقة ، نعم الثقة و ليس المكر و الخديعة ! نعم احترام إرادة الشعوب في التجاور السلمي و تحقيق المناصفة في الاستفادة من التنمية المتبادلة، وليس منطق الاستعلاء و النظرة الكولونيالية ! المغرب موجود هنا شاء من شاء و أبى من آبى ، وليس هناك منطقة رمادية بين الوطنية و اللاوطنية و إنها البداية الجديدة لتأسيس نظام إقليمي جديد بتوازناته و أرضياته الواضحة و إنهاء الموقف المهادنة اتجاه القضايا الوطنية بالعلاقات بين الدول ، و نؤكد مرة أخرى أنها تبنى على التعاقدات الواضحة .