اسبانيا.. حكومة الهواة
منذ تفجر فضيحة بن بطوش “غايت”، ظهر جليا أن المغرب يواجه حكومة هواة بمدريد تراكم الأخطاء تلو الأخطاء، لقد بدا واضحا ان جزء كبيرا من وزراء الحكومة الاسبانية أمامهم طريق طويل وشاق، لمعرفة تقاليد تدبير خلافات بين دولتين يملكان تاريخا طويلا من العلاقات الجيدة والسيئة لكن يملكان بالمقابل تاريخا من إدارة الصراع الدائم الذي يفرضه “قدر” الجوار الجغرافي.
بدون شك أن الديبلوماسية المغربية بواقعيتها وصرامتها دفعت نظيرتها الاسبانية، لارتكاب أخطاء فادحة، لن نسهب هنا في عرض الأخطاء الدبلوماسية التي ارتكبتها حكومة بيدرو شانثيز ، أخطاء تدلّ فعلا على أنّنا إزاء حكومة بعيدة كل البعد عن حجم حكومات فيليبي غونزاليث، او خوسيه ماريا أزنار ، او خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، او ماريانو راخوي، وما زاد طين الأزمة بلة، هو افتقاد الحكومة الاسبانية لديبلوماسيين من مثيل خوسيه مانويل غارسيا مرغالو و ميغيل مارتينوس قادرين على حل المشاكل مهما كان مصدرها، لا اختلاقها بتصريحات متهورة.
فلم يسبق للحكومات الإسبانية في خلافاتها الديبلوماسية الحادة مع المغرب أن اختبؤوا وراء الاتحاد الأوربي او تلعبوا في وثائق رسمية وتزوير هوية لإدخال مجرم ومغتصب بشكل لأراضيهم في مخالفة تامة للقانون الوطني، ولم يسبق لهم بالخصوص أن استعطفوا الولايات المتحدة للضغط على المغرب. في الحقيقة اننا امام حكومة هواة فقدت كل الفرامل، وراكمت الأخطاء التي حولتها الى موضوع للسخرية كما حدث مع 29 ثانية المدة الزمنية التي تحدث فيها رئيس الحكومة الإسبانية مع الرئيس الأمريكي مشيا من موقع التصوير العائلي لقادة الحلف الأطلسي إلى باب قاعة الاجتماع خلال افتتاح قمة حلف الناتو ببروكسيل، حتى ان حجم السخرية بلغ بالقنوات والمنابر الإعلامية الاسبانية للتعليق بالقول أن حدث الاجتماع “شاهدناه ولم نراه”، مع ان قصر مونكلوا منذ أسبوع وهو يسوق لاجتماع رفيع المستوى بين بايدين وشانثيز بجدول اعمال استراتيجي، قبل أن يكتشف الاسبان أنهم كانوا ضحية بيع الوهم وتصدمهم صور اجتماع تن في “الكولوار”.
الجميع يدرك ان الموضوع الوحيد والأوحد الذي بات يشغل المملكة الاسبانية هذه الأيام، هو الأزمة مع المغرب وكيفية الخروج من عنق الزجاجة، وكان بإمكان مدريد ان تختار طرق البيت من ابوابه، فالحكومة التي تريد ان تصل لحل ديبلوماسي لا يطلق أعضاؤها العنان للخلط بين الديبلوماسية والتهور وبين اللباقة والرعونة وبين اللغة الديبلوماسية الواقعية واللغة الخشبية الاستعلائية، فمن منا يمكن له أن ينسى التصريحات المتهورة لوزيرة الدفاع مارغريتا روبلز التي اتهمت بلدنا “بالابتزاز” و”انتهاك حدود إسبانيا”، ومن سيتجاهل التصريحات غير الملائمة والوقائع المغلوطة التي قدمتها وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا، التي اقتصر دورها على تسميم العلاقات بين مدريد والرباط.
كان بالإمكان أن لا تقع هاته الازمة الديبلوماسية من أصل او لنقل كان بالإمكان تجاوز وقوعها بأقل الخسائر لولا حكومة الهواة في اسبانيا، كان بامكان حكومة سانثيز سلوك الطريق الصحيح وربط الاتصال بالمسؤولين عن الديبلوماسية المغربية، وتقديم التوضيحات اللازمة بشأن فضيحة بن بطوش والتزام بعدم تكرار ما جرى واحترام الشراكة الإستراتيجية، وكان المغرب سيطوي على وجه السرعة صفحة سوء الفهم الكبير، أما ان تختبئ اسبانيا مرة وراء قضايا مصطنعة أو تحتمي وراء مؤسسات الاتحاد الأوربي ومرة وراء إدارة بايدين وتارة وراء الأمم المتحدة في نزاع ثنائي فهذا يعني شيئا واحدا أن اسبانيا اضعف مما كنا نعتقد….
عمر الشرقاوي