لها رئيسها وحكومتها وعلمها ونشيدها وبطاقتها الوطنية،”جمهورية القبايل المستقلة” شوكة في حلق نظام الجنرالات الجزائري
عبدالقادر كتــرة
ملف حول “جمهورية القبايل المستقلة”
أعلن في باريس، يوم الأحد 25 أبريل 2010، رسميا، منطقة القبائل الأمازيغية في الجزائر “جمهورية القبايل المستقلة” بالخارج وعن تشكيل أول حكومة قبائلية مؤقتة لشعب القبائل بالجزائر، من عشرة وزراء رئيسها فرحات مهني، فيما تم تنظيم يوم السبت 27 نونبر 2010، حفل توزيع بطائق التعريف الوطنية لجمهورية القبايل المستقلة بالخارج بعد ترديد النشيد القبائلي باللغة القبائلية رُفع العلم الأمازيغي بحضور مسؤولين في الحكومة المؤقتة القبائلية
لها رئيسها وحكومتها وعلمها ونشيدها وبطاقتها الوطنية،
“جمهورية القبايل المستقلة” شوكة في حلق نظام الجنرالات الجزائري
عبدالقادر كتــرة
رفع فرحات مْهني الرئيس المؤقت لحكومة منطقة القبايل العلم الوطني الرسمي لبلاده “جمهورية القبايل المستقلة” ، الأحد 11 أكتوبر 2015، أمام مقر الأمم المتحدة، في خطوة للتعبير عن رغبة “شعب القبايل” في التحرر من قبضة النظام العسكري الجزائري.
ويطالب الرئيس مْهني باستقلال منطقة القبايل التي تعيش على وقع الاحتجاجات التي تقابلها السلطات العنصرية الجزائرية بانتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، باستقلال “منطقة القبايل” الحالمة بالحرية في ظل دولة مستقلة متعاونة مع كل الدول المحيطة مساهمة في تقوية اقتصاد ومكانة المغرب الكبير، دون أن تشكل عبئا جديدا على شمال إفريقيا المفككة بسبب المناورات السياسية والدبلوماسية الجزائرية.
ومنذ الإعلان عن “جمهورية القبايل المستقلة” بالخارج خلال شهر أبريل 2010 بباريس بفرنسا، لم يتوقف فرحات مهني رئيس “الحكومة قبائلية مؤقتة لشعب القبائل بالجزائر” عن التحركات والتنقلات والسفر، يجوب مدن فرنسا وبعض بلدان أوروبا للتعريف بهذه “الجمهورية” التي أعلن تأسيسها في الخارج وتتموقع في قلب الجمهورية الجزائرية بمنطقة القبايل الأمازيغية، ورفع علم هذه الجمهورية وترديد نشيدها، كما هو الشأن في جميع الدول القائمة بذاتها، كما يقوم بمراسلة رؤساء الدول ومسؤولي المنظمات الدولية بصفته رئيس “جمهورية القبايل المستقلة”.
إعلان منطقة القبائل في الجزائر “جمهورية القبايل المستقلة”
عبّر العديد من القبائليين المتحدرين من منطقة القبائل في الجزائر عن سعادتهم وغبطتهم حتى الانتشاء بإحساسهم بهوتهم القبائلية، بعد تسلمهم لبطائق تعريف الوطنية للهوية القبائلية الخاصة ب”جمهورية القبايل المستقلة بالخارج”، وبعد ترديد النشيد القبائلي باللغة القبائلية بحضور مسؤولين في الحكومة المؤقتة القبائلية خلال حفل توزيع بطائق التعريف الوطنية ل”جمهورية القبايل المستقلة بالخارج”، نظم باريس يوم السبت 27 نونبر 2010.
“السيد الوزير، باسم حكومة جمهورية القبايل، نتشرف بتسليمكم أول بطاقة هويتكم القبائلية .أنا جدّ فخور بتسليمكم إياها في هذه اللحظة التاريخية ليوم 27 نونبر 2010″، هكذا خاطب الموظف المكلف بتوزيع البطائق، وزيرَ الحكومة القبائلية الذي صرح بأن سعادته لا تقاس درجتها، وهذه أول ثمرة يتم جنيها من الشجرة التي تم غرسها في فاتح يوينو،” وأظن أن هناك ثمار أخرى سيتم قطفها”، ثم أضاف أن هذه نهضة يعيشها “الشعب القبائلي” حيث إنهم يحاربون منذ سنوات للاعتراف بهم، واعتبر أن اليوم يشهد ثاني أهم حدث في تاريخ السياسة القبائلية بعد حدث الإعلان عن إنشاء أول حكومة قبائلية مؤقتة لشعب القبائل بالجزائر،”يمكن أن نملس، اليوم، هويتنا، إنها بين يدي”.
حكومة قبائلية مؤقتة لشعب القبائل بالجزائر
وسبق للناشط القبائلي المقيم في فرنسا، فرحات مهني رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل (ماك)، أن أعلن في باريس، يوم الأحد 25 أبريل 2010، رسميا عن إنشاء أول حكومة قبائلية مؤقتة لشعب القبائل بالجزائر. وتتشكل الحكومة من رئيسها فرحات مهني، وأرزقي بوسعيد وزير المؤسسات والإدارة والأمن، وأرزقي أيت حموك وزير العلاقات الدولية، واليزيد عبيد وزير الاتصالات والعدل وحقوق الإنسان، وإيدير دجودر وزير الاقتصاد والمالية والبيئة، ولحسن الزياني وزير اللغة القبائلية والتعليم والبحث العلمي والتكوين، ومولود مرحاب وزير التحاور والتحكيم مع المجتمع المدني، وجميلة عمكود وزيرة الثقافة، ومليكة مواسي وزيرة الصحة والتضامن، ثم مخلوف إدري وزير الشبيبة والرياضة والناطق الرسمي باسم الحكومة.
وذكر بيان الحركة الصادر بالمناسبة بأسباب قرار إنشاء الحكومة المؤقتة مشيرا، إلى أن منطقة القبائل كانت في مواجهة مع الدولة الجزائرية المسلحة ب”عسكر الحدود” وقواها الإجرامية والعنصرية والمناهضة للقبائل، بتعبير البيان، حيث قادت الدولة، منذ عام 1963، حربا ضد منطقة القبائل وقتلت ما لا يقل عن 400 من أبنائها في أقل من ستة أشهر، وأصبح وصم القبائل بالعار، على مر السنين، الثابت الوحيد في السياسة الداخلية للنظام في الجزائر العاصمة، حيث أصبح القبائليون، منذ ذلك الحين، وبطريقة خبيثة واعتباطية، محطّ الإدانة الوطنية بحيث يوصفون بكونهم “انفصاليون” أو”العدو الداخلي” أو “يهود”… ، ويتم حظر أطرهم من الارتقاء الوظيفي على الرغم من كفاءاتهم الكبيرة جدا، ويُنفى قادتهم السياسيون المنفيون أو يتعرضون للقتل.
تنديد بما تتعرض له منطقة القبائل
تتعرض منطقة القبائل لممارسة ضريبية تمييزية من أجل حرمانها من فائض يمكن إعادة استثماره في اقتصادها المحلي، حيث تمت محاصرتها عسكريا، وتركت لانعدام الأمن الذي يخلقه الإرهابيون وجهات أخرى، وهم المواطنون الذين، في ثلاث مناسبات، حرروا أشخاصا اختطفوا من قبل الإرهابيين مقابل الحصول على فدية.
وتساءل قياديو “جمهورية القبايل المستقلة بالخارج” كيف يمكن أن تكون منطقة القبائل ، التي تمثل 2 في المائة فقط من مساحة الجزائر أن تستقبل 30 في المائة من القوات العسكرية (؟) وتتعرض المساحة الغابوية في منطقة القبائل لحرائق تُبرّر رسميا باسم مكافحة الإرهاب الإسلامي.
واستحضر، بيان صدر بالمناسبة، المسار الطويل من النضالات والمعاناة اليومية والثورات والانتفاضات المتكررة سنوات 1963، 1980، 1985، 1988، 1994، 2001، منذ “الربيع البربري” عام 1980 الذي اقتصر على مطالب لغوية محضة، ثم المطالبة بالحكم الذاتي منذ اليوم الذي قام فيه النظام الجزائري بإطلاق الرصاص على أبناءنا في “الربيع الأسود” عام 2001. وفي يونيو 2008، وجهت الحركة من أجل استقلال القبائل،عن طريق البريد، طلبا رسميا لأعلى الدوائر الرسمية في البلاد بتبني حكم ذاتي إقليمي موسع. الطلب كان مرفقا باقتراح حول إجراء استفتاء شعبي للتأكد من شرعية المطلب.
وعهدت هندسة الحكومة القبائلية المؤقتة لشعب القبائل بالجزائر وعملها إلى لجنة تفكير برئاسة عابد اليزيد فيما عهدت بالمسؤولية في فرنسا للسيدة جوهرة عبودة يساعدها كل من إيدير جودار ومولود مرحاب. وفي منطقة القبائل فإن الرئاسة عهدت إلى رئيس المجلس الوطني للحركة من أجل استقلال منطقة القبائل محند لارفي تييف.
قبل شهر من إعلان “الحكومة القبائلية المؤقتة”، استقبلت الخارجية الفرنسية وفدا برئاسة فرحات مهني تناولت معه “تاريخ العلاقات بين فرنسا والمنطقة القبائلية” (حسب بيان صحفي لأرزقي بوسعيد، رئيس الفرع الفرنسي لحركة الاستقلال الذاتي للمنطقة القبائلية)، وفي يناير 2002، أرسل فرحات مهني إلى السكريتر العام للناتو رسالة يقول فيها إنه “واثق من يقظة الحلف لمنع ارتكاب مجازر جديدة ضد القبائليين، ضحايا الإرهاب الإسلامي والعنف الحكومي”.
فرحات مهني يدعو “بان كي مون” إلى إرسال قبعات لحماية “المزابيين”
وجه فرحات مهني رئيس الحكومة الانتقالية لمنطقة القبائل رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة دعاه فيها لأن “يُخطِر مجلس الأمن بالوضعية الدراماتيكية التي يعيشها الشعب الميزابي في الجزائر”، والذي يحتاج إلى “حماية دولية من القبعات الزرق”.
وقال رئيس الحكومة الانتقالية لمنطقة القبائل، إن الميزابيين يتعرضون لسياسة “إبادة” من النظام، وأنه (النظام) يسعى لتجريدهم من هويتهم ولغتهم، وإنه ينتظر ردا من الأمين العام بان كي مون.
ويعتبر النظام هذه الدعوة غريبة من شخص يزعم أنه يتحدث باسم الجزائريين، وهو شخص ألِف استغلال أحداث محلية “مأساوية” ليدعو إلى التدويل، من هناك من فرنسا حيث يعيش وحيث يكتب بياناته ونداءاته.
ولم تجد نداءات مهني الانفصالية أو التدويلية التي يكتبها كل سنة، حسب النظام الجزائري، استجابة من الجزائريين في منطقة القبائل أو ميزاب أو الطوارق أي “تصفيق” من أحد، ما يجعله بعيدا جدا عن الوصول إلى ما يخطّط له، مصممة على الإشارة بأن مهني زار إسرائيل في 20 ماي 2012، دامت أربعة أيام، التقى خلالها نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي.
فرحات مهني : دعمت المقترح المغربي للحكم الذاتي لأنه أكثر حكمة من الموقف المتصلب للحكومة الجزائرية
عبر فرحات مهني زعيم “الماك” (Mouvement pour l’autonomie de la Kabylie – MAK- الحركة من أجل الحكم الذاتي بمنطقة القبائل أن يوصف بالانفصالي)، في العديد من المناسبات، عن يقينه أن إقامة حكم ذاتي ببلاد القبائل قائم على برلمان وحكومة مرتبطين بالحكم المركزي بالجزائر من شأنه تجنيب البلاد التفكك والمآسي ويصر على أن حركته سلمية وديمقراطية وتمد يدها الى صناع القرار بالجزائر بحثا عن حل سياسي حكيم لوضع منطقة القبائل التي يعتبر أن طلاقها السياسي مع السلطة الجزائرية المركزية مستهلك وبائن .
ويقول عن الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل أنها تدعو إلى الحكم الذاتي الجهوي لتجنب الجزائر انفجارا داخليا، مؤكدا على أنها سلمية تعتمد على العمل الديمقراطي من أجل تحقيق أهدافها، في الوقت الذي يعمل النظام الجزائري على تشويه صورتها، وذلك من طبيعة النظام في انتقاد وإنزال اللعنة على كل الذين يعارضونه .
مجتمع القبايل سرعان ما أظهر اهتمامه وتعاطفه مع مطلب الحكم الذاتي، يضيف مهني، وهذا ما شجع الحركة على الاستمرار في زخم مسيرتها . “لقد مرت إلى حد الآن ثمان سنوات على وجودنا، وجهودنا كللت بالنجاح والنصر وفي العشرين من شهر أبريل الماضي نزل إلى شوارع تيزي وزو (عاصمة منطقة القبائل) أزيد من عشرين ألف شخص تلبية لنداء حركتنا، وتظاهرات أخرى مدرجة في أجندة الحركة خلال السنة التي نستقبلها والتي ستظهر لكم حقيقة تجذرنا في المجتمع القبائلي” .
المعارض القبايلي أكد على أن حاملي مشعل الحركة القبائلية واعون بالتحديات التي يرفعونها وعليهم تحمل المخاطر، مذكرا في نفس الوقت بحادث اغتيال ابنه البكر في يونيو 2004 كعقاب له على تهوره وتجرئه على المطالبة بالاستقلال الذاتي . “ومهما يكن فحين تكون لدينا قوة الإيمان بقناعاتنا فإن مسيرة التاريخ لا تتوقف أمام الصخور مهما ازدادت قوتها وصلابتها .”
فرحات مهني اتهم الأجهزة الجزائرية بالتخفي وراء الأسماء الصحفية المستعارة لاتهامه بالنضال لحساب الموساد الإسرائيلي، بعد النصر والاستجابة التي تلت وقوفه بمنبر الأمم المتحدة في 26 ماي 2009 (تدخل لفرحات مهني بمنبر الأمم المتحدة للمطالبة بالضغط على الجزائر من أجل فرض الحكم الذاتي في منطقة القبائل)، “التخريجة الوحيدة التي عثر عليها النظام هي الادعاء أننا اجتمعنا مع كل من الموساد والسييا بسفارة إسرائيل بباريس ولقد رفعت دعوى قضائية في موضوع هذه الاتهامات والعدالة الجزائرية لم تبث بعد في ملف القضية .”
فرحات مهني أشار إلى أن الطلاق بين السلطة الجزائرية والقبايل قد استهلك عمليا وتحول الحكم الذاتي إلى ضرورة حيوية باعتباره أهون الشّرّين مما قد يحدث أو تؤول إليه الأوضاع إذا ظلت راكدة على ما هي عليه، “نحن في الواقع صمام أمان ضد الاضطراب وتفكك البلاد، وبدون الحركة ومطالبتها بالاستقلال الذاتي ستتجه الأمور حتما مباشرة نحو تفكك وتفتت الجزائر”، مؤكدا على أن سياسة النظام الجزائري التي تتماهى مع النموذج الصربي في يوغوسلافيا السابقة هي التي ستؤدي إلى ما لا يمكن إصلاحه فيما بعد .
“وقبل فوات الأوان أوجه نداء إلى صناع القرار بالبلاد ليأخذوا بعين الاعتبار مطالبنا، فالحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل تمد إليهم اليد للتوصل إلى حل سياسي حكيم وتجنب وقوع مآسي ناتجة عن المنطق السائد لديهم الى الآن”، ثم يضيف قائلا إنه إذا اقترحت الحكومة الجزائرية، في الأيام المقبلة، على الحركة التفاوض بشأن شروط الحكم الذاتي الاقليمي لمنطقة القبائل ستقبل طواعية بذلك .
ودعا جميع شعوب الشمال الافريقي الغنية بثقافاتها المتعددة إلى العمل في اتجاه تعميم أشكال الجهوية الذاتية حيثما كان ذلك ضروريا، وذلك لتشييد مجموعة جيوسياسية أكثر شمولية وتضامنا واستدامة من الاتحاد المغاربي البائس أين يحلو لرؤساء دول توريط بعضهم البعض بدلا من التركيز على أفضل السبل لبناء مستقبل مستديم لشعوب هذه المنطقة من العالم .
وحول انتقاده لتواجده خارج الجزائر، ذكر فرحات مهني بأنه كان في الميدان من 2001 الى 2009 منذ إقرار العفو بالجزائر لمجرمي الدم والارهابيين الاسلاميين المنتمين للقاعدة، وقد تحول قمع الديمقراطيين وخاصة المطالبين بالحكم الذاتي إلى هواية مفضلة لبوتفليقة وأتباعه، وبعد اغتيال ولده البكر البالغ من العمر 30 في يونيو 2004 قاموا بنفيه من خلال قرار توقيف لا يستند إلى أي حجة قانونية باستثناء الرغبة في سجن معارض مقلق بالنسبة لهم .
“لكن النضال من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل ليس ملكية شخصية أو مصلحة ذاتية، إنه كفاح شعب بكامله، الشعب القبايلي الذي يهب لمؤطر نضالاته “الماك” ما يكفي من النساء والرجال ذوي القيمة، يشتغلون كل يوم بقناعة وتفان لتحويل الحكم الذاتي للقبايل إلى حقيقة ملموسة، وبفضلهم التأم في مسيرة تيزي وزو في العشرين أبريل 2009 ما لا يقل عن 20 ألف شخص حملوا جميعا مطلب الحكم الذاتي” .
ورفض مهني أن يوصف بالانفصالي مؤكدا على أن الحكم الذاتي الجهوي لم يتسبب إلى حد الساعة في تفكيك أي بلد، بل بالعكس هو أفضل دفاع وحصن لمواجهة هذا الخطر، وعلى الجميع أن يعي أن “الماك” هو الحل وليس المشكلة، هو السلام و ليس الحرب.
المعارض فرحات مهني يرفض الموقف الجزائري الرسمي من قضية الصحراء من منطلق ما يسميه أساس القيم والواقعية، ويعتبر أن المقترح المغربي للحكم الذاتي بجهة الصحراء أكثر حكمة من الموقف المتصلب للحكومة الجزائرية لأنه على الأقل معنويا يحمل السلام ويحقن الدماء. “إنه معنويا أحسن من الحرب لتتحد جهود شعوبنا وتتوجه نحو بناء اقتصادياتنا وثقافاتنا وهوياتنا، ونحن جميعا بحاجة للسلام، ليس لدي الحق للتكلم مكان الآخرين، ولكن لو كنت قائدا لجبهة البوليساريو لكنت قبلت ووافقت على المبدأ على الأقل وما يتبقى من تفاصيل فهو مفتوح لمجال التفاوض”.
فرحات مهني القبائلي سياسي وابن مقاوم عشق الغناء ودرس العلوم السياسية
سعيد هادف *
في البداية من الضرورة أن أشير إلى أن القبايلي يعتبر نفسه (في الجزائر) الوريث الشرعي لتراث تامزغا، فقد ظل يعمل دون هوادة على ربط حاضره ومستقبله بالصباح الأمازيغي وقد اكتست هذه النزعة طابعا متطرفا، وهو أمر يمكن تفهمه إزاء نزعات أكثر تطرفا والمتمثلة في النزعتين العروبية والإسلاموية. لقد انكسرت صورة العروبة في مشاعر القبائلي وفي وعيه ومخياله، وهنا تكمن الخطورة، لكن السؤال الذي يجب طرحه، من المسؤول عن هذا التمثل المأساوي للهوية ؟ ما هي الأسباب التي عمقت في مشاعر القبائلي روح العداء لكل ما هو عربي ؟
فرحات مهني ككل مثقف جزائري يتطلع إلى الحرية ويتمتع بحس نقدي، هو نتاج هذه المرحلة، بكل تناقضاتها وتخلفها الفكري والسياسي.
وهو فاعل سياسي ينحدر من منطقة القبايل وابن مقاوم، من مواليد 1951، عشق الغناء ودرس العلوم السياسية.
مع بداية السبعينات تعرف على سعيد سعدي وخاضا معا تجربة نضالية من خلال إصدار مجلة تافتيلت “النور” التي أصبحت بعد ذلك تحمل اسم إيتري “النجم”.
انخرط في النضال الثقافي والحقوقي وتعرض إلى الاعتقال أكثر من مرة، كما كان أحد مهندسي الربيع البربري سنة 1980، وأحد المؤسسين لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) رفقة سعيد سعدي ومقران آيت العربي بعد انتفاضة 1988.
بعد اختلاف في وجهات النظر مع سعيد سعدي، انسحب من هياكل الحزب ليرأس مع بداية التسعينات الحركة الثقافية البربرية وهي حركة لم تكن معتمدة وكانت قريبة من الحزب العتيق (الأفافاس) والحزب الناشئ (الأرسيدي).
مع 1994، في خضم الانفلات الأمني والاحتقان السياسي عاد فرحات إلى ملاذه الأول، الموسيقى والغناء مواصلا مشواره النضالي من أجل الأمازيغية والعلمانية والديمقراطية، ثم سرعان ما عاد مجددا إلى النشاط الجمعوي منتصف التسعينات في إطار التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية البربرية (آم سي بي)، وقد دخلت معه الكتلة الرئاسية في عهدة اليامين زروال في مفاوضات من أجل توقيف الحركة الاحتجاجية التي قادها التلاميذ واشتهرت تحت اسم “إضراب المحافظ”. كان تعلم اللغة الأمازيغية هو المطلب الرئيسي. و مع دستور1996 بدأ النظام يقدم بعض التنازلات واعترف بالأمازيغية كمكون من مكونات الهوية الوطنية مثل العربية والاسلام.
في سنة 1997 استقال من الأرسيدي متهما سعيد سعدي بخيانة الأمازيغية والديمقراطيا، وقرر الخروج من اللعبة الحزبية، وأصدر ألبومه الغنائي “أغاني النار والماء”، ومع 1998، بعد اغتيال معتوب الوناس غادر إلى فرنسا منفاه الاختياري. مع بداية 1999، في غمار التحضير للرئاسيات التي فاز بها بوتفليقة، عاد إلى الجزائر من أجل تفعيل الحركة الثقافية الأمازيغية.
ويبدو أن فرحات مهني طيلة مسيرته بين الدراسة والغناء والنشاط الجمعوي والحزبي ظلت علاقته متوترة مع السلطة كما مع المعارضة ولم يقتنع بتلك الرؤى النمطية التي تبنتها المعارضة السياسية التي يتقاسم معها المرجعية، سواء في الأفافاس أو حتى في الأرسيدي الذي كان أحد مؤسسيه، وهذا ما جعله يتبنى المقاربة السياسية الجهوية، منذ سنة 2001 ذكرى الربيع البربري و2002 الربيع الأسود وما ترتب بعد ذلك من أحداث، ليقرر تأسيس الحركة من أجل الحكم الذاتي بالقبايل. وبهذا أحدث فرحات النقلة النوعية في النضال السياسي المعارض، ليرفع من سقف المطالب التي ظلت حبيسة براديم بدائي، وظلت تدور في حلقة مفرغة مثلما هو حالها اليوم.
مع 2004 يتعرض نجله إلى الاغتيال، ويعتبر العملية انتقاما منه بسبب مواقفه السياسية.
مع 2010 يعلن من باريس عن حكومته المؤقتة التي تشكلت من تسعة وزراء، ومنذ اجتماع المجلس الوطني للماك في دورته العادية شهر أكتوبر 2013 أصبح الحزب يحمل اسم “الحركة من أجل تقرير مصير القبايل”.
فمن خلال السياق الكرونولوجي والبيوغرافي، فإن نضال فرحات مهني ظل مرتبطا بشكل جدلي مع السلطة والمعارضة، وأن حركته السياسية التي يدعو من خلالها إلى تدبيري سياسي جديد لمنطقة القبايل يتسم بالسيادية على النطاق الترابي لا يحمل أي نزعة انفصالية مثلما يروج البعض. وحتى الدعوة إلى حرية تقرير المصير لا تحمل أي تهديد للوحدة الترابية الجزائرية، بل العكس من ذلك، فإعادة الاعتبار للشأن الجهوي والحكم الذاتي والمقاربة الفيدرالية هي من صميم الديمقراطيا في طابعها التشاركي وآلية تعزز من الوحدة السياسية والترابية.
إن قراءة في تجربة فرحات مهني تجعلنا نستنتج أن فرحات والمعارضة بشكل عام والمعارضة ذات المرجعية الأمازيغية بشكل خاص لم تحدث تأثيرا عميقا في النسق السياسي الجزائري، وهذا ما جعل فرحات مهني يدرك أهمية تجديد “البراديم”، والتأسيس لحزب يطالب بالحكم الذاتي وإعادة الاعتبار للشأن الجهوي وهذا ما يجب أن تدركه الطبقة الحزبية في الجزائر وأن تحصر جهودها في النطاق الجهوي والتحرر من مركزية القرار والتسيير.
فلو كان الغرب الجزائري، مثلا، في ظل نسق سياسي لامركزي، ويتمتع بقسط من السيادة لظلت الحدود مع المغرب مفتوحة.
باحث جزائري في الشأن المغاربي
الربيع الأمازيغي بالجزائر
اندلعت مظاهرات الربيع الأمازيغي في 20 أبريل 1980، إثر منع محاضرة للكاتب مولود معمري، وشملت ولايتي تيزي أوزو وبجاية في المنطقة القبائلية، بالإضافة إلى بعض جامعات الجزائر العاصمة، وتمثلت مطالبها في الاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغيتين وفتح باب الحريات السياسية.
ولا تزال المنطقة القبائلية تتكلم لغة الجزائر “التاريخية”، الأمازيغية، وتوجد فيها حركة شعبية تطالب بترقية هذه اللغة، نشأت داخل الحركة الاستقلالية (حزب الشعب الجزائري) في أربعينيات القرن الماضي. وتقع هذه المنطقة شرق الجزائر العاصمة وتشمل ولايتي بجاية وتيزي أوزو وأجزاء من ولايتي سطيف والبويرة.
كلمة “قبائلي” مشتقة من “قبائل” (وهو الاسم الذي كان الأتراك يطلقونه على عدة مناطق جبلية في الشرق الجزائري)، لكن هذا الاسم عكس ما قد يتصور، لا يعني أن التنظيم الاجتماعي في المنطقة تنظيم “قبلي”.
يشكل الأمازيغ القبائليين 10 ملايين حوالي 20 بالمائة من مجموع 45 مليون جزائري حسب تقديرات الباحثين (لا توجد في الجزائر إحصائيات رسمية أجرىت على أساس لغوي)، ويسكنون مناطق أخرى غير المنطقة القبائلية : جبال الأوراس (الشرق) ووادي ميزاب وجبال الهقار والتاسيلي (الجنوب) وجبال شنوة (غرب الجزائر العاصمة)، الخ.
“المرابطون” في المجتمع القبائلي “عائلات شريفة”، كثيرا ما كانت تحتكر معرفة اللغة العربية والقرآن، ويقال إنها وفدت إلى المنطقة من جنوب المغرب الأقصى، وهي ربما تحمل هذا الاسم إشارة إلى الدولة المرابطية (القرنين الحادي عشر والثاني عشر) التي كانت عاصمتها مراكش