أيُّ الضَّرَيْنِ أَخَفُّ: اسْتِحْقاقٌ مُؤَجَّلٌ أَمْ وَباءٌ مُتفاقِمٌ ؟
كمال الدين رحموني
هَمْهماتٌ تتداعى، ونبضٌ مجسوس يُطِلُّ برأسه، فأيُّ الأمريْن أقرب للمصلحة: إصرارٌ على انتخابات في محدّدة مع توقُّع الأسوء، أم سلامة وطن ، وصحَّةُ مواطنٍ، وتفادي مضاعفات وباء يتسلل كل يوم إلى تجمعات صغيرة يفتك بأفرادها، ويزرع الحزن والأسى في جنباتها؟ هل ندرك تداعيات الرهان على موعد انتخابي يمكن الاستعاضة عنه بموعد متجدد ريثما تتحسن مؤشرات الوباء تقلُّصا أو اجتثاثا، مع الاستعداد لمستقبل الوباء بعد زواله. إن أفظع الخسائر هو إبادة حيوات مواطنين، منهم من لازال يستهتر بالوباء، إنكارا وعنادا وتشكيكا في مصداقية التدابير الصحية والإجراءات الاحترازية التي لم تَعُدْ تُجدي نفعا كلما سارع الوباء إلى التهام مساحات من الوجود البشري. أمام هذا المعطى الوبائي المتفاقم: كيف يبدو النظر إلى الموعد الانتخابي القادم؟ أليس من بعد النظر العميق، والرأي السديد أن تعلوَ مصلحة الوطن على مصلحة الفرد، من خلال الحرص على سلامة مواطنيه، في مقابل عملية انتخابية تُؤجَّل كما أُجّلت ملتقيات رياضية كبرى كأولمبياد طوكيو، وبطولة أوربا لكرة القدم ؟ إنّ التقدير الحصيف، ومن منطلق المقارنة بين مصالح الاستحقاق الانتخابي ، في مقابل مفاسد الوباء التي لحقت بالبلد والمواطنين، يؤول إلى درء مفاسد الوباء. وقد يدَّعي مُدّعٍ أنّ الإسراع في انتخاب أعضاء مؤسسة تشريعية، له من المصالح أيضا من خلال التشريعات التي تسعى لتنظيم عدد من القطاعات والتفكير في مشاريع قوانين للحد من البطالة ، وتقليص الفوارق، ودعم الاقتصاد وتحفيز الاستثمار، وغيرها من المبررات، لكن السؤال الوجيه: لِمَ كل هذه المشاريع، أليست لخدمة المواطن، فكيف إذا اعترى الوباء عددا هائلا من الناس، وفتك بأرواح كثيرين منهم، وخيّم الحزن الطويل على أُسر ستفقد من يعولها؟ أليست الدولة بقدّها وقديدها، وأجهزتها ومؤسساتها كلها إنما جعلت لسياسة الناس بالقوانين، والسهر على إسعاد المواطن؟ وكيف يسعد هذا المواطن إذا أصيب بالوباء، أو كان سببا في نقله إلى غيره؟ ألا يحذونا الخوف من تنامي الانتشار السريع للوباء، فكيف يبقى الإصرار على مدّ الوباء بأسباب الانتشار والتعمير الطويل؟ إن بعض سلوكات من يُفترض فيهم أنهم يسعون لتمثيل الأمة في المؤسسات التشريعية والمهنية، ربما لم يدركوا معنى التمثيل وما تقتضيه أمانته. ليس الغُنْمُ في مقعد يفوز به هذا أوذاك، وليس الغُنْم في أغلبية يكتسحها هذا الحزب أو ذاك، إنما الطموح الملحُّ أن تنجوَ سفينة بلد طوّقها الوباء ولا زال، هذه السفينة التي يركبها كل مواطن يحرص على سلامة بلده، وصحة وطنه، فنحن جميعا في سفينة وطن تسير في بحر لجّي تغشاه جائحة تستفرد بأبنائه كل لحظة، لا تميز بين كبير وصغير، ولا بين غني وفقير، ولا بين سياسي ومثقف. السفينةُ تصارع أمواج الوباء العاتية، فهل تتوقف السفينة لحظة لالتقاط الأنفاس، لوضع اللبنات الناقصة لتجاوز أزمة صحية، قد تغرق السفينة – لا قدّر الله- وساعتها سنعَضُّ الأنامل من الحسرة والأسى. ما أشبه حال أبناء الوطن بحال أصحاب السفينة في التمثيل النبويّ، في فريضة التناصح الجماعيِّ الواجبِ في مثل هذه الأزمات. المحنةُ التي نحن فيها، محنةُ وباء فتّاك يكاد يستشري، يُودي بعشرات الأرواح، بعد أن يصيب الآلاف. فهل يبقى الإصرار قائما على رفض التأجيل، أم نُلْهَمُ الرأيَ السديد، لنضرب موعدا آخر لانتخابات مقرَّرة؟