تقليد- ثيوسي –
شحلال محمد
يشترك المغاربة في كثير من التقاليد الجميلة عبر تراب الوطن،لكن الأمازيغ منهم، ينفردون ببعض الظواهر التي تطبع أفراحهم ،كما هو الحال في مجال هدية العرس ،التي تعرف في بلدتنا ب،،ثيوسي،،والتي اكتست في القديم طابعا مميزا.
كان العرس مناسبة يترقبها الأهالي بشوق، بعد استكمال عملية جمع وادخار المحاصيل ،ليستمتع الجميع بلحظات من الفرجة بعد طول معاناة.
وإذا كان للأعراس طقوسها المختلفة،فإن المدعوين لها،كانوا لا يلبون الدعوة إلا بعد مراجعة دقيقة وجرد للتأكد من سلامة الذمة أو الاستعداد لرد دين سابق.
إن فئة قليلة من الناس هي التي كانت تقدم هدايا العرس من غير خلفية أو حسابات مستقبلية،أما السواد الأعظم منهم،فإنهم كانوا يعتبرون،،ثيوسي،،دينا ينتظر سداده عند أول زفاف، ولذلك ظلت الأسر تحرص على حفظ سجل الهدايا التي ترقى إلى درجة ،،ثيوسي،،حتى يتم الرد بمثلها أو أحسن من لدن ذوي النخوة.
كان المدعوون يقدمون لصاحب العرس ما تسمح به أوضاعهم، بدءا بلتر من زيت الزيتون أو كمية من الحبوب وغيرها،لكن العطاء لا يرقى إلى درجة،،ثيوسي،، إلا إذا كان رأسا من الغنم أو الماعز أو قنطارا من الحبوب،قبل أن يصبح كيس السكر هو سيد الهدايا.
كان هذا الكيس يحتوي على اثنين وثلاثين مما يعرف ب،،قوالب السكر ،صنف : بونمر،،.
أذكر كيف كنا معشر-الصغار-إلى جانب،،المزاليط،نتأمل موكب أهل،،ثيوسي،، وهم منتشون برقصات نسائهم وزغاريدهن، قبل أن يلتحموا مع وفد المستقبلين ،لينعقد عرس مصغر، تتخلله كل آيات الاستقبال الرفيع وأرقى عبارات الحفاوة.
كان المدعوون من المعوزين يشعرون بمرارة لا تخفيها قسمات وجوههم وهم يلمسون ما يصنعه المال بالمشاعر،خاصة حين يعامل حاملوا ،،ثيوسي،، بشكل لافت.
وللأمانة،فإن أبناء الطبقة المعوزة،كانوا سباقين إلى متعة خاصة دون مقابل،حيث كانوا يحيون الليالي التي تسبق العرس بنوبات من الرقص الهيستيري ،لأن الرقص في اليوم الموعود،يتطلب مصاريف ولباسا خاصا ،فيصبحون مجرد متفرجين صاغرين يكتفون بما أنجزوا في جنح الظلام.
كان أهل،،ثيوسي،،يتلقون الثناء بصور مختلفة،ذلك أن قريبات العريس يبدعن في زجلهن للإشادة بمن شرفوا العائلة عبر توصيفات يلتقطها المعنيون للانتشاء،كما يلتقطها الآخرون لاجترارها والمبالغة في تأويلها تحت وقع الغيرة وسوء الحظ مجتمعين !
وكدليل على تأثر أبناء المعوزين من الجنسين بما سجل من أشعار في حق المستحقين،فإن بعض أبيات من شعر النساء المعروف ب،،إزلان،،ما زال يتردد بين الناس، ليذكر بعرس فلان أو علان،كما أن القائلة سرعان ما ينطبع اسمها في العقول والقلوب!
إن تداعيات،،ثيوسي،،لم تكن لتتوقف عند صور الاحتفاء بأصحابها خلال الاستقبال،وإنما تنتقل إلى ما بعد انتهاء مراسيم العرس وانصراف المدعوين العاديين.
وهكذا فقد كان أهل العرس يلتمسون بإلحاح وباليمين أحيانا من أصحاب ،،ثيوسي،،ألا يغادروا حتى يتم تكريمهم بوليمة إضافية،حيث يعمد الى شي عدد من رؤوس الأغنام بما فيها عدد من ،،ثيوسيوين،، المناسبة(جمع ثيوسي)على شرف هؤلاء كعربون على التقدير ورد الجميل.
وإلى جانب أهل ،،ثيوسي،،المكرمين بالدرجة الأولى،فإن بعض الأعيان كانوا دائما على اللائحة ،مما ساهم في امتداد هذا التقليد ،تقليد إكرام أهل،،ثيوسي،،وهو ماجعل منظمي الأعراس يضعون في الحسبان هذه الوليمة التي ليس لها من مبرر إلا تكريس الطبقية من حيث لا يدرون.
كان يوم العرس فرصة للتنفيس عن النفس عبر أشكال الفرحة،لكن ،،المزاليط،، كانوا يتألمون عندما ينفض الجمع ويستثنى ذوو الحظوة الذين يتلذذون بالتهام،،لمصور*،بينما تمنع رائحة اللحم المشوي النوم عن ،،المعذبين في الأرض،، !
كم إثما صنعه قتار القدر ،فكيف إذا كان لحما مشويا مازال حلما لدى الطبقات المحرومة !
* لمصور هو شي الشاة كاملة….
