الفريق شنقريحة..حتى أنت يا ماكرون؟
رمضان مصباح الإدريسي
أوسمة عسكرية ،لحكم دولة مدنية:
يتحدث الملف الإداري العسكري للرجل ،عن تخصص ثقيل جدا؛ضمن القوات البرية التي تشكل نسبة 70% من ديموغرافية الجيش الوطني الشعبي الجزائري؛وهذا مفهوم اعتبارا لشساعة الخريطة الصحراوية للبلاد:
أزيد من مليوني كلم2؛أربعة أخماس المساحة الكلية للجزائر: 2,381,741 كلم2؛واعتبارا ،أيضا، لطول الحدود مع الجيران:
*982كلم مع ليبيا. *1376 مع مالي *463 مع موريتانيا
*1559 مع المغرب ؛تتضمن 42كلم مع الصحراء المسترجعة. *956 مع النيجر * 965 مع تونس. المجموع:6334كلم.
تخصصَ الفريق سعيد شنقريحة في المدرعات؛وقد تماهى معها منذ نعومة عسكريته ،التي شبت واكتهلت وشاخت بين ثكنات الجزائر وروسيا.
يقول عنه موقع”أورونيوزEurenews”،بمناسبة تعيينه قائدا للقوات البرية سنة 2018:
“يعرف عن اللواء شنقريحة بأنه ابن القوات البرية في الجيش، وهو خبير في حرب الدبابات، ومعروف بصرامته الشديدة وشجاعته وكفاءته. وكثيرا ما وصف شنقريحة بأنه أحد مهندسي التكتيكات التي تنتهجها القوات البرية الجزائرية اليوم؛ فقد حصل على كل الدورات التكوينية لقيادات الجيش الوطني الشعبي في الجزائر وروسيا، وقضى أغلب سنوات خدمته في أقاليم الناحيتين العسكريتين الغربية والجنوبية الغربية؛ في سيدي بلعباس وبشار و تندوف ووهران. وقضى شنقريحة سنوات طويلة قائدا ميدانياً متنقلاً من مناصب: قائد كتيبة، وقائد لواء، وقائد فرقة ،وقائد جمهرة ؛وهو عسكري محترف بامتياز.”
أما حروب الرجل المعلنة ،فتتوزعها الجبهة المصرية في حربي العرب ضد إسرائيل:1967/1973؛ والجبهة الداخلية ،الجزائرية الجزائرية ؛خلال العشرية السوداء ،التي أبدعتها الدولة العسكرية ،لتصفية خصومها الإسلاميين،بمسمى:الحرب على الإرهاب ؛والحال أن الإرهاب الكبير الذي أشعل الشرارة ،شكله انقلاب يناير1992 على نتائج الانتخابات التشريعية ،التي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ نجاحا كاسحا:188 مقعدا ،مقابل 16 مقعدا لجبهة التحرير.
هناك شهادات جزائرية كثيرة تؤكد أن شنقريحة يعتبر، بامتياز ،سفاح العشرية السوداء ؛ولعله في المقابل – اعتبارا لنتائج الحربين العربيتين- لم يقتل إسرائيليا واحدا في الجبهة المصرية.
وذريعة محاربة الإرهاب هذه،تخفي في طياتها تثبيت الشرعية لحكم العسكر ،واقتصاد العسكر ؛حتى لا تُستنشق في الجزائر غير رائحة البارود.
يشهد ضابط المخابرات السابق ،محمد سمراوي،بأن مدير المخابرات ،وقتها،الجنرال العماري ،قال لهم بالحرف:” إني مستعد لقتل ملايين الجزائريين ،إذا تطلب الأمر ،للمحافظة على النظام الذي يهدده الإسلاميون” ؛ويكمل الضابط: وأنا أشهد أنه كان في غاية الجدية.
فعلا ولا يمكن للقتل إلا أن يستعر ،حينما يوكل الأمر لمُدرعاتي ثقيل ، على شاكلة شنقريحة،رغم جزائريته البِسكراوية ،التي رأت النور و شبت بالجنوب الشرقي للبلاد.
وما دامت الدولة عسكرية ،مدرعاتية ،فقد حاز الفريق عدة أوسمة ،أغلبها ملطخ بالدماء الجزائرية :
*وسام الجيش الوطني الشعبي ،من الشارة الثالثة. * وسام المشاركة في حروب الشرق الأوسط. *وسام الاستحقاق العسكري *وسام الشرف.
ولسائل أن يسأل: وبأي وسام استحقاق مدني يحكم الفريق المدر عاتي دولة الجزائر؛منتصبا مرشدا أعلى،صارما ، فوق الجميع ؛على الطريقة الإيرانية ،التي يجلس فيها الرئيس المنتخب،خاشعا، بين يدي وركبتي فقيه معمم ،حاز كل آيات الله؟
وهل يحتاج من تأتمر بأوامره كل القوات البرية ومدرعاتها،لشرعية تاريخية ،أو معرفية،أو سياسية، تخول له حكم دولة الجزائر ؛خصوصا وهي – الدولة وليس التشكيلات السكانية – الفتية بنت سنة 1962 فقط،كما تؤكد كل الأرشيفات التي نعرف ،والتي ألقاها أخيرا الرئيس الفرنسي “ماكرون” في وجه الحاكم الفعلي للدولة ،قبل رئيسها المزعوم “تِبون”.
وكما لو أننا في سنة 1830،والمارشال الفرنسي “بورمونت” BORMONT ،يقتحم على الداي حسين قلاعه وقصوره ،لينزله عن عرش مدينة ظلت عاصمة متمنعة للقراصنة ؛ تشتغل بحريا، في انفصال شبه تام عن باقي المدن والمراكز المستقلة عن الاستعمار العثماني ؛خصوصا منطقة القبائل وتلمسان.
بشهادة من الداي حسين المنهزم،وهو يوجه نصائحه الأخيرة للمارشال،أكد أن نفوذه ،خارج الجزائر بقصبتها،منحصر في قسنطينة ووهران ،لاغبر.
كما أوصى بأن يُترك القبائليون لشأنهم وصراعاتهم الداخلية؛فهم بمراس صعب ،وبكراهية شديدة للأجانب.
وهو يمضي إلى منفاه لم يفوت – خيانة وتخاذلا – التحريض ضد بقايا جيشه من الأتراك ،ويهود المدينة ،وبعض ولاته لغدرهم ونفاقهم .
وهذا يؤكد فعلا أنه لم يكن غير قرصان ،لا دولة له ولا وطن؛وكل همه ،كما اتضح للفرنسيين الغزاة،انحصر في التفاوض على مصيره ،وخصوصا ممتلكاته الباذخة.
DOUZE ANS EN ALGERIE/DOCTEUR BONNAFONT.1842
ما أشبه شنقريحة بالداي حسين:
يستعيد الرئيس الفرنسي “ماكرون” زخم غارة الملك لويس فليب، على الداي حسين – كبير قراصنة الجزائر :عصابة البحر وقتها – ليلقي في وجه شنقريحة،كبير عصابة البر الجزائري اليوم – بعد سجن وتصفية المنافسين- بالتاريخ الحقيقي للدولة التي تم استلامها سنة1962.
دولة جُمِّعت ساكنتها من خرائطها المنفصلة والقديمة، تجميعا متعسفا، وصُبت في خريطة واحدة ؛أغلب أطرافها مسروقة من حِمى الجيران.
دولة حمَّلوها اسم جزائر القراصنة الأتراك ،الذين دوخوا الحركة التجارية البحرية ،العالمية،لقرون؛دون أدنى تفكير في توسيع النفوذ البري لبناء دولة و وطن.
وبعد الاحتلال الفرنسي كادت تتأسس بالأراضي المفتوحة مملكة فرنسا بالجزائر؛لو امتد مُلك لويس فليب؛وكاد الأمير عبد القادر يصبح الملك –الفرنسي العربي –الأول بها.
لم يلتفت ماكرون للرئيس عبد المجيد تِبون؛رغم إقراره بسلاسة التواصل بينهما ؛لكن ما العمل – يقول ماكرون -والرجل ليس بين يديه ما يقدم أو يؤخر،في الدولة/الثكنة .
وكما انقلبت البطانة ،وساكنة مدينة القراصنة على الداي حسين المحاصر- الى حد الإغراء بتقديم رأسه للفرنسيين حتى يكفوا – يجد شنقريحة نفسه ،وبطانته من العصابة ، محاصرين بحراك شعبي في منتهى الانضباط والإصرار والصبر.
لم يغفل ماكرون هذا وهو يؤكد على شروع نظام العسكر في التآكل.
هكذا تأبى صفعة التاريخ إلا أن تتعزز بثورة الحاضر الجزائري ،الذي رسَّم الرئيس الفرنسي أخيرا وجاهته وشرعية مطلبه الأم والأب : “دولة مدنية ماشي عسكرية”.
هذا مالِك يفتي في المدينة ؛فماذا بقي؟
إنها فرنسا التي صنعت الجزائر ،ورتبت قيادتها وخططت لانقلاباتها ،وصنعت جنرالاتها ،وفوضت لهم صناعة الرؤساء المدنيين على هواهم.
حراك فرنسي مزلزل ،بوزن ألف حراك شعبي أعزل،ولم يجد شنقريحة –بعد التبول في سرواله- غير أجوائه ،زاعما قدرته على إغلاقها في وجه الطيران الحربي الفرنسي ،العابر إلى مالي.
لن نخوض الآن في تفسير هذه الهبَّة الفرنسية ؛لأنها تنتصر للحراك تكتيكيا فقط؛وعينها على ضعف الأداء العسكري الجزائري ،هناك حيث الأورانيوم المهدد.
ونكتفي بمواكبة شنقريحة في حيرته:
لقد قتلت الدبابة الدولة والرئيس،وأغلقت ،أو كادت ،كل الحدود مع الجيران ؛ثم أكملت بإغلاق الأجواء في وجه الطيران المدني المغربي؛ثم الطيران الحربي الفرنسي.
وهذه الأخيرة تكشف تورطها مع أمراء الحرب في الساحل ؛ومنهم قياديون من “البوليزاريو”.
أما في الداخل فقد داست الدبابة على البيض كله والدجاج كله ،وأراقت حليب الأطفال ،وطحنت عدس ولوبيا وحمص الفقراء.
وفي الأفق ،كما تؤكد نيران غابات القبائل، عشرية أخرى ستتلون بلون الدم في أوسمة الدبابة التي اسمها شنقريحة.
ستواجه المدرعات شعب الحراك ،وحينما تُستعدى ديموقراطيات العالم الحر ،ستدخل القوات الأجنبية المتربصة ،وستنهض سوريا أخرى في الشمال الإفريقي.
النصيحة:
والفريق لا ينتصح طبعا بالكلام ،وهو الأصم بطلقات الدبابات في العشرية المعلومة.
أيها الفريق لم يعد لك من يراسلك ،على غرار كولونيل غابريال غارسيا ماركيز ؛فعلى منوال الداي حسين تفاوض حول مصيرك الشخصي وعائلتك وحساباتك .
إذا حقنت دماء الجزائريين ،وقد أسلتها سابقا حتى ارتويت ،وفضلت تسليم الدولة لأصحابها الشرعيين ،بدون دبابات ؛عدا الرابضة بالثكنات؛فأغلب الظن أنك ستكون من الطلقاء ،ترحل حيث تختار كما الداي حسين تماما.
أما إذا توهمت أن كل ما يحصل لك ،أصابك من جلابيب المغاربة ،واستبدت بك الأنفة ،والعزة بالإثم،وأصررت على إبقاء الدولة في جوف الدبابة ، فسيكون لك مصير آخر ؛على غرار كل الطغاة الذين جايلت.
لا تستهن يا جنرال ،فكاتب المقال مخضرم في الشأن الجزائري ،وكل توقعاته السابقة بالنسبة للجزائر عاشها واقعا عيانا ؛منذ كتب ،في عز دولة بوتفليقة ،عن “المنفذ إلى حقل الألغام ،والسجن الذي ينتظر أخاه سعيد ؛وعناصر أخى في الحكاية الجزائرية الطويلة جدا؛والأرشيف الرقمي في المتناول .
وحتى لو رددتها على غرار يوليوز قيصر: “حتى أنت يا بروتوس”؛فلن تغير من مسار خرائطية جيوسياسية أخرى في المنطقة ؛ترسمها القوى العظمى.
ليس للجنرال من يراسله ،وليس للمغرب من يخرجه من صحرائه .
كفى من الأخطاء الإملائية ،وسلم النص لمن يصححه من أبناء الجزائر الفتية.