وما الحربُ إلا ما عرفتُم وذقتُم
رمضان مصباح
متى تَبعثوها تبعثوها ذمِيمة ** وتَضْرَ إذا ضَرَّيتُموها فتَضْرَمِ
فتَعْرُكُكُم عَركَ الرَّحى بِثِفالِها ** وتَلقَحْ كِشافًا ثم تُنتَج فَتُتئِم
زهير بن أبي سلمى
“كيف تحكي في طوكيو عن الرغبة الجزائرية في محاربة المغرب ،من أجل تحرير فلسطين ؛مشيا فوق القمر، في اتجاه مكة؟”
كمال داوود :كاتب جزائري
جنرال مدني كاذب:
فعلا وُفق الكاتب ،إلى حد كبير،في رسم لوحة سريالية للسياسة الجزائرية ،تقول كل شيء بكلمات معدودة.
تراكمت رغبات جنرالات دولة العسكر النافذين – كما تعاقبوا على الحكم منذ الانقلاب على الشرعية الثورية- في إعلان الحرب على المملكة المغربية؛ بمسميات مختلفة ؛يفشلون دائما في حبكها لتقنع ،ولو المواطن البسيط الذي تستبد به الفاقة ،ودواليب دولته مضمخة غازا ونفطا.
في حرب الرمال صُورت المملكة عدوا غازيا ،ينتهز ضعف الدولة الخارجة لتوها من أتون حرب التحرير؛وقد استعاد الجنرال المدني “تبون” – حتى لا أنسبه لرئاسة مختطفة – أخيرا هذا الكذب المغرض .
وفي الحقيقة لم تكن نذر هذه الحرب،ومجرياتها،سوى بداية مكشوفة لصناعة عدو وهمي ،يوظف لترميم وتزيين الوجه القبيح لنظام حكم عسكري انقلابي، باحث عن الشرعية.
واليوم حينما يعود”تبون” إلى هذا ،فهو لا يزيد على النفخ في الرماد في عروش الجزائر ودويلاتها المركبة تركيبا مزجيا كما يعبر النحاة ؛لأن الشعب الجزائري أدرك الحقائق –ولو متأخرا – وأحرق كل الأساطير المؤسسة لدولة العسكر.
ولا يزيد على الاعتراف الرسمي بتكلس ،بل تحجر،العقل الدولتي الجزائري؛في عالم تحكمه دينامية التاريخ ،وهدير الزمن الدافق الذي يغسل كل شيء ،إن لم يجرفه .
حتى الأجيال تبدو وكأن بعضها يجُبُّ بعضا ،مع توالي التطور التحول.
ما من حجر في التراب الأوروبي إلا ويخفي تحته عظاما نخِرة ؛جراء الحروب العديدة بين دوله ،آخرها الحرب العالمية الثانية ؛ ورغم هذا نرى الاتحاد الأوروبي اليوم وهو يشرع أبوابه لمواطنيه ؛بهوى واحد وآمال واحدة وعملة واحدة.
مردود عليك كلامك أيها الحقود المتكلس؛حتى ولو صدقت في روايتك و بعثك لصورة الحرب الذميمة؛فكيف وأنت الكاذب؟
ستة أشهر قبل اندلاع حرب الرمال ،كان الراحل الحسن الثاني ،على رأس وفد هام،بالجزائر العاصمة؛وبين يديه عتاد عسكري ،وثمانية وعشرون سيارة مرسديس فاخرة،هدية للحكومة الجزائرية الفتية.
ومعه وهذا هو المهم ،دواوين وطنية من المحبة والآمال العريضة في بناء مغرب الشعوب الذي كرسه مؤتمر طنجة.
وقد صبر على غطرسة الراحل بنبلة،حتى وأعضاء الوفد لا يخفون ضجرهم من هذه المعاملة.(عن عبد الهادي بوطالب)
كان بنبلة وقتها واقعا تحت تأثير حرارة المد الثوري الاشتراكي والناصرية ؛ولن يمضي عليه حين من الدهر حتى يبرد ويبرد في زنازن هواري بومدين؛قرابة عقدين من الزمن.
وقتها تأكد للجميع أن الحدود الموروثة عن الاستعمار –كما سترسخها منظمة الوحدة الإفريقية – هي الدين الفرنسي الجديد لحكام الجزائر.
تم دفن وعود الحكومة المؤقتة،وذُبحت شهامة وأنفة بطل التحرير المرحوم محمد الخامس،وهو يلقي في وجه حكومة المستعمر: اخرجوا واتركوا الإخوة يتمتعون بأخوتهم ،ولا مشاكل عويصة بينهم.
ولم يكن هذا سببا لحرب الرمال ،وإلا ما أمِر الجنرال إدريس بنعمر بالتوقف وهو المنتصر ،في ردعه للتطاول الجزائري على بعض حرس الحدود،في استفزاز للمملكة.
بهذا الاستفزاز أحرج بنبلة خصومه في الداخل ؛وخصوصا المرحوم آيت أحمد والكولونيل محند اولحاج – وهما قبائليان بالمناسبة – فلم يجدا بدا من إلقاء السلاح والنزول من الجبال ،مادام هناك “عدوان” خارجي على البلاد:
النصيحة الميكيافلية بضرورة صناعة الأمير لعدو خارجي أتت أكلها.
ما أشبه اليوم بالأمس:
إن الزمن الجزائري،الدولتي وغير الشعبي، راكد ؛ولهذا نراه يستنسخ نفسه عبر جميع المحطات:
باندحار بوتفليقة وموته ،انتهت القيادات التاريخية المتحكمة في الدولة المختطفة ؛ولأول مرة يشعر الشعب الجزائري بالانعتاق ،وبثمار النضال ضد العصابة التاريخية وقد غدت على مرمى حجر.
تهتز أركان الدولة فعلا ويلتبس الأمر على الجنرالات النافذين،وقد أصبحوا عراة أمام العالم ،وليس بين يديهم أي اسم وازن يجلسوه بقصر المرادية،لتتواصل اللعبة.
ينهش بعضهم بعضا في ليال طويلة ، تستل فيها السيوف وتتدحرج فيها العديد من الرؤوس التي آمنت بالجنرال قايد صالح ،مبدعا لجمهورية جديدة،عسكرية إصلاحية؛غيبت في السجون العديد من رجال الدولة والمال، المدنيين والعسكريين.
في هذا الصراع العسكري المرتبك و المتواصل ؛ينتصب “تبون” رئيسا من أغرب الرؤساء في العالم: لا هو منتخب بحق،ولا هو نافذ في جناح شنقريحة حتى يضمن الدعم والحماية،ولا هو مع معارضيه،عساه يصنع غدا بكارة جديدة،بموت الجنرال أو قتله .
لم تبق له إلا الحدود الغربية يبحث وراءها عن تصريف للقهر الكبير الذي يشعر به.
وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي “ماكرون” حينما قال: أتواصل معه بيسر ،لكن (ما فْيدُّوشْ) كما يعبر المغاربة.
هو يمارس على المغرب – شفويا فقط وبزنقوية سخيفة – الرئاسة التي يُحرم منها في الجزائر:
*يستجير بفهم تلاميذي تبسيطي لحرب الرمال.
*يستعدي الشعب الجزائري ضد الجار الغربي الذي أشعل النيران في القبائل ،وسرق حتى البطاطس والحليب ..
*يهدد ملك البلاد، كأي صبي في الحي ،حينما لا يقوى على أقرانه.
* يظهر في لقاءاته جزائر أخرى ،هي غير التي يكتوي بها الجزائريون؛وصولا إلى النفير صوب الخارج الأوروبي.
ولو فتحت الحدود لعاودوا ثانية هجرتهم صوب وجدة وغيرها.
الجنرالات صامتون:
صمت هواري بومدين على بنبلة لشنقه بحبل أخطائه .
هم ليسوا رجال دولة،وقد وجدوا من ينوب عنهم في حمل الأوزار.
وجدوا من يشحن العواطف ويوفر لهم فرص الحرب في كل يوم.
وهل لهم رئاسة خارج صناعة العدو التاريخية ،واعتبار حكمهم هو الأصلح لدولة مهددة من أقوى دول العالم.
وقد زادوا إسرائيل أخيرا ،وباتوا يوهمون أنها على حدودهم ،وليست حيث هي.
على غرار “تبون” يمارسون الرئاسة ،استعدائيا ،في خرائط الجار الغربي.
مشاكل البلاد الاقتصادية –بل الغذائية- حتى والمال لايعوزهم ،يعافون الخوض فيها ،لأنها تفضحهم؛تفضح مؤسسات الدولة المشلولة تنمويا ،والعاجزة عن حسن تصريف ثروات البلاد،لفائدة الشعب .
إن الدولة التي أنكر “ماكرون “وجودها قبل الاستقلال ؛لاتزال غير موجودة اقتصاديا ؛رغم النفط والغاز.
لو كانت هذه الدولة موجودة –بقوانينها والتزاماتها- لما تم قطع الغاز ،بضربة مقص ،على التراب الأوروبي ؛نكاية في دولة العبور:
أخرب القطار بمن فيه ،لأن السكة لاتروق لي.
إن الدولة المدنية،والدولة الاقتصادية ،والدولة الدولية؛كلها مطالب تنتصب أمام الحراك الشعبي.
يعيِّرون المغرب بالديون ،وقد صنع منها تنمية ظاهرة للعالم كله؛وحق أن نُعيرهم بالثراء وقد أنتجوا به كل أسباب التخلف؛وصولا إلى إصدار مراسيم توزيعية للبطاطس.
بعد الغابات إحراق الشاحنات:
بمن فيها طبعا ،مواصلة لممارسة الرئاسة ،المخصية شعبيا وداخليا،في الخارج المغربي.
هذا الذي أحرق غابات القبائل ،لماذا لايكون هو من أحرق شاحنات “ورغلة”؟
لست خبيرا في الدمار الحربي ،لكن هذا لم يمنعني من الاستغراب:
كيف تقصف شاحنات –مهترئة أصلا حسب معاينات أخرى لشاحناتهم – بصواريخ متطورة ،دون تحويلها إلى أشلاء حديدية مبعثرة؟
شاحنات “بير لحلو” قائمة الهياكل،وعلى ما تبقى من عجلاتها. احترق ما احترق وبقي ما بقي قائما مسودا ومبيضا من النيران والأدخنة.
حتى افتراض اللغم الأرضي لا تقنعني لنفس الأسباب.
لقد رأينا ما يكفي من الدمار في دول الحروب العربية،لنعرف كيف تتحول حتى الدبابات المدرعة إلى مجرد رزم حديدية ،يصعب تصنيفها.
لا يُستغرب الإجرام من أهله؛ومن غير المستبعد أن يكون هناك فاعل جزائري قاتل ومُحرِق ،غير المقتولين المحروقين.
إن المملكة لم تُجرم في حق أحد ،فهي في خرائطها التاريخية ؛حصن حصين ،منتصبة للدفاع عن حوزتها ،في كل وقت وحين ؛بأسلحة مما تعلمون وما لاتعلمون.
لقد حرمتم الشعب الجزائري من كل ما يستحقه من ديمقراطية و ثراء،بحكم ثراء ترابه ؛فلا تحرموه حتى من أمن حدوده ؛لأن الحرب حينما تندلع “تُبعث ذميمة”كما قال الشاعر زهير ؛وقد كانت الحروب في زمنه عضلية سيفية ليس إلا.
إننا في هذا الوطن أصحاب قضية ،تهون من أجلها كل التضحيات؛فبماذا ستجيبون حينما يسألكم الشعب الحراكي والعالم :ما قضيتكم؟
انك يا “تبون” على خطى بنبلة؛وسينتهي بك الأمر ،غدا،في زنازن العسكر،أو الدولة المدنية، ،لتبرد وتبرد ،حتى تتشافى تماما من “سْخونية الراس”.
كيف سيصرِّف جنرالات الحكم هزائمهم إن لم يكن بشنقك؟
وكيف ستنهض الدولة المدنية –وقد لاحت في الأفق –دون محاسبة الظلمة المفسدين؟