فضاءات الترويح، وفضاءات بناء الوعي
كمال الدين رحموني
بقدر ما تختلف الآراء وتتباين، بقدر ما يعتبر ذلك أمرا صحيا، ودليلا على خصوبةٍ مرجِعُها إلى الوعي الحاضر بالرغم من السعي إلى الطمر والتغليف بأدوات متقنَة ليظل الوعي مطموسا أو متواريا.وحين يستجيب الوعي النابض لشَراك الفعل، تختمر الأزمة التي لا يُرادُ لها أن تُطلَّ برأسها. في كثير من الأحيان يحاول المرء أن يسائل الاهتمام اللافت بموضوع “الترفيه” والحرص على احتضانه عبر فضاءات تُنجَز بميزانيات ضخمة، تروم نوعا من الإشباع النفسيِّ لشريحة من الناس تبحث عن التنفيس والتخلص من مضاعفات الواقع المعيشيِّ المُضني، لعلها تفوز بلحظات من “الترويح” والتخفيف عن جسد مثخن بكدمات المعاناة المستمرة، عبر مشاهد تروق للعين، لكنها لا تُسهِم في التخفيف الحقيقيِّ من طبيعة الواقع الثقيل. جميل أن تحتفيَ الساكنة بفضاءات ظلت حلما مُراودا أو أملا بعيدا، لكنّ الأجملَ أن تتطلعَ الساكنة- وفيها النخبة- إلى ما يرفع من قيمة الوعي المؤسِّس لطبيعة الوجود الإنسانيِّ، ويصنع الأَلَقَ الفكريَّ قبل الترويح النفسيِّ. فكم هي الفضاءات ذات الأولوية التي تصنع هذا الوعي المرتجى، لكنها ظلت لسنين عصِيَّةً على الإنجاز أو الإتمام. حين أمرُّ أحيانا على معلمة دار الثقافة (المشروع) بالمدينة، التي ما كادت تتخلص من أسر الاقتناع بالجدوى، لتصبح تصميما هندسيا رتيبا، ثم بدايةً إسمنتيةً هامدة، فإذا بها تغرق في عمق نسيان طال، وكأن رمزية الثقافة- في مجتمع يحتفي بالفرجة والترويح-، ليست ذات أولوية في مقابل إشباع الجسد، وتسلية النفس، أما العقلُ التّوّاقُ إلى ثقافة الوعي فَمُؤجَّلٌ إلى وقت لاحق أو إضافيٍّ أو مَيِّتٍ. أليست المقارنةُ بين ما يبني الوعي وما يصنع الترويح الهادف ذاتَ مصداقية وأهمية، أم هو حديث خرافة على قول المتنبي في لحظة شرود حين ووجه بضرورة الانتباه إلى ما يفيد ويُجيد. أيُّ جواب مقنع حين تُسابق الفضاءاتُ بعضَها، فتحظى الترويحية بالصدارة، وتتراجع الثقافية إلى المؤخرة، وليتها تصل، فأنْ تصل متأخرة خير من أن تظل تراوح مكانها، فتغدوَ كالمعلَّقة التي وقعت ضحيّةَ مَيْلٍ متعسف، فلا هي مُكِّنت من ترياق الحياة لبناء الوعي وترسيخ ثقافة الفهم، ولا هي تُركت تشكو جحود قوم أداروا الظهر لكل فعل جاد، وراحوا يُمكنّون ل”الترويح” فحسب.