رسائل القاهرة 6- قلعة صلاح الدين الأيوبي( يكتبها من القاهرة : عزيز باكوش )
رسائل القاهرة 6
– في الطريق إلى قلعة الناصر صلاح الدين الأيوبي ، ومنها إلى المتحف الحربي القومي ومسجد محمد علي باشا بالقرب من جبل المقطم ، عبر شارع كورنيش النيل بالمعادي بمحافظة القاهرة ،كنا ستة ، وكان سائق “الأوبر” الشاب ذو الملامح الفرعونية يقود بكمامة سوداء في صمت ومثابرة تستحق الحسد ،كانت عيناه تتحركان في كل الاتجاهات مرتكزة على خريطة GPS وسط ضجيج دراجات التوك توك المارقة ،وأبواق تنبيهات العربات الصاعدةعلى المسارات الأربع . فيما شرعت في الظهور تدريجيا مثل أفعى أمازونية فضية ملامح الطريق الدائري الملولب المتجه إلى اليسار ، والمصمم على أحدث ما وصلت إليه هندسة وتأهيل الطرق السيارة في العالم رحابة وأريحية .
ومن المتوقع أن تشهد حركية السير والجولان داخل القاهرة ،بعد إنهاء الأشغال على الطريق الدائرية إلى جانب مشاريع تنموية واقتصادية كبرى تشهدها مصر في عهد السيسي انسيابية غير مسبوقة ، بحيث ستتقلص المسافات بين المحافظات والمدن إلى النصف بشكل ممتع وجذاب يستهوي المقيمين والسياح الأجانب الذين شرعوا يتدفقون في الآونة الأخيرة على مصر، بعد تخفيف حالات الطوارئ الصحية في العديد من بلدان العالم . وعلى الجانب الأيسر، تواصل الشمس المسيَر ظلها قصفها المرجاني الفاتن للدلتا ، فتصفف أشجار النخيل المتراصة البالغة النماء الممتدة حارسة أبدية لضفاف النيل بشظايا بلورية ، تخطف الأنظار ، وتبعث في النفس واحدة من أجمل الأحاسيس البشرية الرائعة بهذا الجزء من أرض الفراعنة الممتد عمقا وتجذرا في تاريخ البشرية .
قبل الدخول إلى القلعة ، ومثلما يحدث في المطارات والموانئ ،ثمة إجراءات وتدابير مشددة تشمل الزائرين كالتفتيش الذاتي الدقيق بعد الإدلاء بتذكرة الدخول ، وما إن علم المكلف بالباب الرئيسي للقلعة بأننا أجانب ومغاربة بالتحديد ، حتى طلب الإدلاء بالبطاقة الوطنية ،التي بمجرد التفحص فيها مليا ،قدم لنا تحية عسكرية قائلا بمزاج رائق ” تفضل ياباشا وكررها مرتين ” وفتح لنا ممرا خاصا بعيدا عن زحمة تلاميذ المدارس في رحلتهم الإستكشافية للقلعة الأثرية الخالدة . وفي لحظة جالت في ذهني خواطر طائشة ، همت البرج الشمالي بمنطقة المرينيين بفاس . تلك المعلمة التاريخية التي تضم ترسانة ضخمة من قطع الأسلحة التي حاربت وانتصرت بها الجيوش المغربية منذ عصور مضت ،من غير أن تهتم وزارة التربية الوطنية بالسماح لتلاميذ المدارس بالقيام بزيارات استكشافية والاستفادة معرفيا من محتويات هذا المتحف التاريخي العظيم
بمدخل المتحف الحربي القومي بجمهورية مصر العربية الذي تم إنشاؤه عام 1937 بمبنى وزارة الدفاع القديم بشارع الفلكي بالقاهرة ، انتابتني رهبة إجلال لجيش مصر العتيد الذي عبر سيناء في أكتوبر من العام 1973 محققا ومخترقا دفاعات الكيان الإسرائيلي .وسرعان ما لملمت دهشتي نحو فضول متعالم. واكتشفت أن المتحف انتقل إلى مبنى مؤقت بجاردن سيتي عام 1938 ، إلى أن تم نقله مرة أخرى بقصر الحرم بقلعة صلاح الدين الأيوبي ، وافتتح رسمياً في نوفمبر 1949 وأعيد تجديده وافتتاحه في عام 1982. تم تطوير المتحف عدة مرات بعد ذلك وافتتاحه حتى عام 2011 حين تم البدء في مشروع تطويره وترميمه ليصبح مزارًا جديدًا يضاف إلى مزارات قلعة صلاح الدين الأيوبي. وتزامنًا مع الاحتفال بانتصارات أكتوبر المجيدة، تم افتتاح المتحف الحربي القومي المصري من جديد يوم 6 أكتوبر 2021 ، بعد أن خضع لسلسلة تطويرات ارتقت بهندسته المعمارية الفائقة الروعة ، وذلك بعد الانتهاء من مشروع ترميمه وتطويره.
و يستعرض المتحف من خلال مقتنياته تاريخ العسكرية المصرية عبر العصور منذ بداية العصور الفرعونية وحتى العصر الحديث ونشأة العسكرية المصرية مرة أخرى في عهد أسرة محمد علي باشا والتي شهدت نهضة الجيش المصري، مرورًا بثورة يوليو وانتصارات أكتوبر وحتى ثورة 30 يونيو، كما قامت وزارة السياحة والآثار بتزويد المتحف بمجموعة جديدة من المقتنيات بما يزيد عن مائة قطعة أثرية من مختلف المخازن الأثرية والمتحفية من سقارة والأقصر والإسكندرية و المتحف المصري بالتحرير ومتحف السويس القومي وغيرها.” مصراوي”
أن أعمال التطوير بالمتحف شملت تطوير سيناريو العرض المتحفي والذي جاء بالتنسيق بين لجنة سيناريو العرض المتحفي ، وإدارة المتاحف العسكرية. وشهدت عملية التطوير، كذلك الحرص على توفير أقصى سبل الإتاحة للزائرين و توفير الخدمات السياحية لهم بهدف تحسين تجربة الزائر من حيث البطاقات الشارحة للقطع الأثرية وكذلك إنشاء كافيتريات ومظلات للحماية من الشمس ومقاعد وأماكن للاستراحة، ذات طابع خاص بما يتوافق مع البيئة الأثرية المحيطة.
وأفاد موقع مصراوي تصريحا لرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار أن المشروع شمل الترميم الإنشائي للمبنى بالإضافة إلى أعمال الترميم الدقيق لزخارف الجدران وكذلك كافة المعلقات من ثريات وأباليج، فضلا عن عمل landscape للمنطقة المحيطة بالمتحف و ترميم و صيانة للتماثيل الموجودة عند مدخل المتحف ومنها تمثال لإبراهيم باشا ابن محمد على و آخر لسليمان الفرنساوي باشا مؤسس دار الأسلحة والجيش المصري.
وأضاف الدكتور طلعت، أنه تم إمداد المتحف بشاشات عرض تفاعلية عند مدخل المتحف لتعريف الزائرين بتاريخ المتحف وأسماء القاعات الموجودة به، بالإضافة إلى إنشاء قاعة كالتيراما تم تنفيذها بالتعاون مع مركز كالتنيت التابع لمكتبة الإسكندرية لعرض مادة فيليمة عن العسكرية المصرية منذ العصور الفرعونية وحتى ثورة30 يونيو 2013 .
ويتضمن المتحف مجموعة من تماثيل العصر الفرعوني للملوك المحاربين مثل تحتمس الثالث والعديد من اللوحات الحجرية أهمها لوحة تمثل الملك رمسيس الثالث وهو ينقض على الأعداء، بالإضافة إلى نموذج لعجلة حربية ولوحة حجرية يظهر عليها منظر تصويري لصناعة العجلات الحربية، وكذلك جدارية تمثل انتصار الملك رمسيس الثاني على الحيثيين. ومن العصر اليوناني الروماني نموذج رأس للإسكندر الأكبر. ومرسوم رفح وهو من أهم المقتنيات بالمتحف حيث يؤرخ معركة رفح وانتصار المصريين على السلوقيين في رفح وقيام الملك بطليموس الرابع بالاستعانة بالجيش المصري. كما يضم بعض البرديات التي تؤرخ للعسكرية في العصرين اليوناني الروماني، وبعض التماثيل للملوك البطالمة، وتمثال لأحد الجنود شاركوا في معركة رفح.
ومن أهم ما يضمه المتحف من العصر القبطي أيقونة تمثل القديس مارجرجس، الذي يُذكر أنه تعلم الفروسية وانضم إلى الجندية وتدرج فيها وتولى العديد من المناصب العسكرية.ومن العصر الإسلامي مجسمات لأبواب وأسوار القاهرة والقلاع والحصون كحصن محمد علي بالمقطم وحصن كوستا باشا بالإسكندرية، وبانوراما لأشهر المعارك في هذا العصر، بالإضافة إلى مختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية . ومن العصر الحديث والمعاصر: مجموعة فريدة من النياشين والأنواط والأوسمة والميداليات التي تعبر عن العسكرية المصرية، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأسلحة الخاصة المهداه من الراحلين المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة و المشير محمد طنطاوي وغيرهم من القادة المصريين في العصر المعاصر، وبعض من الأسلحة من حرب أكتوبر.” مصراوي