في بيتي متقاعد: همسةٌ في الآذان
كمال الدين رحموني
يثير بعض المختصين في العلاقات الأسرية معاناة كثير من الزوجات من مرحلة تقاعد الأزواج التي تكون محفوفة بمشكلات وخلافات جديدة. ولمقاربة هذا الموضوع لا بد من التنبيه إلى ما يلي:
.1 التمييز بين ما أتوقعه وبين ما أتمناه: فالتوُّقعات تكون مسبوقةً بالإعداد لها، أما المتمنيات فهي أحلام قد تتحقّق أولا تتحقّق، وفي الغالب الأحلامُ تعاكس الواقع، ومن ذلك مثلا أنْ تتوقّع الزوجة أن زوجها المتقاعد سيُعوّضُها سريعا عن الابتعاد عنها حين كان منهمكا في العمل، وسيُولِيها والأبناءَ اهتماما أكثر، لأنه لا يحسّ بالتّقصير، فقد كان يقضي أغلب وقته في عمله بل ويعتبر ذلك إنجازا كبيرا، لأن الأسرة كانت تجني من ذلك دخلا ماديا واعتبارا معنويا، أما حين يصل مرحلة التقاعد فلا يعتبر ذلك تغيرا حاصلا، اللهم على مستوى مساحة الزمن التي كان يقضيها في العمل. ومن الأشياء التي يذكرها المختصون أيضا أن كثيرا من الزوجات لا يُدركن أن الأزواج تعتريهم حالاتٌ من الارتباك النفسيِّ الطبيعيِّ، وأحيانا قد تتحول إلى أزمات نفسية: بعضُ الأزواج يتخلّصُ منها بسرعة، وبعضُهم يعاني منها طويلا، وطبيعيٌّ أنّ مَنْ يتعافى من أزمةٍ سريعا يحتاج إلى فترة نقاهة حتى يستعيد وضعَه الطبيعيَّ، فلا يُتوَقَّع منه تعاملٌ أفضلُ مع محيطه أو شركائه، بل قد يشتدُّ عليهم أحيانا أو ينعزل طلبا للسلامة وتجنّب الاصطدام.
.2 لماذ يتغيّر الوضع في مرحلة التقاعد ؟
التغيُّر الإجباري في نظام الحياة، وانخفاضُ الدَّخلِ الماديِّ بعد التقاعد: وربما مع وجود رصيد ماليِّ مُدَّخَر، يندفع بعض المتقاعدين إلى القيام بنشاط ما، فنظُنُ -نحن- أنه بدافع الرغبة في هذا الدّخل الماديِّ، والحقيقةُ أنها رغبة في تفادي التغيّر الحاصل في نظام حياته، مع الإقرار أنّ منهم من يلجأ إلى البحث عن عمل لتأمين مصاريفه التي أصبح دخلُه التقاعديُّ لا يكفي. ولذاك ينبغي أن تفهمَ الزوجة هذا الوضعَ الجديدَ بتأثيراته، فتتجنّبَ التأفُّفَ والغضبَ، وتتفادى النصائح المباشرة، وتحرصَ على أن تبقى أمورا خاصة لا تسمح لأحد باقتحامها، وتستمع لزوجها بصبر وهدوء. كما يُنْصَحُ أيضا بعدم مقاطعة الزوجة لزوجها أو الاحتجاج عليه ولو بالتعبير عن ذلك بملامح الوجه، وحتى إذا تضايقت من كلامه غير المنطقيِّ ولم يعجبها، فلا تخبره بذلك، لأنّ إخباره في حينه قد يؤدي إلى العناد، خاصة إذا وجّهت له كلاماً يَفهَمُ منه أنه لم يَعُدْ مَـحَلَّ ثقتها وتقديرها كما كان من قبل. كما تُنصَح زوجة المتقاعد بالقول الرصين، كأن تقول له مثلا: ” خُذ وقتاً كافياً وفكِّرْ بالأمر، استرحْ جيداً، اجمع المعلومات، وإني واثقة أنك ستفعل الأفضل….” . مثلُ هذه العبارات، تُجَنِّبه التوتُّرَ والانفعالَ وتدفعه إلى التفكير، مع اختيار الأوقات المناسبة لأنها جزء مهم في بلوغ الهدف.
3. الزوج المتقاعد ليس ضيفا:ً
يقول بعض المختصين: إن بعض الزوجات تتضايق كثيرا بما يعتبرنه تدخُّلا للزوج المتقاعد في ” مملكة” الزوجة ( شؤون البيت ، المطبخ …)، وكأنه ضيفٌ وليس رجلَ البيت والمسؤول عن الأسرة، ولتبرير ذلك تقول بعض الزوجات: ” وأين كان قبل أن يتقاعد؟ لأنّ طبيعة عمل الزوجة واستئثارَها بشؤون البيت يجعل بينها وبين البيت لُـحْمة يصعُب تقاسمها بين طرفين، طبعا هذا يصدُق على الزوج الذي ظل بعيدا عن شؤون البيت، -على عكس بعض الأزواج الذي ظل مرابطا ومحافظا على القيام بأعمال هي من صميم مهام الزوجة من باب التعاون على البر والتقوى. والجواب عن سؤال: أين كان قبل أن يتقاعد؟ : كان يعمل لتأمين حاجات الأسرة المادية، فهل يليق أن يُقالَ له: “انتهى عملك”، أو” لا نريد أن تُغيّر أيَّ شيء بحياتنا”، أو “التفت لشؤونك” ( ادّيها غي فْسوق راسَكْ)، ” أنت تريد إلغائي ( كاعْ ما حاسَبْنيشْ) ” ، ” أزواجُ صديقاتي لا يفعلون مثلك”،..”. مثلُ هذه العبارات، -أنا متأكد- أنّ بعض الزوجات لا تقولها اقتناعا، وإنما في لحظة غضب متراكم، أو في لحظة سهو ونسيان، أو حين تظهر مشاكل جانبية، أو…، لكن مع ذلك فإنّ الزوجَ المتقاعدَ يفهم منها رسالة واحدة، هي: ” أنه أصبح ضيفا ثقيلا زادت ضيافته عن مدتها ( والله يرحَمْ مَنْ زارْ وخَفَّفْ”، مع التنبيه إلى أنّ كل ما يُبديه الزوج المتقاعد من ملاحظات ليس سيئا دائما، ولذلك لماذا لا تجرِّبُ الزوجة أن تشكره بلطف بدون مبالغة أو حساسية مفرطة في التعامل، لأنّ تدخّل الزوج المتقاعد في شؤون البيت ليس دليلاً على ” فشلها في إدارة المنزل”، وإنما تعاونٌ وتقاسمٌ، وأجملُ من ذلك كلِّه: تعبيرٌ عن الحب الخالص بينهما، فالكمالُ لله، وأما البشر فيحتاج أن يُكمِّلَ بعضُهم بعضاً. وهناك دائماً مساحات ذكية من المرونة ، ولسان حال الزوجة يقول: ” هي مرونة ذكية لتجميل حياتي.”
4. دور الزوجة في تمتين العلاقة مع الوالد المتقاعد:
مما يُذكر هنا، أن الزوجة مصدر العطاء الأول، ولذلك استحقت الاستئثار بالصحبة ثلاث مرات في مقابل واحدة للأب:” أمك، أمك، أمك، قال فمن: قال: أبوك”. وفي مرحلة تقاعد الزوجِ / الوالدِ، تحتاج الزوجة الذكية، والأمّ الحانية، إلى الاضطلاع بتحسين العلاقة أكثر بين الأبناء والأب المتقاعد؛ فهم ربما لم يعتادوا التصرفات الجديدة الصادرة من الوالد المتقاعد، وخاصة فيما يتعلق بأمورهم، أو ما يتعلق بالبيت، فلا تقول الزوجة الذكية لهم مثلا:” تَـحـَمَّلوا والدَكم” ( صْبْروا مْعَ بّاكُم)، هذه عبارة وحدها تُشْعِرُهُمْ بأنهم أيضا ضحايا، وهل يحبُّ أحدٌ أن يشعر بأنه ضحية غير قادرة على “المواجهة”، ولذلك قد :ينفجر” بعض الأبناء في وجه الأب المتقاعد” تعاطفا مع الأم/ الزوجة “المظلومة”، ويسيئون التصرف معه، وإنما الأفضل أن تقول لهم: ” افرحوا باهتمامه بكم، استفيدوا من علمه، من أخلاقه، من قدوته، من خبراته، من تقدير الناس له، من تضحياته الكثيرة، ” الأبُ ما يَبْغي حَتّى واحدْ يْكونْ أَحْسَنْ مَنّو إلاّ وْلادو”، ” وحتى وإن كان يعبّر عنها بصورة لا تعجبكم، فهو لا يغضب عليكم وإنما من أجلكم، ويريد لكم الأفضل” . والزوجة الذكية/ الأم الحانية لا تسمح بأي كلمات مُسيئة للأب حتى لو أخطأ، فليس حقًّا للأبناء أن يحاسبوا أباهم. الزوجة الذكية/ الأم الحانية، عليها أن تحذَرَ حتى في حالة الخلاف الشديد مع الزوج المتقاعد، أن تكون -بقصد أو بغيره- معولا لترسيخ العقوق للأبناء لأن ذلك يؤدي إلى خسرانهم لدنياهم ولدينهم.
5. الانتباه إلى خطأ شائع: تظنَّ الزوجة أن الزوج المتقاعد يحتاج إلى من يملأ له وقته، فتلتصق به ولا تترك له الفرصة لينفرد بنفسه، وتظن أنها تحميه من الشعور بالوحدة، والعكس هو الصحيح، فالأفضل أن تمنحه مساحته الخاصة، وتنشغل عنه بأمورها المعتادة مع حسن التعامل معه وعدم توجيه انتقادات له، فهو ليس طفلَك، بل زوجَك.
6. ماذا يحتاج الزوج المتقاعد من زوجته ؟
⦁ أن تخاطبه بلطف، وتشعره بأنه محل تقدير.
⦁ أن تتجنبَّ الإلحاح لأن له نتائج سيئة.
⦁ التعامل المتوازن غير الزائد وكأنه أصبح عجوزاً.
⦁ تحفيزه بدون مبالغة على ممارسة الرياضة والرجوع إلى هواياته السابقة.
7. المسارعة بخطوات مهمة قبل تقاعد الزوج: (سنوات أو أشهر أو أسابيع)
⦁ تحسين العلاقة معه عاطفياً.
⦁ تحسين صداقتك معه، أو البدء بتكوينها، فالوقت أمامك.
⦁ التعامل معه بود واحترام.
⦁ التوقف عن كل الأمور التي تضايقه حتى لو رأيتِ أن بعضها غير منطقي.
⦁ تجاهل بعض تعليقاته والاستمرار في التودد إليه، لأنه غير معتاد على ذلك.
⦁ عدم اختزال علاقتك به كأب لأبنائك ومُـموِّل َللبيت.
⦁ تصحيح عبارات التواصل: لا تقولي له: ” أدامك الله لأولادك” ( الله يْـــــخَـــــلِّــيــــكْ لَوْلْــــــوْلادَكْ” ، وقولي: “أدامك الله لي ولأولادنا” ‘ الله يْـــــخَـــــلِّــيــــكْ لِيَ ولْــــــوْلادْنــــــــا”.
⦁ الاهتمام بغذائه، بمظهره بالبيت وخارجه، وعدم إهماله.
⦁ الاهتمام بنفسك كزوجة، والاستمرار في كل ما يُسعدك.
⦁ إعانته بدعائك، والدعاء للغير غربون على محبة الخير، فكيف إذا كان الدعاء منك له ويسمعك.
مع دوام المحبة والسعادة الغامرة لكل زوج متقاعد وشريكة حياته.
8. لا تقولي له أو لنفسك أبداً: لقد كبرت، ولا تجبريه على اهتماماتك، وزيدي دوماً من نجاحك وسعادتك كزوجة.
⦁
9. استعدي لما بعد التقاعد وزواج الأولاد؛ فستعيشان سوياً فقط، فاصنعي رصيداً جيداً، وسارعي بفعله بتدرج وبلا تعجل للنتائج.
نصائح للزوجات قبل
تقاعد الأزواج وبعده
نجلاء محفوظ ،
⦁
تخاف بعض الزوجات من تقاعد الأزواج، وتتوقع خلافات ومشكلات كثيرة، بينما تترقب أخريات تقاعد أزواجهن ويُهَيِّأن قوائم طويلة لأحداث سعيدة، ولا تهتم زوجات أخريات بذلك ويتفاجأن بعد التقاعد بما لم يُهَيِّأنَ له.ولذلك كانت هذه الأسطر لنأخذ بيد الزوجات لتنعم -بمشيئة الله تعالى- بحياة أفضل وأكثر سعادة قبل وبعد تقاعد الأزواج.
أحياناً ننسى التفرقة بين التوقعات والأمنيات؛ فالأولى تسبقها مقدمات (واقعية) تبررها، والثانية أحلام قد تتحقق أو لا تتحقق، وكثيراً تخاصم الواقع؛ كتوقع الزوجة أن زوجها سيسارع بتعويضها عن ابتعاده عنها لانشغاله بالعمل وسيتفرغ للاهتمام بها، ويدللها وأولادها، وسيهتم بأسرتها وبتفاصيل حياتها، وهذا غير واقعي؛ فالزوج لا يحس بالذنب لاستغراقه بعمله، ويراه دليلاً على حرصه على النجاح بعمله ليعود بالخير المادي والمعنوي على أسرته، أما عن الشعور بالتقصير تجاه زوجته وأولاده، فتختلف فيه وجهات النظر بين الزوجين.
لا تعرف الزوجات أن الأزواج يمرون بعد التقاعد بارتباك نفسي، وأحياناً بأزمة نفسية، يجتازها بعضهم سريعاً، ويعاني منها آخرون طويلاً، والذي يجتاز أزمة لا يتمتع ببراح نفسي كافٍ ليتعمد التعامل الأفضل مع شركاء الحياة، وقد يحتد عليهم، أو ينعزل طلباً للسلامة لهم ولنفسه، ولمنع الاصطدامات.
ويتعرض جميع المتقاعدين -حتى من لم يحبوا أعمالهم- لبعض الاكتئاب؛ نظراً للتغيير الإجباري لنظام الحياة، وانخفاض الدخل المادي بعد التقاعد، حتى لو كانت لديه مدخرات كثيرة؛ فيندفع البعض بالقيام بنشاط تجاري، قد يضع فيه كل مدخراته وأحياناً مكافأة التقاعد؛ ليستمر بالشعور بالأمان المادي، وبأنه لن يضطر يوماً للعيش بأقل مما اعتاده هو وأسرته، ويلجأ آخرون للتقتير على أسرهم للسبب نفسه، وينكر غيرهم الخوف فيسرفون وكأنهم يُطمئِنون أنفسهم؛ وكل ذلك ضار بالمتقاعد وأسرته، وعلى الزوجة في كل الحالات مخاصمة الحدة والنصائح المباشرة، ولا تخبر أسرتها ولا تسمح لأحد بالحديث مع زوجها بهذه الأمور الخاصة، ولتستمع لزوجها بصبر وهدوء تامين.
وعلى الزوجة ألا تقاطع زوجها، ولتمنع أي احتجاج ولو بملامح وجهها، وإذا لم يعجبها كلامه ووجدته منافياً للمنطق؛ فلا تقل له ذلك؛ فسيغضب وقد يختار العناد، خاصة إذا قالت له كلاماً يؤكد عدم ثقتها به أو يقلل من تقديرها له، ولتقل: حسناً، فلتأخذ وقتاً كافياً لتفكر بالأمر، واسترح جيداً واجمع المعلومات، وأثق أنك ستفعل الأفضل.. فمثل هذه الكلمات ستجعله يعيد التفكير، ويمكن مساعدته بجمع المعلومات اللازمة وإعطائه إياها بلا أي نصائح.
أما الزوج الذي يختار الإسراف فلتتركه قليلاً، ثم تخبره بلطف أنه كريم جداً، وعليه الادخار ليستمتع جيداً بثمار عمله.
ليس ضيفاً
تضيق معظم الزوجات بما يسمينه تدخل الأزواج بشؤون البيت –خاصة بعد التقاعد- وكأنه ضيف وليس رجل البيت والمسؤول عن الأسرة، وأكاد أسمع: وأين كان قبل ذلك؟
وأرد بكل الود والاحترام: كان يعمل ليؤمِّن احتياجات الأسرة المادية، ولا يصح القول له: انتهى عملك، ولا نريد أن تغير أي شيء بحياتنا، واصمت ما تبقى لك من العمر، والتفت لشؤونك فقط ولا تزعجنا بتدخلاتك، ونثق أن هذا ما لا تعنيه أي زوجة؛ ولكن هذه هي الرسالة التي قد تصل للزوج المتقاعد من نظرات وكلمات الاعتراض على ملاحظاته.
ومن المؤكد أن بعض ملاحظاته جيدة؛ فليس منطقياً أنها كلها سيئة، فلماذا لا تشكره الزوجة بلطف وبلا مبالغة على التنبيه وتنفذها، ولا تتعامل بحساسية معها؛ فهي ليست دليلاً على فشل إدارتها للمنزل؛ فلا أحد منا كامل، وكلنا نحتاج لمن ينبهنا لنكون أفضل.
أما باقي الملاحظات؛ فإن كانت غير مهمة فلتتجاهلها، وإن كانت حيوية فلا تتعجل الرد ولتأخذ وقتاً كافياً للتفكير والرد بأقل الكلمات وبلطف وبلا جمل استفزازية، مثل: أنت تريد إلغائي، وأزواج صديقاتي لا يفعلون مثلك، وما شابه ذلك.. ومع عدم توقع أن يتراجع الزوج عن كل ما يرغب به؛ وهناك دائماً مساحات ذكية من المرونة والحلول الوسط، ولسان حال الزوجة يقول: ليست تنازلات بأي حال من الأحوال؛ فالتنازلات تورث المرارة والتحسر على النفس؛ بل هي مرونة ذكية لتجميل حياتي.
تلجأ الزوجة –بحسن نية- لتحسين العلاقة بين الأولاد والزوج المتقاعد؛ فهم لم يعتادوا تبرمه من أمور تخصهم أو بالبيت فتقول لهم: تحملوا والدكم؛ فهذه الجملة وحدها تجعلهم يشعرون بأنهم ضحايا، ولا أحد يحب هذا الشعور؛ ولذا ينفجرون بالغضب ويسيؤون التصرف مع الأب، والأفضل القول: افرحوا باهتمامه بكم، واستفيدوا من خبراته، حتى وإن كان يقولها بحدة، فهو يغضب لكم وليس عليكم، ويريد لكم الأفضل، ولا تسمح بأي كلمات مسيئة عن الأب حتى لو أخطأ؛ فليس مسموحاً للأولاد محاسبة الآباء، وعلى الزوجة أن تخبرهم بذلك، حتى لو كانت على خلاف مع الزوج؛ فتشجيعها للأولاد على العقوق ولو بنظرة للأب سيجعلهم يخسرون دينياً ودنيوياً.
قد تحاول الزوجة -حباً للزوج- دفعه لإيجاد عمل مناسب ولو كان تطوعياً، لحمايته من توابع التقاعد النفسية، ونحترم ذلك، ونؤكد أن كل المطلوب من الزوجة هو الإشارة بأقل كلمات وبلا حماس زائد ولا كلمات، مثل: لتجعل لحياتك قيمة، أو لتستفد من وقتك؛ فهذه الجمل قد تأتي بنتائج عكسية إذا لم يرغب الزوج بالعمل، والأفضل الاكتفاء بالقول: ما رأيك بكذا وكذا.. فكّر واختر ما يناسبك، وسأدعمك فيما تختاره.
لا تبالغي
سعدت كثيرا بتفاعل الإخوة والأخوات أعضاء المجموعة الواعية مع موضوع التعامل مع الزوج المتقاعد، وكان من أجمل التفاعلات سؤال إحدى المشاركات بطرح السؤال التالي: “اما اليوم مسألة التقاعد الزوج يعمل خارج البيت والمرأة كذلك تعمل خارج البيت فكيف العمل”، فوعدت بذكر شيء بهذا الخصوص:
1الزوجة العاملة والزوج المتقاعد:
لما كان الكلام يتعلق بالزوجة غير العاملة في علاقتها مع زوج متقاعد، فإنه من باب التوازن أن أعرّج علة واقع الزوجة العاملة التي تقاعد زوجها قبلها، فما السبيل؟
1.لا يُعتبَر تقاعد زوجها سببا مقنعا لتحصل على تقاعد مبكّر، اللهم إلا إذا أرادت بمحض إرادتها، لأن اختيار الزوج الاقتران بها كان عن اقتناع بكونها عاملة.
2. لذا من حقها أن تواصل عملها دون أن تغير معاملتها له، وتحافظ على منظومة الحقوق والواجبات بينهما.
3. إذا اختارت التقاعد المبكّر إرضاءً لزوجها وتكرُّما منها، فلا ينبغي أن تظل تَمُنَّ عليه بالتضحية وتنتظر المقابل منه على ذلك، لأنها هي التي اختارت.
4. إذا اختارت مواصلة العمل،فلا تعتبر ذلك تقصيرا أو “عدم وفاء”،فتسعى أنْ “تكَفِّرَ” عن ذلك بمحاولات تبالغ إرضائه، وكأنها تعتذر عن مواصلة العمل.
5. وإذا اختارت مواصلة العمل، فمن اللطف أن تستمر بين الفينة والأخرى بإخباره بما يحدث أثناء عملها لإشباع معرفته، خاصة إذا كانت تفعل ذلك قبل تقاعد زوجها.
تظن بعض الزوجات أن الزوج بعد التقاعد يحتاج لمن يملأ له وقته، فتلتصق به ولا تترك له الفرصة لينفرد بنفسه، وترى أنها تحميه من الشعور بالوحدة، وهذا خطأ شائع، والأفضل منحه مساحته الخاصة، والانشغال عنه بأمورها المعتادة مع حسن التعامل معه وعدم توجيه انتقادات له، فهو ليس طفلك، بل زوجك، وإذا أردت شيئاً فقولي له بلطف: ما رأيك لو فعلت كذا؟ وتجنبي الإلحاح فنتائجه سيئة، ولا تتعاملي بلطف زائد وكأنه فقد عمله أو أصبح عجوزاً، وشجعيه دون مبالغة على مواصلة الرياضة والعودة لهواياته التي تركها لانشغاله بالعمل، ولا تتوقعي استجابة سريعة لما تريدين، ولا تقولي سيفيده؛ فكلنا نعلم ما يفيدنا ولا يسارع معظمنا لفعله، وهذه ليست دعوة للسلبية، ولكن لعدم المبالغة بالتشجيع حتى لا يشعر بالإجبار، وكلنا نكره ذلك.
إذا كان أمامك سنوات أو أشهر أو أسابيع ليتقاعد زوجك؛ فـسارعي بحسن استثمارها؛ بتحسين علاقتك معه عاطفياً وبكل تفاصيل الحياة، وحسِّني صداقتك معه، أو ابدئي بتكوينها، فالوقت أمامك دائماً لتكوني صديقة زوجك، وتعاملي معه بود واحترام، وتوقفي عن كل الأمور التي تضايقه حتى لو رأيتِ أن بعضها غير منطقي؛ فالأهم والأذكى أن تعيشي بسعادة، وأشعريه بأهميته في حياتك بتدرج وبلا مبالغة، وتجاهلي تعليقاته مثل: هل تريدين شيئاً؟ وماذا أصابك؟ واستمري؛ فهو فقط غير معتاد على توددك إليه.
ولا تقولي له: أدامك الله لأولادك، وقولي: أدامك الله لي ولأولادنا، ولا تختزلي أبداً علاقتك به كأب لأولادك وممول للبيت، واستعدي لما بعد التقاعد وزواج الأولاد؛ فستعيشان سوياً فقط، فاصنعي رصيداً جيداً، وسارعي بفعله بتدرج وبلا تعجل للنتائج.
واهتمي بغذائه ومظهره بالبيت وخارجه، ولا تهمليه أو تحاصريه، ولا تقولي له أو لنفسك أبداً: لقد كبرت، ولا تجبريه على اهتماماتك، وزيدي دوماً من نجاحك وسعادتك كزوجة.