بناء الثقة بالنفس: الأهميَّةُ، الحاجةُ، وكيفيَّةُ التَّمَكُّنِ.
كمال الدين رحموني
بناء الثقة بالنفس من الموضوعات التي بدأ الاهتمام بها في الغرب، كما تطرَّق إليها علماء النفس من خلال تدريب الصغار على اكتسابها ابتداء من سن الثالثة.
1. أهمية الثقة بالنفس: تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لكل واحد منا نظرا للأسباب التالية:
ـ الثقة ضرورية للنموِّ الداخليِّ: معلوم أنه منذ ولادة الإنسان وهو يخضع لعملية نموٍّ متعدِّدة الأبعاد: جسمانياً وعاطفياً وعقلياً. وتظهر هذه العملية في اهتمام الوالديْن بالصغير منذ ولادته من خلال العناية بتغذيته وبمظهره الخارجيِّ ( نظافة، لباس..)، لكنّ الأهمَّ أنّ هناك نموًّا داخليّا يُصاحب الطفل، وهو ما يتطلّب اهتماما بهذا الجانب. من هنا تأتي الثقة باعتبارها الأساس الذي يتأسّس عليه هذا النموُّ الداخليُّ، خاصة إذا علمنا أن النموَّ الجسمانيَّ عند الإنسان يتوقّف عند سنِّ العشرين من عمره، في حين يستمر النموُّ الداخليُّ عقليا وعاطفيا: زيادةً ونُقصاناً إلى آخر يوم من عمره.
ـ الثقةُ صورةٌ لأعماق الشخص: تُعتبَر الثقةُ شعورا داخليًّا، قد لا تظهر إلا حين يجد الشخص نفسه أمام مواقف صعبة، أو مشكلات معقّدة، ولذلك كم من أناس سقطوا أمام المصاعب، واستسلموا لمشاكلَ عويصةِ اعترضتهم، لأنهم لا يملكون قدراً كافياً من الثقة يُعينهم على مواجهة بعض الأحداث أو تقلُّبات الزمن والقدر.
ـ أهمية الثقة لكل شخص: لا يمكن لأحد على وجه الأرض أنْ يستغنيَ عن الثقة: كبيراً كان أو صغيرا، رجلا أو امرأة، لأنه كما يحتاج رِجْليْن يمشي عليهما، يحتاج إلى شيءٍ معنويٍّ يرتكز عليه داخليًّا، ونعني بهما: العقل والقلب، فَبِهما يُحِسُّ بأنه قادرٌ على السير في الأرض مطمئناً دون خوف ولا تردُّد.
ـ الثقة هي النظرة إلى النفس إيجاباً أو سلبا: فَبِمقدار ثقةِ الشخص بنفسه تكون نظرتُه إليها، لأنّ النظرَ إلى النفس بثقة يعني أنّ الإنسانَ ناجحٌ، ولديه القدرةُ على تحقيق ما يريد بإذن ربه، أما إذا نظر إلى النفس بعدم الثقة فمعنى ذلك أنه “فاشل” ولا يستطيع تحقيق شيء في حياته.
ـ الثقة رُمّانةُ الميزان الذي يحتاجها الإنسان في حياته: يورد بعض المختصين مثالا لأحد لاعبي “السيرك” المحترف في المشي لمسافة معينة على حبل وقدرته على المحافظة على التوازن دون خوف من السقوط والتحرُّك بكل ثقة، وهذا التوازنُ الذي امتلكه اللاعب على الحبل، إنما هو مهارةٌ اكتسبها بعقله وقلبه قبل أن يتمكّن منها بجسمه، ولذلك لكي يكون الإنسانُ متوازناً من الداخل، يحتاج إلى الثقة حتى يستطيعَ مواجهةَ الاحداث والمواقف، سواء كانت صعبةً أو عاديةً.
2. ما هي الثقة بالنفس؟ هناك موقفٌ عمليٌّ يختصرُ ماهيةَ الثقة بالنفس تعريفا ودلالة: هذا الموقف “بَطلُه” طفلٌ صغير، وصحابيٌّ -بعد ذلك- كبيرٌ، عندما كان يلعب الطفُل” عبدُ الله بنُ الزُّبير “مع أصحابه في إحدى طرقات المدينة، إذا بالخليفةِ عمرَ بنِ الخطاب يمرُّ بالقرب منهم، فهرب الصغارُ كلُّهم، إلا “عبدَ الله” بقي واقفاً في مكانه، فسأله عمر بن الخطاب: ” لماذا لم تهرُب كما فعل أصحابُك؟” فقال: ” لم تَكُنِ الطريقُ ضَيِّقةً فَأُوَسِّعَها لك، ولم أفعلْ شيئاً فَأخافَك.”. قد ينظر المتسرِّعُ في الحكم على الموقف، فيعتبر ذلك “قلّةَ أدبٍ من صغير نحو كبير”، لكنْ حين نتأمل الموقفَ مَليّاً، سنفهم الرسالةَ التي جسّدها طفلٌ صغير: إنها الثقة بالنفس التي تنِمُّ عن “تماسكِ الشخصية ووقوفِ الشخصِ وقوفاً سليما دقيقا على واقعه الذاتيِّ والاجتماعيِّ، دون أنْ تُسيطرَ على ذهنه مفاهيمُ خاطئةٌ عن نفسه”. والمقصودُ من تماسك الشخصية -في هذا المقام- هو أن لا يُصابَ بأي تأثير داخليٍّ سلبيٍّ ويستسلِمَ له ( خوف واضطراب..)، فيقعَ في شَراكِ القلق والتوتر والخوف. والأمر الثاني هو وقوفُ الطفلِ الواقعيِّ الذاتيِّ حين قال:” ولم أفعلْ شيئا فأخافَك “، وهذا إدراكٌ نابعٌ من الداخل بأنه لم يُـخطئْ حتى يخافَ منه. أما ثالث الأمور، فهو الوقوفُ الاجتماعيُّ، حين قال: “ولم تكن الطريقُ ضيقةً فأُوَسِّعَها لك”، وذلك إدراكٌ للبيئة التي يعيش فيها ويتفاعل معها. والمعنى المرادُ من هذه القصة، أنه لكي يكون الإنسانُ متماسكَ الشخصية واثقَ النفس، يحتاج إلى أمور ثلاثة: معرفة واقعه الذاتيِّ، ومعرفة ما يملك من طاقات وقدرات، ومعرفة واقعه الاجتماعيِّ وحاجياته، والتعاملُ معها بهدوء وثبات. والحديث عن الثقة يُفضي بالضرورة إلى سَبْرِ مكونات الشخصية.
3. مُكَوِّناتُ الشخصية: لكل إنسان مكوناتُه الشخصية التي تؤثر على بناء الثقة لديه، فإذا غابت عنه أصبح مُعرَّضًا لجملة من الاضطرابات. ولكلِّ واحد منّا خمسُ مكوناتٍ شخصيةٍ هي: المظهر الخارجي، القدرات العقلية، الحالة الاجتماعية، المواقف الانفعالية، والروح.
ـ المظهرُ الخارجيُّ: وهو الذي يظهر في شخصية الإنسان أمام الآخرين عند مقابلته لهم، وهو أمر يجب الاعتناء به، وقد يكون لهذا المكوِّن تأثيرٌ في بعض الأحيان, ولْنَفْتَرِضْ أن شخصاً كان مدعوا إلى مأدبة عشاء، وسقط على ثوبه شيء من الطعام الصّلب أو المائع، فقد تهتزُّ شخصيتُه من الداخل، ويشعرُ بالحرج أمام الآخرين لفترة قصيرة أو طويلة حسب تماسك شخصيته، وهنا يأتي دورُ الثقة بالنفس، فكلما كان الإنسان قويَّ الشخصية اعتَبَرَ الحادثَ شيئا عاديا، وكان ردُّ فعله طبيعيّاً، ولذلك فإنّ المظهرَ الخارجيَّ يُعتبَر من مكنونات الشخصية، ولكن لا ينبغي أن يُعطى أكبرَ من حجمه.
ـ القدرات العقلية: وهذا المكون لا يقلُّ أهميته عن الأول، بل هو أكبر، بحيث يستطيع الإنسان به تحديد المجالات التي تتلاءم مع قدراته العقلية، ولْنَفْتَرضْ أنّ إنساناً كانت قدراته العقلية ضعيفة في مادة من المواد العلمية، ولكنه أصرّ على أن يكون مهندسا أو طبيبا، أو أجبره والداه على هذا الاختيار غير المرغوب، فإنّه في الغالب لنْ يُفلحَ في ذلك، وهذا مما يؤثر عليه مستقبلا، حيث يكتشف -بعد سنوات قضاها- أنه دخل مجالا لا علاقة لقدراته العقلية معه، ولا يتناسب مع مؤهلاته، مما قد يؤثر عليه نفسيا ويُفقده الثقة بنفسه.
ـ الحالة الاجتماعية: قد يكون للحالة الاجتماعية أثرٌ كبيرٌ على الثقة بالنفس، وخاصة في هذا العصر الماديِّ الذي نعيشه الآن، فالإنسان ينظر إلى نفسه من خلال غناه وفقرِه، فإذا كانت حالتُه الاجتماعيةُ ميسَّرةً أو فقيرة، فقد يشعر أمام الآخرين ممن هم أغنى منه بأنه أقلُّ مستوىً فتهتزُّ ثقتُه، ولا يعني هذا أنّ الغنيَّ أو صاحب المركز الاجتماعي المرموق بمنأى عن فقدان الثقة، بل قد يُصاب بمرض أخطر من فقدان الثقة، وهو الغرور بما يملك ويَزعُمُ أنّ ما عنده بقدراته وجهده الذي بذله، وبذلك يغفُل عن الرَّزاق الذي يفتح على من يشاء من عباده، وهو القائل:” ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكِيمُ” وهذا أمر خطير يجب أن يتنبه إليه الإنسان.
ـ المواقف الانفعالية: وهي التصرفات التي تُبيّن مدى ثقة الإنسان بنفسه من خلال المواقف التي يمرّ بها في حياته اليومية، فقد يغضب وينفعل، والناسُ متفاوتون في هذا الأمر، وكُلُّ إنسان ينظر إلى نفسه من خلال أربع زوايا: نظرةِ الله إليه، ونظرةِ الإنسان إلى نفسه، ونظرةِ الناس إليه، ثم نظرتِـه إلى نفسه من خلال إمكاناتك.
أ. نظرة الله إليك: هي من أهم الزوايا التي تنظر منها إلى نفسك، ونظرةُ الله إليك تتميز بكونها نظرةً علويةً من فوق سبع سماوات، وأنها حانية رحيمة، بعكس نظرتنا إلى أنفسنا ونظرة الآخرين القاسيةِ حين نُقصّر أو نخطئ في حياتنا، ثم إنها نظرةٌ إلهيّةٌ إلى الإنسان من خلال ما أمره الله به ونهاه عنه، وليس لها علاقة بأمور الدنيا التي كثيرا ما تهتز شخصيتنا بفقدان شيء منها.
ب. نظرة الإنسان إلى نفسه: وهي نظرة داخلية تسأل نفسك: هل حققتُ ما أريد في حياتي؟ هل أنا إنسان ناجح؟ هل أستطيع أن أفعل شيئا لتزدادَ ثقتي بنفسي بقدر ما أكون إيجابيا في نظرتي ؟
ج. نظرة الآخرين إليك: وهذه نظرة من الخارج، تنظر فيها إلى نفسك من خلال الآخرين، وتسأل نفسك فيها: ما هو رأي الآخرين؟ وماذا يقول الناس عني؟ وهل يرون أني إنسان أملك صفاتٍ جيدةً ؟ ولهذه النظرة إيجابياتٌ وسلبياتٌ، فمن إيـجابياتها: أنّ نظرة الآخرين مرآةٌ لتصحيح ما تقع فيه من أخطاء، وتشجيعٌ على ما فعلت من صواب، وأما من سلبياتها فإنّ نظرةَ الآخرين متذبذبة ومختلفة ومتعددة بتعدُّد آرائهم، لذلك فثِقَتُكَ بنفسك هي أنْ لا تتأثرَ برأي الآخرين سَلبًا.
د. نظرتك إلى نفسك من خلال إمكاناتك: وهذه النظرة نظرة مادية صِرْفة، قد ترى فيها نفسك من خلال ما تملك من سيارة أو بيت أو رصيد ماليٍّ، .. وقد تؤدي هذه النظرة إلى الغرور إذا كان الإنسان غنيّا ولم يُرجِع الفضلَ لله في ذلك، أو يكون الإنسانُ فقيرا فينهزم، لأنه يرى أنّ الآخرين يملكون أكثرَ مما يملك.
ه. الروح: وهي أهمُّ مكونات الشخصية وأكبرُها أثراً على شخصيته، بل إنّ جميعَ مكونات الشخصية الأخرى (مظهر خارجيّ، وقدرات عقلية والحالة الاجتماعية والمواقف الانفعالية)، كلُّها تصبّ في الروح وتؤثر فيها وتنطلق منها، ومن الروح الرغبةُ والإرادةُ لدى الشخص التي تدفع الإنسانَ وتحرِّكُه إلى العمل وبذل الجهد، فإذا كانت الروحُ ضعيفةً، وليس عندها الرغبةُ للقيام بالعمل وتشعر بالخوف والقلق، فإن هذا يؤدي -مع الوقت- الى انعدام ثقة الإنسان بنفسه.
4. منظومة الثقة ومستوياتها: هي منظومة متكاملة، كلُّ جزء منها يؤثّر على عملية بناء الثقة، ويمكن أن نذكر أربعَ مستويات للثقة: الثقة بالله، الثقة بالنفس، الثقة بالآخرين، الثقة بالإمكانات.
ـ الثقة بالله: هي الأساس الذي يعتمد عليه الإنسان لبناء ثقته، وعليها ترتكز مستويات الثقة الأخرى [النفس والآخرون والإمكانات]. والثقةُ بالله ليست مُـجرَّدَ ثقةٍ نظريةٍ فحَسْب، بل هي الإيمان بأن الله معك: “وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَما كُنْتُمْ”، ولنْ يخذُلَك فتتوكَّلَ عليه في الأمور والأحوال. “ومن يتوكّل عَلى الله فَهُوَ حسْبُهُ”.
ـ الثقة بالنفس: هي الإيمان بأنّ الله قد منحك من الطاقات والقدرات الشيءَ الكثيرَ لتكون إنساناَ ناجحاً في الحياة، لذلك عليك أن تكتشفَ المواهبَ والطاقاتِ الكامنةَ فيك، وتُسَخِّرَها فيما ينفعك وينفع الآخرين . ومن المهمّ بأنْ تعرفَ مكَامنَ الضعف فيك كما تعرف مكامنَ القوة، لأنه بذلك تزدادُ ثقتُك بنفسك وتستطيعُ أن تتعايشَ مع ضعفك، ولْنَفْترِضْ أنّ طالباً كان مستواه ضعيفا في مادة من المواد الدراسية، ولا يستطيع أن يستوعبَ هذه المادة، وقد تكون نتيجتُه فيها ضعيفة، فإذا عرف أنّ هذه نقطةَ ضعفٍ في قدراته الدراسية، فإنّ هذا الأمرَ لا يؤثر على نفسيته سلباً.
ـ الثقة بالآخرين: وأهميتُها من حيثُ إنّ الإنسانَ لا يعيش وحده، بل يعيش مع الآخرين ويتعامل معهم، فلذلك لابد أن تكون الثقة بالنفس هي الأساس الذي نبني عليه علاقاتِنا مع الآخرين ومع أصدقائنا وكُلِّ مَنْ حولنا، وأنْ لا نُقدِّمَ سوءَ الظن في تعاملنا، بل الأصل هو الثقة إلا إذا ظهر العكس.
ـ الثقة بالإمكانات: وهذه أقلُّ مستويات الثقة، ولكنّ أهميتَها تكُمن في أنّ الإنسانَ لا يستغني عنها، لأنّ حركتَه في الحياة لا تقوم بدونها، ولذلك لا بدّ أن يثقَ بما يملك من إمكانات، فالإنسانُ-مثلا- يحتاج إلى السيارة في كثير من شؤون حياته، ولذلك عليه أن يثقَ بجودتها العالية، ولا يمكن حصول الجودة إلا إذا كان يهتم بصيانتها، فكُلَّما اعتنى بها ازدادت ثقتُه بها، لكنْ إذا حدث بها خللٌ فلا ينبغي أن يفقدَ ثقتَه بها، لأنَّ فرصةَ إصلاحها ممكنة. وهنا يجدُر التنبيهُ إلى ما يختلط على أذهان بعض الناس الذين لا يفرِّقون بين الثقة والغرور، مع أن الفرقَ شاسعٌ بينهما ، ومن أهم الفوارق، أنّ المغرورَ يرى أنه أفضلُ من الآخرين، بينما الواثقُ من نفسه لا يقارن نفسه بالآخرين، فهو يرى قُدراتِه وظروفَه مُختلفةً عن الآخرين. والثقةُ بالنفس إحساس داخليٌّ- كما أسلفنا-، أما الغرور فهو اصطناع من الخارج. والثقةُ بالنفس نموٌّ تدريجيٌّ، أي هي ثمارُ الشخص بعد أن يكون قد غرس البذور الصالحة في حياته، أما الغرور فهو جَنْيٌ لثمار لم يَسْبِقْ له أن زرع بذورها. والواثقُ من نفسه إنسانٌ متواضع يعرف قدْرَ نفسه باعتدالٍ دون ارتفاع عن الحد أو انخفاض عنه، أما المغرور فمختالٌ متكبِّر.
5. الثقة بالنفس نوعان: ثقة جوهرية، وثقة الموقف، وبينهما فروق:
الثقة الجوهرية، تتصل بكيان الشخص، وهذا النوع يحتاجه الإنسان في كل وقت وفي جميع الظروف، بينما ثقة الموقف تتعلق بالمواقف الاجتماعية التي يواجهُها الشخص. والثقةُ الجوهريةُ ضروريةٌ لكل إنسان مهما كان الموقفُ بسيطاً، وإذا أردنا أن نضربَ مثلاً بإنسان طُلبَ منه أن يتعلمَ علماً من العلوم، لكنّه رفَضَ بِحُجَّةِ عدم معرفته بهذا العلم أو صعوبته، فهذا الإنسان فقَدَ “الثقة الجوهرية” بنفسه، ولكنّه إذا قال:” لا أستطيع تعلُّمَه الآن، لأنني أحتاج إلى وقت كافٍ حتى أتمكنَ من تعلُّمه”، فهذا الشخص قد تهتزُّ ثقتُه لفترة قصيرة، ولكنْ مع الممارسة يمكن أن يكتسب ثقته بنفسَه. وهنا ألفت النظر إلى مدخليْن مهمين في تأنيب[الَّلَوْم الشديد]النفس، أحدُهما سلبيٌّ والآخرُ إيجابيٌّ، وكلاهما مُهمٌّ، وأهمِّيَتُهُما تكمُن في أنّهما النافذةُ التي يدخل منها الإنسان إلى نفسه لِيُخاطبَها، فإمّا أنْ يكونَ سلبياً مع نفسه فَيَذُمَّها وَيُـحطِّمها فتُصبِحَ كريهةً لديه، وإمّا أن يكونَ التأنيبُ إيجابيًّا، فيُخاطبَ النفس به ويعملَ على تطويرها من خلاله.
6. كيف تبني ثقتك بنفسك؟ من أهم الأسس التي تُبنى بها الثقةُ بالنفس:
.أ. الاعتماد على الله في كل صغيرة وكبيرة، وبدون ذلك، فلا ثقةَ للإنسان بنفسه أو بالآخرين أو بالإمكانات.
ب. معرفة “معاول” هدم الثقة بالنفس التي تحطّمُ الشخصية وتُضعفُها، ومن أخطر هذه المعاول:
ـ كثرة النقد السلبيِّ، فكلما أكثَرَ الإنسان من نقْدِ نفسه أو انتقده الآخرون، -مع الزمن- قد يُـحطِّمُ الشخصية ويفقدُها ثقتَها بنفسها.
ـ التركيزُ باستمرار على السلبيات وتضخيمُها، وعدمُ الاهتمام بالإيجابيات وتنميتُها.
وهنا نستعرض بعض العوامل المهمة التي تساعد على بناء الثقة بالنفس:
ـ القدرة على التعبير عمّا في النفس، وما يدور فيها: ولذلك يجب على الآباء والمربين إتاحةُ الفرصةِ أمام الآخرين من الأطفال و الشباب للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم، واستثمار مواهبهم بعد اكتشافها، وتوجيهِها نحو المجالات التي يستطيعون من خلالها تفجيرَ طاقاتهم وقدراتهم.
ـ زيادة الصلة بالله سبحانه: إيماناً به، وثقةً به، وتوكُّلاً عليه في كل الأمور.
ـ الاقتناع بأن الله تعالى أبدع في خلقه، ومادام قد أبدع، فقد أوْجَدَ في الإنسان الكثيرَ من الخير والقوة، التي إذا نظرَ إليها إيجابياً وجدَها كثيرة، وحمِد اللهَ عليها، ” وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللهَ لا تُـحْصوها”.
ـ الاعتقادُ بأن الإنسان كالأرض، بها أماكنُ تُنْبِتُ فَتُثمِرُ، و بها أماكنُ تصلُحُ للزراعة لكنْ لمْ يُزْرَعْ فيها شيءٌ، وبها أماكنُ غيرُ صالحة للزراعة من واجب الإنسان إصلاحُها.
ـ الإيمانُ بالقدَر اعترافٌ طَوْعِيٌّ بتقدير الله لابتلاءات قد كتبها على بني البشر، وقد قال النبي الكريم: “وأنَّ ما أصابك لم يكنْ ليُخْطِئَك وأنّ ما أخطَأَك لم يكنْ ليُصيبك”، وهذا ما يحمي الإنسانَ من اهتزاز شخصيته، بل تظلُّ متماسكةً في جميع الظروف والأحوال.
ـ معرفةُ الإنسان مواضعَ القوة والضعف في نفسه تساعده على زيادة ثقته بها، لذا وجب على الإنسان أن يتخلى عن المثالية في كل شيء، فَيظنّ أنه يجب عليه أن يكون كاملاً في كل أمور حياته، بل يجب أن يعترف أنّ هناك مواطنَ ضعفٍ عنده يحتاج أن يتعايش معها.
مع تمني بلوغ السقف الأعلى من الثقة بالنفس للجميع.