من ذاكرة الاستاذ محمد شحلال : أعدى من السليك
أعدى من السليك
محمد شحلال
عرف تاريخ العرب عداء ربما كان بوسعه أن يبز الأسطورتين :،،عويطة والكروج،،يدعى:السليك بن السلكة.
لما طبقت شهرة ،،السليك،،كل الآفاق،لم يلبث أن تحول عدوه إلى مثل كلما ظهر بين الناس من ينفرد بخفة ساقيه،فيقال : فلان أعدى من السليك.
كان لبلدتي،،سليكها،،واسمه الحقيقي : أحمد مقور،وهو رجل أتقاسم معه الانتماء إلى نفس،،الدوار،،بل إن مقر أسرته كان غير بعيد عن معقل أجدادي.
يروي آباؤنا بأن مواهب ،،أحمد مقور،،قد ظهرت مبكرا،حيث برع في اصطياد وترويض الثعابين،حتى حمل لقب،،العيساوي،، عن جدارة،لكن الناس أعجبوا بقوة عدوه التي لم ينافسه فيها أحد.
غادر العداء أهله بحثا عن الرزق،فتوجه إلى ضواحي مدينة ،،العيون،،حيث مارس الرعي الذي كان يسمح بامتلاك نواة قطيع بعد تضحية مكلفة.
أقامت العائلة المشغلة لأحمد وليمة ذات ليلة،وكان الكسكس يشكل الطبق الرئيسي،فلما كان الطعام جاهزا،خاطبته ربة البيت :
ليت أمك كانت قريبة لأبعث لها نصيبها !
لم يتأخر الرد،حيث طلب منها الراعي أن تجهز له صحنا يتكلف بتبليغه، ففعلت وهي لا تخفي استغرابها.
حمل أحمد صحن الكسكس ولم يخفض من سرعته حتى صار على مشارف خيمة والدته.
قبل والدته، ثم قدم لها الهدية القادمة من،،بني بوزكو(الكاف معجمة)،وما أن وصلت الملعقة إلى فيها،حتى لفظتها من شدة حرارتها وكأن الطعام قد خرج لتوه من القدر !
لم تخف الأم اندهاشها من وصول الطعام على هذه الحال وقد قطع عشرات الكلمترات،لكنها تذكرت سرعة ابنها الأسطورية.
ما إن انبلج الصبح،حتى انتشرت قصة الطعام،،الساخن،،الذي قدم من قبيلة ليدخل أخرى يفصل بينهما نهر ،،زا،،وتضاريس وعرة، ولم يتردد الأهالي في توثيق هذا الحادث الطريف إلى درجة أن اسم،،أحمد مقور،،ما زال كالعنقاء يطفو في الحديث كلما كان الحسم للسرعة في شأن من الشؤون.
عندما عاد ،،أحمد مقور،، إلى مسقط رأسه،كان بعض الناس يلتمسون بركته المحتملة،وكيف لا وهو الذي أوصل طعاما حارقا إلى والدته متحديا قوانين عنيدة،ناهيك عن تحكمه في الثعابين السامة التي يسعون إلى اتقاء شرورها؟
ظل أحمد مقور يحتكر الريادة في مجال العدو،لكنه لم يسلم من سوء الطالع الذي يوقف مسيرة جل الموهوبين،ذلك أنه صعد مرتفعات بلدة،،المعدن،،التي كان يقيم بها ذات يوم، ثم ولى بصره شطر الشمال، لتستيقظ في دواخله مشاعر قوية ،جعلته ينطلق بسرعة قصوى، استهلها بخطوات خيالية ،لم يكمل السابعة منها حتى سقط ،ليصاب بكسر خطير لم يقو معه على القيام.
صاح أحمد بكل قواه طلبا للإسعاف،فلما وصلت فرقة النجدة،أبت إلا أن توثق لخطوات العداء الأسطوري،حيث وضعت بين هذه الخطوات أكواما من الحجارة لتكون شاهدا على كبرها.
منذ ذلك الوقت،أصبح المكان معروفا ب:(إسوريفن نحمذ مقور): بمعنى: خطوات أحمد مقور.
يقولون بأن البعض كان يزور مسرح الحادث، بحثا عن بركة ما،وقد أتيح لي أن أمر بالمكان عدة مرات حينما كنت أزور أختي المقيمة ،،ببني شبل،،حيث تأملت الخطوات التي حافظ الناس على سلامتها،بل إن أشخاصا ما،قد عقدوا أغصان الحلفاء المنتشرة هناك بشكل يسمح بتحديد مدى كل خطوة ليخلدها التاريخ المحلي.
كان الأهالي بحاجة إلى وقت طويل، ليكتشفوا بأن خطوات أحمد المأساوية،إنما كانت بفعل نيران العشق التي استعرت فجأة في قلبه عندما تذكر محبوبته ،،البرانية،،فقرر أن يستجيب لنداء القلب بالسرعة التي تطفىء نيران الشوق،لكن الحظ عاكسه هذه المرة،لأنه لم يكن يتجشم حمل الطعام لوالدته في هذه الحالة،بل أخفى عن المعجبين والمريدين نيته الحقيقية، فكانت نهاية تميزه التي انكشف معها سر ظل حبيس صدره.
رحم الله عداءنا العاثر الحظ،وعزاؤه ،،أن من الحب ما قتل،،وحسبه العطب .