العدالة والتنمية .. ماذا بعد؟
عبد الله الهامل
الذين حضروا للقاء التواصلي الذي عقد أمس السبت فاتح يناير، بين الأمين العام الأستاذ عبد الإله ابن كيران والكتاب الإقليميين، سواء منه الذين شاركوا حضوريا أو عن بعد، أكيد أنهم خرجوا بخلاصات هامة، أعلاها أن الحزب عصيٌ على الاستئصال والمحو، وأنه مادام يلوذ بديمقراطيته المؤسساتية، واستقلالية قراره السياسي، فإن كل محاولات تحجيمه أو محوه من الخريطة ستبوء بالفشل.
صحيح أن الحزب تلقى ضربة قوية، حشد لها ابن كيران في ذلك اللقاء أوصافا عدة لبيان حجم الفجيعة فيها، فهي حسبه تسونامي ضرب الحزب، وهي أيضا الكارثة والفضيعة، وهي “الدكديكة” بلسان المغاربة الدارج، وصحيح أيضا أن أثرها وارتداداتها ستلازم الحزب لمدة الله وحده يعلم مداها، لكن لا يجب أن تخطئ العين هذه الحيوية والحياة المقاوِمة لكل أشكال القتل القسري، والإصرار على إنعاش الممانعة والاستسلام لقدر العبث بالسياسة الذي ربح جولة في النزال، ولم يربح بالتأكيد المعركة نهائيا..معركة المغاربة في تملك مصيرهم السياسي بإرادتهم الحرة واختيارهم الواعي الذي لن يكون إلا عبر مزيد من الديمقراطية الحقيقية الصافية من شوائب الإذعان الناعم بالمال أو التضليل أوغيرهما، أو الإذعان الخشن بطرقه المتعددة.
نقول هذا الكلام ونحن نستحضر المآلات التي خطط لها البعض وسعى لها سعيا، فعكس ما توقع هذا البعض من انصراف أعضاء الحزب وتشتت شملهم في “أرض الله الواسعة”، وهيامهم على وجوهم في صحراء السياسة التي تكافئ الوصوليين، وتعلي شأن الانتهازيين الذين لا يحسنون غير المشي على بطونهم، وتواسي بالفتات المؤلفة جيوبهم وقلوبهم من ضعاف النفوس، ها هم أبناء العدالة والتنمية يلوذون إلى حضن المبادئ التي اجتمعوا عليها منذ أول يوم، وكابدوا من أجلها ما كابدوا إيمانا واحتسابا، يتناصحون بينهم بلين القول وأصدقه وإن كان قاسيا، ويتغافرون بينهم، ويلتمسون طريقا وسط هذا الضباب الكثيف الذي يحجب الأبصار والبصائر، مستمدين زاد طريقهم من عمق منطلقاتهم المرجعية، معولين بعد توفيق الله على ديمقراطية مؤسساتهم واستقلالية قرارهم السياسي.
كان لافتا في ذلك اللقاء التوجه نحو المستقبل، لأن الذي وقع وإن كان مفيدا لاستخلاص العبرة منه، فإن الانكفاء داخله قد يعيق المسير إلى الأمام، وبالتالي فإن الأجدى بخصوصه هو أن يكون مظنة لمراجعة الذات تقويما وتصحيحا، بدل الغرق في تفاصيل كيد الخصوم وألاعيبهم التي لن تنتهي أبدا، إذ سنة الله في التدافع ماضية بقدر من الله، وفي ذلك كان المرحوم سي عبد الله باها دائما يقول “كل واحد إدير شغالو”، وكان ينبه دوما، أن طريق الإصلاح محفوف بالمكائد والحروب من كل جانب، وأهله منذورون للصعاب والابتلاءات، وأنه في حال عدم وجودها فعلى أهل الإصلاح أن يشكوا في أنفسهم وفي صحة اختياراتهم.
لم يعول أبناء العدالة والتنمية طيلة مسارهم على أحد، ولن يعولوا أيضا اليوم على أي كان، لاستعادة ذواتهم وقراءة وضعهم، وتلمس طريقهم، فهذا الحزب الذي بنى مساره بأكتاف مناضليه، ومكابدة أبنائه، وتعاطف الناس معه، وانحيازه إلى الشعب وقضاياه، هو ذاته الذي سيواصل مساره الإصلاحي،مستمسكا بثوابت الأمة، عاضا بالنواجذ على خيار الديمقراطية وتخليق السياسة مهما كلفه الأمر، ولن يستسلم أبدا لمنطق تبخيس العمل السياسي “ومرمدته” في سوق النخاسة والاتجار في الذمم، ومقايضة المواقف بالمنافع والمبادئ بالامتيازات والرشاوي، وجعل السياسة رهينة لدى دوائر المال والاقتصاد.
لقد استقوى تيار تسليع السياسة بسياق دولي معاد لتجربة التيارات الإسلامية ما بعد الربيع الديمقراطي، والتقت مصالحهما على وضع حد لها بشتى الطرق، ولا أحد يعرف على وجه الدقة والتحديد مستويات التماهي وتشابك المصالح وتبادل المنافع بينهما إلى أي مستوى وصل وإلى أين ممكن أن يصل، لكن الأكيد أن هذا السياق لن يبقى ثابتا إلى ما لانهاية، كما أن الرهان عليه والاستقواء به لن يكون مجديا دائما، والذي أوتي به لهزم العدالة والتنمية، المغاربة يعرفون قصته من البداية إلى النهاية وبالتفصيل الممل، وإذا كان قد استطاع بتواطؤ من تواطأ، حسم هذه الجولة، فإن غدا لناظره لقريب.
الإشكال ليس في هزم العدالة والتنمية، لأن العدالة والتنمية “حزب قد خلت من قبله الأحزاب” وسنة الله لا تحابي أحدا !!
الإشكال ما هو النموذج السياسي الذي يراد التمكين له في هذا البلد !
هنا تحديدا تكمن استثنائية تجربة العدالة والتنمية !! وهنا تكمن قوته !! ومن هنا ستكون العودة إن شاء الله !!…. عبد الله الهامل