حادث الجرعة والنصف المرعب!
اسماعيل الحلوتي
إلى الصديق محمد مكسي
بموازاة مع ما توصلت إليه الدراسات والأبحاث العلمية من حقائق حول فيروس كورونا المستجد، هناك الكثير من المزاعم والإشاعات التي أرخت بظلالها عليه منذ انتشاره بين سكان العالم، وازدادت حدة اللغط والتشكيك مع انطلاق حملات التطعيم المضاد له. حيث أنه وبعد أن راجت أخبار بين الشعوب بأن الفيروس التاجي ليس بالأمر الطبيعي، وأنه مجرد مؤامرة حيكت خيوطها تحت جنح الظلام لغرض تحقيق أهداف سياسية ومكاسب اقتصادية. ولربما يندرج فقط في إطار تصفية حسابات بين بعض الدول العظمى، تلت ذلك شائعات أخرى حول طبيعة اللقاحات المعتمدة في مكافحة الفيروس ومدى تأثيرها على صحة وسلامة الإنسان.
بيد أنه خلافا لما قيل عن جائحة “كوفيد -19” وما تناسل حولها من شائعات، يكاد العقل البشري يقف عاجزا عن فهم أبعادها ومعرفة الواقفين خلفها، خاصة منها تلك المتعلقة بما يزعم الكثيرون أنها لا تعدو أن تكون مؤامرة، وأن الوفيات المسجلة ليست سوى نتيجة إطلاق الجيل الخامس من الإنترنت G5، بدعوى أن هذا الجيل يطلق أمواجا كهرومغناطيسية، تتسبب في أعراض لا تختلف كثيرا عن أعراض الأنفلونزا. ومن يقول بأن الفيروس صنع في أحد مختبرات أفغانستان على شكل غاز السارين، وأن هناك جنودا أمريكيين أخفوا إصابتهم وسافروا إلى مدينة ووهان الصينية، مما ساهم في نشر العدوى بين سكانها. ومن قائل بأنه سلاح بيولوجي يدخل في إطار حرب إعلامية متواصلة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو أنه خدعة تهدف إلى منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو رغبة البلدان الأوروبية في التخلص من الأشخاص المسنين، وما إلى ذلك من أقاويل وأضاليل…
وخلافا لما تم اعتماده قبل التوصل إلى علاجات فعالة للقضاء على الفيروس أو الوقاية منه، من خلطات أعشاب طبيعية متعددة وأثير حولها من جدل واسع، كما هو الشأن بالنسبة مثلا لبعض الوصفات التي تداولها المغاربة فيما بينهم، لعل أشهرها عشبة “الشيح” التي قيل بأنها تقضي عليه في الهواء، وكذا القرنفل الذي يعتقد الكثيرون منهم أنه يقتل أي جسم غريب يتسلل إلى داخل الجهاز التنفسي. وهناك كذلك خلطة “كورونيل” بالهند، وهي خلطة تستخدم في الطب التقليدي الهندي تباع في إحدى أضخم شركات توزيع البضائع الاستهلاكية في البلاد، بترخيص من الحكومة التي تعتبرها مادة طبيعية لتعزيز المناعة لدى المواطنين…
وبغض النظر عما طال اللقاحات المضادة للفيروس بدورها من شائعات لا تمت للواقع بأي صلة، التي انتشرت بشكل سريع عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وذهبت إلى أبعد حد في بث الرعب بين الناس خوفا مما يشاع حول الإصابة بالعجز الجنسي لدى الرجال والعقم عند النساء، أو من إمكانية تضمنها لشريحة إلكترونية صغيرة، أو أن تكون تحتوي على مواد جينية تغير الحمض النووي للملقحين، أو مستخلصة من خلايا أجنة مجهضة، أو تسبب التوحد أو أعراض طويلة الأمد ومضاعفات خطيرة…
فإن الحادث الذي أريد أن أتقاسمه معكم يحكي عن قصة حقيقية من صميم الواقع المعاش وليس من وحي الخيال، ويتعلق الأمر هنا بما تعرض له صديق عزيز، عندما استجاب شانه شأن ملايين المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب للنداء الذي أطلقته السلطات العمومية قصد الانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا، التي أشرف على إطلاقها ملك البلاد محمد السادس في 28 يناير 2021. والصديق هذا ليس إنسانا بسيطا يستهويه نسج الخرافات وصناعة الشائعات، وإنما هو أستاذ مثقف متقاعد، مشهود له بالنزاهة والكفاءة عندما كان يقوم بمهامه داخل إطار مفتشي التعليم الثانوي بمدينة الدار البيضاء، ويؤمن بأن الفيروس من الفصائل المعدية والواسعة الانتشار، التي قد تؤدي حتما إلى الوفاة، ما لم يتخذ الشخص حذره ويحترم الحواجز الوقائية، وأن الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليا للوقاية من المرض، هي أن يسارع إلى تلقي حصته من التطعيم.
وعلى عكس بقية خلق الله تلقى في سابقة هي الأولى من نوعها ثلاث جرعات ونصف الجرعة في ظرف ستة شهور، دون أن يصاب بأي مضاعفات، إذ بالرغم من تدهور حالته النفسية في بداية التطعيم، فإنه بقي صامدا في وجه “الموت” كما ظل يخبر بذلك الممرضة “الشقية” التي لم تكن تتوقف عن مكالمته هاتفيا عند مطلع كل يوم جديد إلى حين حلول موعد الجرعة الثانية. ترى ما الذي حدث؟ الذي حدث هو أنه في غياب الدقة والمراقبة الصارمة في بعض مراكز التلقيح، تم إعطاؤه جرعة ونصف بدل جرعة واحدة، فما كان منه إلا أن طالب الطبيبة المشرفة بتحرير تقرير مفصل في النازلة، وتسليمه نسخة منه للإدلاء بها عند الاقتضاء. ألا يعتبر مثل هذا الخطأ عاملا أساسيا في التراجع عن أخذ الجرعة المعززة أو العزوف عن التلقيح؟ ثم لم تم التستر عن الواقعة ولم تقم الجهات المعنية باستدعاء “الضحية” لتهدئة روعه والاطمئنان على حالته الصحية والنفسية؟
إنه لمن المؤسف حقا أن تستمر مثل هذه الأخطاء الجسيمة تتكرر دون أن تتم محاسبة مقترفيها، في بلد يعد من بين البلدان الرائدة ليس فقط في التلقيح ضد فيروس كورونا، بل في جميع أنواع الأمراض الأخرى، كما تشهد بذلك الإنجازات المهمة التي حققها في السنوات الماضية وأنقذ من خلالها حياة ملايين الرضع والأطفال.