دولة الجزائر ودولة المغرب بين الاسم والمسمى
محمد إنفي
أستسمح كل الأخوات والإخوة المغاربة الغيورين على وطنهم ومواطنتهم؛ كما أستسمح كل الإخوة الجزائريين والجزائريات الذين يحركهم نفس الشعور(أي الغيرة على الوطن) في نضالهم الهادف إلى إعطاء معنى للاسم الذي تحمله دولتهم، من خلال تحويلها من دولة عسكرية إلى دولة مدنية؛ أستسمح هؤلاء وأولئك ببدء الحديث عن الجزائر، عملا، من جهة، بما نحن معتادون عليه من سلوك نحو الآخر الذي نعطيه الأسبقية في المرور أو الولوج إلى مكان ما، كما يحدث في مداخل العمارات على سبيل المثال، أو عندما نجد أنفسنا أمام ممر لا يتسع لأكثر من شخص؛ ومن جهة أخرى، عملا بما تربينا عليه في الصغر من احترام الأكبر أو الأقدم منا.
وفيما يخص هذه النقطة بالذات، فالجزائر أكبر منا من حيث المساحة (وربما حتى من حيث عدد السكان)، وأكبر منا من حيث اسم الدولة (أربع كلمات مقابل كلمتين)؛ أما من حيث “القدم”، فلا نعدم من يفيدونا بأن الجزائر “أقدم” من المغرب. وهكذا، اطلع المتتبعون لما يروج في وسائل الاتصال بجارتنا الشرقية، على “اكتشاف عبقري” حديث، أُعلن عنه في المدة الأخيرة. ومن باب الاعتراف بالفضل لأهل الفضل، فقد كان لزاما علي أن أحترم هذا “الاكتشاف الجديد”، خصوصا وأن صاحبه سجل سبقا في الهراء وفي الخبل حيث ادعى أن اسم المغرب كان يطلق على الجزائر، بينما المغرب كان اسمه “المروك”.
حقيقة، لا أدري في أي علم يمكن أن ندرج هذا الاكتشاف الكبير. هل في الجغرافيا أم في التاريخ أم في علم الحفريات، أم نعطيه اسم علم جديد حتى يكون للجزائر، في عهد شنقريحة وتبون، سبق علمي يُدخلها إلى موسوعة الاكتشافات النادرة؟ وإذا كانت هذه الموسوعة غير موجودة، فأقترح على الأمم المتحدة أن تتبنى هذا الاكتشاف النادر وتُحدث له يوما عالميا يُحتفى به في جميع أنحاء المعمور. ويمكن للأمم المتحدة، في المستقبل، أن تقوم بتصحيح هذا “الخطأ التاريخي”، فتعيد للجزائر اسمها الأول (المغرب) وتلزم المغرب على العودة إلى اسمه الأصلي (المروك).
وبالتبعية والمنطق، سيعود للجزائر كل شيء يوجد على أرض المغرب، بدءا من الاكتشافات العلمية، القديمة منها والحديثة، في مجال الجيولوجيا وعلم الحفريات والأركيولوجيا (علم الآثار)، التي أعلنت عنها فرق البحث المغربية والدولية. لا يهم إن كانت هذه الاكتشافات تتعلق بـ”أدوات استخدمها الإنسان الحجري القديم في عدد من أعماله، إذ يتم العثور عليها بكثافة من قبل الباحثين والعلماء والطلبة بجميع مناطق المغرب، ما يعني أن هذا الحيز الجغرافي كان موطناً للبشرية الأولى، وهو ما يفسر العثور على هياكل عظمية وبقايا جماجم تعود لمئات آلاف السنين”(أنظر مقالا بعنوان “المغرب جنة الجيولوجيين”، نشر في الموقع التركي yeni Safak بتاريخ 4 رجب 1439)؛ وحتى”جد الديناصورات العاشبة عبر العالم، (الذي) عاش في الحقبة الجوراسية قبل حوالي 180 مليون عام” (نفس المقال)، يحق للجزائر أن تطالب به، ما دام قد أُكتُشف في أرض المغرب؛ أي الجزائر سابقا، قبل أن يستولي “المروك” على اسمها الأصلي (المغرب)، حسب الاكتشاف الجديد في بلاد القوة الضاربة، حسب عبد المجيد كذبون، عفوا تبون.
وبما أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي تحمل صفة “جنة الجيولوجيين” على الصعيد العالمي، فعلينا أن نعيد لجيراننا هذا الحق الذي “سلبناه” منهم ظلما وعدوانا، حتى وإن لم يطالبوننا به. لكن، يبدو أنهم قد وجدوا تعويضا عن هذه الخسارة، حيث اكتشفوا أن جبل الجودي يوجد عندهم؛ مما يعني أن سفينة نوح عليه السلام قد رست بالجزائر؛ وبالتالي، فالأب الثاني للبشرية – بعد الطوفان العظيم الذي أباد كل البشر باستثناء من كنوا مع نوح في سفينته – أصبح جزائريا، والجزائر أصبحت مهد الأنبياء والرسل.
لن تجد الكلمات المناسبة لوصف هذا الهبل. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ فبعض المنتسبين للنخبة الجزائرية التي تطبل للنظام الفاشل، لم يجدوا أمام الحقائق التي يؤكدها العديد من العلماء والباحثين في الكثير من المجالات (الجيولوجيا، الحفريات، الأركيولوجيا، الجغرافيا، التاريخ، الأنثروبولوجيا، الخ) سوى البحث عن موطئ قدم في مجال البحث، ولو بالكذب والزور والتدليس والكلام الفاضي، من أجل إرضاء أسيادهم والتنفيس عنهم بعض الشيء من عقدتهم العميقة والمزمنة التي تتمثل في المغرب.
وهكذا، سبح الخيال بأحد المؤرخين الجزائريين “العباقرة” (ولا أعتقد أنه الوحيد الذي سلك هذا النهج)، فاكتشف أن الجزائر عمرها 4.5 مليون سنة. وقد أثبت بالحجج الكلامية “الدامغة” هذا المعطى السخيف الذي احتفى به إعلام الزيف الجزائري أيما احتفاء، وصدَّق ذلك كل أغبياء النظام ونخبه، وفي مقدمتهم الرئيس الحالي. وقد وجدوا في هذه الكذبة البليدة شيئا من التنفيس عن عقدتهم المزمنة التي أججتها تصريحات الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون”، مفادها أن الجزائر كدولة لم تكن موجودة قبل استقلالها عن فرنسا (وقد سبق للرئيس الفرنسي الأسبق، الجنرال دوغول، أن قال نفس الكلام). ويقول بذلك، أيضا، كبار المؤرخين.
لندع جانبا ترهات وخزعبلات جارتنا الشرقية، التي أوردناها على سبيل التسلية وبهدف تعرية جانب من العقلية المتخلفة الفاسدة والمفسِدة التي يعمل النظام العسكري على غرسها ورعايتها في أذهان الناشئة، دون أن يدرك بأنه يضحك عليه العالم شرقا وغربا؛ وعلى كل، فهذا ليس ما يهمنا في هذا المقال والمقام.
لننظر الآن في الاسم والمسمى لكل من الدولتين. فالاسم الرسمي للجزائر، هو “الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”، والاسم الرسمي للمغرب، هو “المملكة المغربية”. والمقصود بالاسم، لغويا، اللفظ الدال؛ بينما المسمى يقصد به المدلول، أي المضمون أو المعنى الذي يحمله اللفظ الدال (أي الاسم، هنا).
لنحاول الوصول إلى مدلول الاسم الرسمي للجزائر؛ فعبارة “الجمهورية الجزائرية” لا تطرح أي إشكال دلالي؛ فالدولة الجزائرية ليست لا ملكية، ولا سلطنة، ولا إمارة، بل هي جمهورية. لكن عبارة “الديمقراطية الشعبية” تطرح أكثر من تساؤل واستفهام وأكثر من إشكال دلالي. وأول سؤال يتبادر إلى الذهن، هو أي ديمقراطية شعبية تسود في الجزائر منذ استقلالها سنة 1962 إلى اليوم؟
لا داعي للنبش في التاريخ؛ ويكفي النظر، بكل موضوعية وتجرد، إلى الأزمة الخانقة التي تمر منها البلاد، حاليا، لإدراك أن الدولة الجزائرية ليست لا ديمقراطية ولا شعبية؛ بل دولة يتحكم فيها العسكر. فلو كانت ديمقراطية شعبية، لاستفاد الشعب الجزائري من عائدات ثروات بلاده من البترول والغاز؛ لكن هذه الثروات نُهبت وتُنهب من قبل المتحكمين في القرار، وتُهدر وتُبدد منذ سبعينيات القرن الماضي من أجل قضية خاسرة.
وحتى لا نُتهم بالتحامل على جارتنا الشرقية وبالتدخل في شأنها الداخلي، نشير فقط إلى ما سجله التقرير الأخير للبنك الدولي حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي في بلاد المليون شهيد، الغنية بثرواتها الطبيعية؛ التقرير متسم بالسواد، وُينذر بأوخم العواقب. وبمعنى آخر، فالبلاد توجد على حافة الإفلاس، وإن كان رئيسها يصر بغباء منقطع النظير أن الجزائر هي الأولى في كل شيء؛ فهي القوة العظمى والقوة الضاربة والقوة الإقليمية…الخ.
ولغباء مسؤولي جارتنا الشرقية، فقد احتموا، كعادتهم، بنظرية المؤامرة، بدل الاستفادة من ملاحظات التقرير والشروع في الإصلاحات الأساسية لتفادي الأسوأ (أنصحهم ببذل مجهود للاطلاع على ما صنعه المرحوم الحسن يوم توصل بتقرير أسود من نفس البنك ينذر بالسكتة القلبية). وللتغطية على عجزهم، راحوا يعبؤون أبواقهم من أجل نشر فيديوهات على المغرب، تصف الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيه بالمأساوي والمتأزم، ناسين، لغبائهم، أن تقرير البنك الدولي الذي اعتمد على معطياتهم الرسمية، قد كشفهم أمام العالم، وأن الفيديوهات التي تخرج من الجزائر على الطوابير الطويلة وسببها، لم تترك شيئا مجهولا عن وضعية البلاد بالنسبة للرأي العام ليس المحلي فقط، بل والدولي.
والمتتبع للوضع بالجزائر، سواء كان مواطنا جزائريا أو أجنبيا، لا يمكن إلا أن يتساءل عن مآل العائدات الكبيرة من البترول والغاز، حتى أصبح المواطن الجزائري مضطرا إلى الوقوف طويلا في الطوابير من أجل الحصول على قسط من المواد الغذائية الأساسية (الزيت، الحليب، الخبز، البطاطا، القطنيات، من عدس وحمص وغيرهما، ناهيك عن أسعارها الملتهبة).
فهل، لو كانت الجمهورية الجزائرية ديمقراطية بالفعل، كان سيكون هذا هو حال مواطنها وحال البلاد بصفة عامة من حيث البنيات التحتية والوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحقوقي…؟ وهل يمكن لدولة يتحكم فيها العسكر أن تكون ديمقراطية؟ صحيح أن لها رئيس “منتخب” وبرلمان وحكومة؛ لكن الحكام الفعليون، هم العسكر؛ وهذا، يعرفه الجزائريون جيدا، ولا يحتاجون لمن يذكرهم بذلك.
ولو كانت الجمهورية الجزائرية ديمقراطية شعبية حقا، لما خرج الشعب الجزائري إلى الشارع رافعا شعار “دولة مدنية لا عسكرية”. كما أن موقف هذا الشعب من النظام، تم التعبير عنه بكل وضوح في الاستحقاقات الأخيرة (الاستفتاء على الدستور، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)، حيث عرفت المقاطعة نِسبا عالية؛ مما يطرح إشكالية شرعية مؤسسات الدولة، سواء تعلق الأمر بالرئيس أو الحكومة أو البرلمان، نظرا للنسبة الهزيلة من الجزائريات والجزائريين الذين شاركوا في “المسرحية الديمقراطية” التي مُخرجها الفعلي، هو نظام العسكر؛ مما يؤكد أن “الديمقراطية الشعبية” اسم بدون مسمى.
لننظر الآن في الاسم والمسمى للدولة المغربة أو المملكة المغربية. لا داعي للرجوع إلى التاريخ للحديث عن عراقة الدولة المغربية في شخص الملكية ذات الشرعية التاريخية التي لا تحتاج إلى دليل، ولنكتف بالتعريف الذي يقدمه الدستور المغربي (دستور 2011)، في بابه الأول (أحكام عامة) والفصل الأول منه، حيث نقرأ: “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، برلمانية واجتماعية”.
ففيما يخص محتوى عبارة “ملكية دستورية”، فإننا نجده مُتضمَّناً في الباب الثالث من نفس الدستور، الذي يحدد اختصاصات الملك كالتالي: “الملك، رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة (…)، يسهر على صيانة الاختيار الديمقراطي (…) وعلى احترام التعهدات الدولية للملكة”… ويمارس الملك مهامه “بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور” (الفصل 42 من دستور 2011).
أما عبارة “ملكية برلمانية” فتحيل على الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة المغربية. والتجربة الديمقراطية المغربية، التي لا تدعي الكمال، قد وصلت اليوم إلى درجة من النضج جعلها تشكل نموذجا فريدا في محيطها الإقليمي. وقد أعطى المغرب، بانتخابات 8 شتنبر 2021، الدليل على خبرته التنظيمية وصواب اجتهاداته القانونية التي مكنته من تنظيم ثلاث انتخابات في يوم واحد (الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية)، رغم ظروف الجائحة. وقد أشادت عدة دول ومنظمات غير حكومية بهذا الإنجاز. ولم يُسجَّل، على المستوى الداخلي، أي طعن سياسي في العملية الانتخابية؛ إلا ما كان من انتقادات للاستعمال المفرط للمال في بعض الدوائر، هنا وهناك. وهذا أمر قد يتم التغلب عليه في المستقبل، إذا ما اقتنعت الدولة بأن المال يتسبب في ضعف وهشاشة المؤسسات التمثيلية.
أما عبارة “ملكية اجتماعية”، فقد تجسدت بشكل خاص خلال جائحة كورونا. وكان أول قرار ذو طبيعة اجتماعية، اتخذه رئيس الدولة، الملك محمد السادس، بعد قرار الحجر الصحي، هو إعطاء تعليماته للحكومة قصد “الإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا”، طبقا للمقتضيات القانونية. وقد خُصِّص الصندوق المذكور لتعزيز المنظومة الصحية بالبنيات التحتية الملائمة والمعدات الضرورية؛ كما ساهم هذا الصندوق في دعم القطاعات الأكثر تأثرا بتداعيات فيروس كورونا، بما في ذلك القطاع غير المهيكل؛ مما ساهم في التخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة. أضف إلى ذلك أن المغاربة تم ويتم تلقيحهم بالمجان؛ وذلك بقرار من الملك محمد السادس.
هذا، دون إغفال الإشارة إلى المساعدات الطبية التي أُرسلت بتعليمات من الملك محمد السادس إلى 15 دولة أفريقية لمكافحة وباء كورونا؛ كما لا ننسى المساعدات الإنسانية الطارئة المقدمة للشعب الفلسطيني الشقيق في الضفة الغربية وفي قطاع غزة (بينما جيراننا يشبعونه الشعارات التي لا تشتري خبزا ولا زيتا ولا كمامة ولا…لقاحا). أليس هذا دليل إضافي على أن المملكة المغربية “ملكية اجتماعية”، كما جاء في الدستور؟
وبتعليمات من الملك، دائما، الحكومة المغربية المنبثقة من صناديق الاقتراع (انتخابات 8 شتنبر 2021) مجبرة على إصدار القوانين اللازمة والبحث عن التمويل الضروري لتنفيذ البرنامج الاجتماعي الملكي المُحدَّدِ له سقف زمني ملزِم (2025) ومُقسَّم إلى مراحل، تبتدئ أولاها مع بزوغ فجر سنة 2022. الأمر يتعلق بالحماية الاجتماعية (تعميم التغطية الصحية الإجبارية؛ تعميم التغطية الاجتماعية من خلال إحداث نظام للمعاشات لفائدة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا؛ إحداث تعويضات عائلية لفائدة ملايين الأطفال؛ إحداث تعويض عن فقدان الشغل…).
نحن المغاربة لا نزعم أننا نعيش في جنة ديمقراطية (فلسنا في سويسرا ولا في إنجلترا ولا في…)، ولا ندعي أننا نرفل في رغد من العيش أو أننا ننعم ببحبوحة اقتصادية واجتماعية يستفيد منها الجميع (فالفوارق الاجتماعية والمجالية تشكل هاجسا حقيقيا لدى الدولة – أقول الدولة وليس الحكومة – ولدى الطبقة السياسية الواعية بمخاطر هذه الفوارق التي استفحلت مع الليبرالية المتوحشة التي انتهجتها حكومات سابقة ومن بينها حكومات العشرية الأخيرة؛ وسنرى ما ذا ستفعل الحكومة الحالية)؛ لكننا نعي جيدا قيمة ما حققته بلادنا من إنجازات كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبئي والطاقي والحقوقي والديبلوماسي والرياضي وغيره، بفضل الإصلاحات الكبرى التي عرفتها بلادنا تحت قيادة الملك محمد السادس، رئيس الدولة المغربية.
وعندما ننظر إلى هده الإنجازات، رغم أن المغرب ليس له لا بترول ولا غاز، فإننا نقدر عاليا ما حققته بلادنا سواء على مستوى البنيات التحتية (الطرق، السكة الحديدية، الموانئ، المطارات، الملاعب والمركبات الرياضية، الاتصالات، الطاقات المتجددة…) أو على المستوى الصناعي والاقتصادي، بما في ذلك الاقتصاد الأخضر، أو في مجالات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. لكن ما يُنقص من قيمة هذه الطفرة الاقتصادية، هو غياب العدالة الاجتماعية والمجالية، حيث تظل الفوارق صارخة ومقلقة في بعض مظاهرها. وقد أشار ملك البلاد إلى هذا الأمر في عدة مناسبات.
خلاصة القول، لا مجال للمقارنة بين الدولتين من حيث المسمى؛ فالفرق شاسع. ويتجلى ذلك، من جهة، في تعامل كل طرف مع الطرف الآخر؛ ففي الوقت الذي يجعل الملك محمد السادس من اليد الممدودة للجار منهاجا لحل المشاكل الثنائية، يصر النظام الجزائري على إعلان عدائه للمغرب، وبوقاحة فجة، ناهيك عن قطع العلاقات الديبلوماسية من طرف واحد، ومنع تحليق الطائرات المغربية فوق الأراضي الجزائرية، ودق طبول الحرب، الخ؛ ومن جهة أخرى، فإن قطار الدولة المغربية قد انطلق في الاتجاه الصحيح، وبسرعات مبرمجة بدقة وبحكمة، بينما قطار الدولة الجزائرية يسير القهقرى وهمه الوحيد، هو معاكسة مصالح المغرب. وفي الوقت الذي يحقق المغرب انتصارات ديبلوماسية ويراكم الإيجابيات في علاقاته الدولية ويعدد شراكاته الاستراتيجية، تصر الجزائر على حشر نفسها، بسياستها الخرقاء، في خندق ضيق جعلها تعاني على المستوى الدولي من عزلة قاتلة. أما على المستوى الداخلي، فتعاني من الرفض الشعبي (الحراك على سبيل المثال) بسبب قمعها للشعب وإفقارها له رغم الثروات الهائلة التي تتوفر عليها البلاد. ويحز في نفوسنا، نحن المغاربة، أن نرى أشقاءنا الجزائريين يكابدون من أجل الحصول على بعض حبات البطاطا أو قنينة زيت أو علبة حليب أو كيلو عدس أو حمص أو غيره.
مكناس في 15 يناير 2022