لماذا أدار الزلزولي ظهره لمنتخب بلاده؟!
اسماعيل الحلوتي
باستياء عميق تلقى المغاربة عامة والمهتمون بالشأن الرياضي خاصة صدمة قوية، جراء عدم استجابة عبد الصمد الزلزولي للدعوة التي وجهها له الناخب الوطني البوسني وحيد خليلوزيتش، للانضمام إلى قائمة اللاعبين الدوليين الذين وقع عليهم الاختيار لتمثيل منتخب بلادهم في نهائيات كأس أمم إفريقيا “طوطال إنيرجي 21” في نسختها 33، التي تستضيفها الكاميرون في الفترة الممتدة من 9 يناير إلى غاية 6 فبراير 2022. مما طرح علامات استفهام عريضة حول هذا الامتناع المباغت…
فمن يكون الزلزولي هذا الذي أبى إلا أن يزلزل قلوب المغاربة ويثير جدلا واسعا، بسبب رفضه الدفاع عن ألوان منتخب بلاده مفضلا الانضمام إلى المنتخب الإسباني؟ إنه باقتضاب شاب يبلغ من العمر عشرين ربيعا، ولد في مدينة بني ملال وانتقل رفقة عائلته للعيش في إسبانيا وهو في الرابعة من عمره. يحمل جنسية مزدوجة مغربية/إسبانية، وسبق له اللعب لمنتخب المغرب تحت 20 سنة في النسخة الرابعة لكأس العرب 2020، التي جرت أطوارها في السعودية ما بين 17 فبراير و4 مارس 2020، وسجل خلالها هدفين في خمس مباريات.
وبصرف النظر عما جرى الحديث عنه في بداية الأمر من تواصل بين الناخب الوطني وحيد خليلوزيتش وبين الزلزولي من جهة وبينه وبين رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، وما كان أبداه من موافقة مبدئية على حمل قميص الوطن الأم، ملتمسا منحه مهلة إلى حين إسدال الستار على نهائيات كأس أمم إفريقيا، حتى لا تضيع منه فرصة إرساء قدميه داخل الفريق الكتالوني برشلونة، الذي أصبح فيه من ضمن الركائز الأساسية التي يعتمد عليها المدرب الجديد تشافيز هرنانديز.
فإن المغاربة الذين ما انفكوا يمنون النفس بأن تسعف الظروف منتخبهم الوطني في الظفر بالكأس الثانية التي طال انتظارها لأزيد من أربعة عقود، حيث لا يتوفر المغرب إلا على كأس يتيمة منذ 1976، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة مما اعتبروه خذلانا مرفوضا وسلوكا صبيانا من قبل ابن بلدهم الزلزولي، ووجهوا له عبر منصات التواصل الاجتماعي انتقادات حادة بلغ بعضها حد اتهامه بالخيانة، ولاسيما أنهم كانوا يراهنون على مشاركته إلى جانب العناصر الشابة في صنع الفرق والفرح. وازداد منسوب التذمر حدة عقب تصريح الناخب الإسباني لويس إنريكي لوسائل الإعلام بأن الفتى العشريني الذي لمع نجمه مع فريق “البارصا”، اختار عن طواعية دون ضغوطات من أي جهة تمثيل “الماتادور” على المستوى الدولي.
وعلى الرغم من أن المغرب يعد من بين البلدان التي تتوفر على عدد من “الدرر” النفيسة في الخارج، وأنه بقي دائما وعلى مدى حوالي ثلاثة عقود يعمل على استقطاب المتألقين من أبنائه في القارة الأوربية، من أولئك الذين يتوفرون على مهارات عالية وأبانوا عن علو كعبهم مع أنديتهم في أكثر من منافسة رياضية، ولا يبخل على من يسارعون إلى تلبية نداء الوطن بالتعويضات المزجية والامتيازات المغرية، فإن هناك من يفضل الاعتماد على اللاعبين المحليين الذين يمارسون في البطولة الوطنية الاحترافية، مبررين ذلك بكون الكثير من المميزين في أوروبا، طالما خفت بريقهم وتراجع مستوى أدائهم عند حملهم القميص الوطني، الذي طالما استمر للأسف يابسا على ظهور بعضهم في المباريات الحاسمة لغياب القتالية والفعالية الهجومية المعهودتين مع أنديتهم الأصلية، بسبب تخوفاتهم الكبيرة من احتمال تعرضهم للإصابات. ثم إن الزلزولي ليس هو أول لاعب يدير ظهره للمنتخب الوطني، فقد سبقه آخرون ممن يحملون جنسيات مزدوجة دون أن تفلح أساليب الإغراء في إقناعهم أو تحدث حولهم مثل تلك الضجة الصاخبة التي أثيرت ضده على بعد أيام قليلة من انطلاق البطولة الإفريقية…
من هنا وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع الزلزولي الذي بدا واضحا من خلال تردده أنه كان جد متخوف من ضياع مستقبله الكروي هناك في إسبانيا، وبعد أن استطاع المغرب حجز مقعده في ثمن نهائي أمم إفريقيا بتصدر المجموعة الثالثة بسبعة نقط، عقب فوزه على كل من غانا (1/0) وجزر القمر (2/0) وتعادله مع الغابون (2/2)، صار لزاما على القائمين على الشأن الرياضي ببلادنا أن يستخلصوا العبرة من قضية عبد الصمد الزلزولي، ويعيدوا النظر في سياستهم الكروية. خاصة أن المنتخب الوطني لم يعد بتلك القوة التي كانت تجعل من الانضمام إليه مفخرة، في ظل ما بات يحصده خلال السنوات الأخيرة من نتائج مخيبة للآمال وخروجه المبكر في عدة منافسات رياضية، دون أن تجدي نفعا تلك الميزانيات الضخمة التي ترصد له في أن تعيد له صولته السابقة.
وإذ نتمنى صادقين أن يحالف الحظ هذه المرة “أسود الأطلس” في العودة لنا بالكأس من الكاميرون، فإنه لا سبيل أمام القائمين على الشأن الرياضي ببلادنا في صناعة نهضة كروية حقيقية سوى الانفتاح على باقي دول العالم، والرفع من وتيرة الإصلاح وتطوير البنيات التحتية، تفعيل الحكامة داخل الأندية الرياضية، تكريس قيم المواطنة والأخلاق النبيلة والروح الرياضية العالية، ومحاربة مختلف مظاهر الفساد. والأهم من ذلك الاعتماد على العمل القاعدي من حيث الاهتمام بمراكز التكوين التي ينبغي أن تستجيب للمعايير الدولية، لما لها من دور فعال في النهوض بكرة القدم الوطنية، وتضافر جهود الجميع وطنيا وجهويا في اتجاه اكتشاف المواهب، والحرص الشديد على تطويرها وتأطيرها…