بين إجبارية التلقيح والطرد من العمل!
اسماعيل الحلوتي
مباشرة بعد ظهور أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد ببلادنا، اتخذت السلطات العمومية بتعليمات ملكية سامية إجراءات احترازية ووقائية، للحفاظ على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، وتدبير تداعياته الاقتصادية والاجتماعية. وسارعت الدولة إلى توفير اللقاح لكافة الأشخاص المستهدفين من المغاربة والمقيمين الأجانب بدون مقابل، حيث انطلقت الحملة الوطنية للتلقيح تحت إشراف الملك محمد السادس في 28 يناير 2021. بيد أنه وبموازاة مع ذلك تناسلت الكثير من الشائعات حول الفيروس واللقاح، مما جعل الكثيرين يعزفون عن الانخراط في عملية التطعيم بشكل كلي أو جزئي.
إذ أنه وفي إطار تعزيز التطور الإيجابي للحملة الوطنية للتلقيح وبناء على توصيات اللجنة العلمية المختصة، قررت الحكومة اعتماد مقاربة احترازية جديدة لمواجهة الفيروس ومتحوراته، تتمثل في إجبارية الإدلاء ب”جواز التلقيح” ابتداء من 21 أكتوبر 2021 كوثيقة رسمية للتنقل عبر وسائل النقل الخاصة والعمومية داخل التراب الوطني وخارجه، وولوج الموظفين والأجراء الإدارات العمومية وشبه العمومية، وكذا دخول الفنادق والمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات…
ورغم ما أثاره فرض “جواز التلقيح” من جدل واسع في وسائط التواصل الاجتماعي وخارجها، حيث تصاعدت الاحتجاجات لأسابيع، منددة بالقرار المتسرع والجائر وداعية إلى التراجع الفوري عنه، فإن الحكومة أبت إلا أن تظل متمسكة به، متوخية تسريع وتيرة التلقيح لتحقيق “مناعة القطيع”، ومن ثم العودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية، وتفادي الرجوع إلى الحجر الصحي الشامل والاستمرار في إغلاق الحدود وغيره من التدابير الصارمة، لما لذلك من كلفة اقتصادية باهظة وآثار نفسية عميقة.
وبما أن فرض جواز التلقيح أو الجواز الصحي لم يؤت أكله، اضطرت الحكومة إلى تشديد المراقبة على الموظفين عند ولوج الوزارات والمصالح الإدارية، ولم يسلم المحامون والقضاة أيضا من ذات الإجراء. تلا ذلك منح ترخيص مؤقت لغير الملقحين أو الذين لم يستكملوا الجرعات الواجبة، لتقرر فيما بعد إجراءات أخرى أكثر حزما، بعزمها الشروع في الاقتطاع من الأجور ابتداء من 14 فبراير 2022. حيث نشرت مذكرات داخلية بعدد من القطاعات الوزارية، تدعو المترددين أو الرافضين التلقيح إلى التعجيل بأخذ جرعاتهم سواء تعلق الأمر بالأولى أو الثانية أو الجرعة المعززة للمناعة بالنسبة للذين مر على تلقيحهم أربعة شهور، وذلك في أجل أقصاه أسبوعا واحدا.
وجدير بالذكر أنه قبل مباشرة الاقتطاعات من الأجور، جاء في المذكرات التنبيهية المشار إليها أعلاه أنه “حرصا على التفعيل الأمثل للتدابير الاحترازية الموصى بها من طرف السلطات الصحية، وضمانا للسير العادي للعمل بمختلف مصالح هذه الوزارة، فقد تقرر وجوب إدلاء العاملين بجواز تلقيحهم أو جواز الإعفاء بالنسبة للعاملين المعفيين من التلقيح أو الترخيص المؤقت لغير المستكملين بعد تطعيمهم أثناء الولوج إلى مقر الإدارة” كما أنها أكدت على “أن جميع العاملين بالوزارة غير الممتثلين لهذه الإجراءات داخل أجل سبعة أيام، سيتم منعهم من الدخول إلى مقر العمل، ويعتبرون بذلك في حالة تعمد الانقطاع عن العمل، واتخاذ الإجراءات المعمول بها في حقهم طبقا للمقتضيات القانونية…”
وبهذا القرار يكون الموظفون والأجراء مطالبين ليس فقط بتحمل أوزار غلاء المعيش وارتفاع أسعار المحروقات ومصادرة الحريات النقابية وتجميد الأجور والترقيات، بل ومهددين كذلك بالاقتطاع من الأجرة وعقوبات أخرى، لاسيما بعد أن شددت المقاولات على أجرائها بضرورة تلقي جرعات اللقاح الثلاث، وشرعت القطاعات الوزارية والمصالح الإدارية في دعوة موظفيها إلى التعجيل بإتمام مسار التطعيم، منبهة إلى أنها ستكون متشددة مع غير الملقحين من حيث منعهم من ولوج مقرات العمل، واعتبارهم في حكم المنقطعين عن العمل…
وهو ما أثار حفيظة عديد الفعاليات السياسية والنقابية والحقوقية على اختلاف مشاربها وكذا نشطاء الفضاء الأزرق، وجعلهم يعبرون عن استنكارهم الشديد لهذا الإجراء غير القانوني والمتعارض مع مقتضيات الدستور والمواثيق الدولية، لكونه يهدد الموظفين والعمال بالاقتطاع من الأجرة وفقدان مصادر رزقهم، معتبرين أنه إجراء يحط من كرامة الشغيلة المغربية، خاصة أن عددا من دول العالم ألغت اعتماد جواز التلقيح، محذرين مما يمكن أن يترتب عن تمادي الحكومة في الضغط على المواطنين ومعاكستهم، من ردود فعل عنيفة قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان وزعزعة الأمن والاستقرار. بينما اعتبرته المركزيات النقابية أمرا مرفوضا ويتضمن تعسفا كبيرا، وطالبت باعتماد إجراءات تحفيزية، من قبيل تعويضات مادية أو معنوية للملقحين إسوة بعدد من الدول.
إن رهان رئيس الحكومة عزيز أخنوش على الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في تحسيس الموظفين والمستخدمين بضرورة الإقبال على استكمال مسار التلقيح وتعزيزه بالجرعة الثالثة، حفاظا على صحة وسلامة المواطنين وتحقيق المناعة الجماعية الكفيلة بتحصين المكتسبات التي راكمتها بلادنا، لن يكون إلا رهانا خاسرا في ظل فقدان الكثير من الأحزاب والنقابات مصداقيتها، خاصة بعد سماحها لحكومة ابن كيران بالإجهاز على أهم المكتسبات، من خلال تمرير قانوني “إصلاح” التقاعد وما سمي ب”الأجر مقابل العمل” لضرب الحق في الإضراب.
إننا إذ ندعو غير الملقحين بالكامل والمترددين في استكمال مسار التلقيح إلى استحضار المصلحة العليا للوطن والتعجيل بالانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح، فإننا ندعو الحكومة أيضا إلى طمأنتهم من خلال تقديم الضمانات اللازمة حول ما يمكن أن يتسبب فيه اللقاح من مضاعفات جانبية، والالتزام بتحملها كامل المسؤولية في التكفل بالمضاعفات المحتملة وجعلها بمثابة حوادث شغل مع كل ما تستدعي من إجراءات قانونية…