رسالة الرئيس الجزائري لوزير الخارجية الأمريكي غريبة وعجيبة وتحْمِل اعترافا بإسرائيل
عبدالقادر كتـرة
وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رسالة مطولة، لكاتب الدولة في الخارجية الأمريكي “أنطوني ج. بلينكن”، في 30 مارس 2022، قبل اجتماعهما في العاصمة الجزائرية، تطرق فيها لموقف النظام الجزائري من القضايا الراهنة التي تشغل بال العالم، نشرها موقع وزارة الخارجية الأمريكية الرسمي، وتجنبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسيمة وقنوات الإعلام وجرائد النظام العسكري الجزائري، إلى حدّ كتابة هذه السطور، رغم مرور أكثر من 48 ساعة.
وأقل ما يقال عن هذه الرسالة الغريبة والعجيبة، أنها مرافعة لشرح مواقف النظام العسكري الجزائري تجاه القضايا الدولية والإقليمية، وادعائه بأن الجزائر لا أطماع لها في الصحراء المغربية وأن لا علاقة لها بالقضية، بل كانت دائما تحمي المغرب الذي عمل ويعمل على زعزعة استقرارها (!!!)، وتعتبر الجزائر الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحارب الفساد، كما لا يعادي إسرائيل بل يُدعِّم قرار الجامعة العربية بالتوصل إلى سلام مع دولة إسرائيل، وعبّر عن تنديده بتواجد المرتزقة الروس بليبيا، واستعرض مشاكل بلاده وأزماتها والتي تتطلب مساعدة مثل نقص الحليب والقمح وتطوير المواصلات…
نحاول في هذا المقال أن نشير فقط إلى ما قاله الرئيس الجزائري تبون حول علاقة بلاده بالمغرب تحمل الكثير من الكذب والادعاءات والتلفيق والتحوير والنفاق والهروب إلى الأمام ومحاولة تنصل جنرالات ثكنة بن عكنون من مسؤولية إشعال فتيل الفتن وزعزعة الاستقرار بالمنطقة ودعم وتمويل الإرهاب في المنطقة ومعاداة إسرائيل والتحريض على القتل والعمليات الإرهابية وزرع الحقد الغلّ والتفرقة و…و…، بغباء كما لو أن الولايات المتحدة الأمريكية تجهل الوضع الجزائري ومخابراتها تعرف الشاذة والفاذة عن كلّ عسكري وكلّ مسؤول وعن كلّ معتقل ومختطف ومغتال وهارب ومنفي وجوعان وشبعان وفاسد وسارق…
وبغباء وبلادة قارن الرئيس الجزائري “ثورة” الجزائر بثورة الأمريكيين ذات المائة سنة، قائلا: “كان للاجتماعات الجزائرية الأمريكية كثافة أو وزن معين – كانت دائمًا جيدة ومتفهمة لأن هناك الكثير من أوجه التشابه والتشابه الهائل فيما بينها ، ونضالنا التحريري. لا يفصل بين يوم استقلال دولنا سوى بضع ساعات. بالنسبة لكم هو الرابع من تموز (يوليو) بينما بالنسبة لنا الخامس من تموز (يوليو) “، دون فهم إقحام التاريخين بالمناسبة.
واستطرد قائلا :”لا يمكن لأحد أن يجادل في الديمقراطية الأمريكية: شعب مبني على الديمقراطية. نحن نحاول بناء ديمقراطيتنا مع قيمنا الخاصة وتاريخنا الذي يتحد معًا ، والديمقراطية هي حقيقة أن المؤسسات تمثل حقًا الشعب. في قضايا تحكيم الولايات المتحدة، في جميع النزاعات الدولية ، نحن معها. قد نكون حالمين، لكننا نحلم بعالم أكثر توازناً ، بعالم يتم فيه الدفاع عن الحريات بشكل أفضل. نحن نبذل قصارى جهدنا بوسائلنا وفي بيئتنا – أحيانًا يتم فهمنا ؛ في بعض الأحيان لا نكون كذلك”، في إشارة، بدون مناسبة، إلى خطاب “مارتن لوثر كينغ” الذي أُطلق عليه اسم “لديَّ حُلْم” والذي ألقاه عند نُصب “لنكولن التذكاري” في 28 غشت 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية عندما عبر عن رغبته في ي رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس.
وفي محاولة للهروب إلى الأمام والتنصل من مسؤولية الجزائر في إشعال جميع دول المنطقة بحروب وعمليات إرهابية والتي يعرفها الأمريكيون جيدا وتتبعوا ويتتبعون مسارات وزعماء جميع الجماعات الإرهابية بما فيها عصابة بوليساريو، ادعى بسذاجة وخبث أن “هذه هي بيئتنا: نحن محاطون بدول لا تشبهنا كثيراً باستثناء تونس. لهذا السبب لدينا علاقات وثيقة للغاية مع تونس لأن لدينا أوجه تشابه في العديد من المجالات. وإلا فإن كل حدودنا مشتعلة: ليبيا المزعزعة ؛ بعد ليبيا بالطبع هناك منطقة الساحل بأسرها مثل تشاد وبوركينا فاسو ومالي والنيجر. وحتى موريتانيا ليست بهذه القوة. وفي الجوار لدينا المملكة المغربية حيث شهدت علاقاتنا دائمًا تقلبات منذ استقلالنا. انها ليست حديثة. ليس بسبب قضية الصحراء الغربية”.
في رسالته حاول الرئيس الجزائري تبون الناطق الرسمي باسم جنرالات ثكنة بن عكنون، التنصل من عدوانية نظامه وعدائه للمملكة المغربية الشريفة ولوحدتها الترابية وتبرئة ساحتهم، ودون خجل ولا حياء، اتهم المغرب بما اجتمع في النظام العسكري الجزائري من مقابح ومساوئ، مدعيا ومشوها الحقائق بعد إخراجها من السياق التاريخي :””خلال تلك السنوات الـ 12 ، كان لدى الحكومة المغربية وزير للأراضي الموريتانية. بعد ذلك كانت القصة الشهيرة للصحراء الغربية. ما قالوه مخالف تماما لما وقعوا عليه. ربما يكون خطأنا هو الاتساق في إدارة هذا السؤال ، حتى قبل عام 1975. ولكن مع التوترات القائمة بيننا ، فإننا لسنا كما يقولون. بالتأكيد ليست لدينا نية في الصحراء الغربية. إنها مشكلتهم. لقد أرادوا دائمًا زعزعة استقرار الجزائر. هناك قضايا أخرى – لقد أرادوا دائمًا زعزعة استقرار الجزائر ولا أعرف سبب ذلك ، على الرغم من أننا كنا نحمي المغرب دائمًا. لم نكن أبدًا حذرين بشأن علاقاتنا – ومع ذلك ، فليس من الطبيعي أن تظل الحدود مغلقة لمدة 40 عامًا في غضون 50 عامًا من الاستقلال”.
وبوجه فولاذي فاقد للحياء والمصداقية والصراحة، ادعى بما ليس حقيقة أمام دولة عظمى تعرف “الجهر وما يخفى” واعترفت بسيادة المغرب على صحرائه وتكرار اعترافها من قلب العاصمة الجزائري، بل حذرته من استمرار تصعيد النظام العسكري الجزائري لعدوانيته تجاه حليف قوي قادر على تفكيك ترسانته بما يصدمه: “بدأت قضية الصحراء الغربية عام 1975 وما بعده. أعتقد أن لوزير الخارجية العديد من الوثائق التي وقعها ملك المغرب الحسن الثاني – رحمه الله – الذي أصر على تقرير مصير الصحراء الغربية. موقفنا تجاه الصحراء الغربية – وليس تجاه المغرب – والجميع يعلم أن هذا كان دائمًا نهجنا – مثل تجاه تيمور الشرقية ، على سبيل المثال ، انتهى بنا المطاف بإقناع أصدقائنا الإندونيسيين الذين تربطنا بهم علاقة قوية كان عليهم الإفراج عنها تيمور – ليشتي ومنحتهم الاستقلال ، وبقينا قريبين للغاية على الرغم من ذلك. نفس الوضع مع جزر القمر.”
ولم يُخفِ النظام العسكري تودده ومحاباته لكاتب لأمريكا وإسرائيل نافيا أن تكون له عداوة معها بل أكثر من هذا عبر عن اعترافه وتقديره لدولة إسرائيل التي ترعبه وتفزعه، وموقفه يدعم موقف الجمعة العربية التي تعترف بها : ” لقد تعاملنا على الدوام مع قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية على قدم المساواة. أما بخصوص القضية الفلسطينية ، فإن الموقف الجزائري لم يتغير. لقد تم اتخاذ قرار في الجامعة العربية بالتوصل إلى سلام مع إسرائيل ، وأن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين ، وهذا ما نتبعه في الوقت الحالي. إذاً فهو سلام بين جميع المناطق ، لكن ليس لدينا شيء ضدهم – المشكلة الوحيدة التي لدينا هي فلسطين ولا شيء آخر على الإطلاق.”
ومن غرائب الرسالة الجزائرية الموجهة للوزير الأميركي أنه تدين تواجد المرتزقة الروس في ليبيا ، في الوقت الذي فتح لهم قاعدة في “تامنراست” عاصمة الجنوب الجزائري (1000 مرتزق بنسائهم)، وأخذ النظام الجزائري على عاتقه تمويلهم تسليحهم وتوفير لهم كلّ مواد التغذية ووسائل التنقل عبر كافة التراب الجزائري وصحراء الساحل الإفريقي، ومما جاء فيها :”أسوأ ما في الأمر أنه في ليبيا هناك قوى تخوض الحروب بالوكالة ، وعندما نواجه مثل هؤلاء الخصوم الأقوياء ، فليس الأمر متروكًا لليبيين لطردهم. عندما التقيت بليبيا في برلين ، اتفقنا على أن جميع الدول المعنية بالقضية الليبية يجب أن تتفق على عدم السماح للبنادق أو المرتزقة داخل البلاد. يجب علينا نزع سلاحهم. بعد شهرين كان هناك 3000 طن من الأسلحة ، ما يعني أن الحل في مكان آخر. في رأيي ، يمكن أن يكون من خلال الأمم المتحدة.”
وفي الأخير، بعد ادعائه بأن الجزائر هي البلد الوحيد الذي يحارب الفساد ناسيا أن أكبر دولة في تاريخ الأمم التي سجلت أرقام قياسية في الفساد والسرقة والنهب وإفراغ خزينة الدولة وتجويع شعبها، هي الجزائر، التي بدد حكامها وسرقوا أكثر من 1000 مليار دولار في 20 سنة، منهم أكبر المسؤولين، الحاكمون الحاليون في الجزائر ومنهم من هم في السجن يحاكمون، ورؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال وأبناؤهم، ناهيك أن أسرهم الذي لهم حسابات ضخمة في الخارج وعقارات، والكلّ يعلم ذلك.
وفي الأخير عبرت الرسالة عن طلب النظام الجزائري المفلس والمنهار مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق مشاريع في الجزائري :”الإدارة الاقتصادية للبلد التي نحاول تعزيزها يوميًا اليوم في إفريقيا والمغرب العربي بأسره – نحن البلد الوحيد الذي يتميز بالديناميكية في محاربة الفساد، ونتحمل المسؤولية في كل عمل سياسي. نحن الدولة الوحيدة التي سيكون لديها مشروع كبير لهيكلة الدولة. المشروع الأول زراعي. مع دولة شاسعة للغاية ، يمكننا مساعدة إفريقيا من حيث توفير الحبوب. نحن نستطيع فعلها. من الممكن تقنيًا تحقيق إنتاج يصل إلى 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون مواجهة أية مشاكل”