هل وصل دور الشرطة؟
محمد شحلال
تسارعت التحولات الاجتماعية ببلادنا في السنوات الأخيرة، حتى أصبح من الصعب التكهن بما ستؤول اليه الأمور في قادم الأيام.
وهكذا،وبعد تجاوز فترة القمع المنهجي، الذي ساد خلال عقود طويلة، بعدما وصل الصراع أوجه بين الدولة والتيارات المعارضة،فقد اقتنع الجانبان بأهمية الحوار كأساس لايجاد الحلول لمعضلة الحريات العامة والفردية ،بما يواكبها من مكاسب حقوقية تنسجم مع روح العصر،ويجنب الدولة ابتزاز جهات عديدة بعدما تحول الاخلال بهذه الحقوق الى سيف،،ديموقليس،،جديد يسائل مصداقية البلدان وسمعتها بين الأمم.
لقد حصل في بلادنا انفراج هام في مجال الحريات العامة خاصة مع حكومة التناوب، التي ترأسها حقوقي مشهود له بالنزاهة،أعني المرحوم عبد الرحمان اليوسفي،بل ان،، هيئة الانصاف والمصالحة،، قد طوت ملفا ثقيلا من الممارسات التي سودت حقبة من تاريخنا المعاصر وما عرفه من ضحايا ورموز نضالية لن تنساها الذاكرة.
ليس من المبالغة القول بأن المواطن المغربي وفي ظل الانفراج الحاصل، لا يختلف عن أسد أجبر على العيش في قفص،فلما فتح هذا السجن فجأة،انطلق مندفعا لا يلوي على شيء،بل صار يستبيح كل شيء يقع في طريقه !
ودون الخوض في كل التفاصيل التي يعرفها العام والخاص،فانه ربما كان حريا بنا أن نتأمل مسار جهتين مفصليتين في المجتمع،الا وهما هيئة رجال التعليم،ثم جهاز الأمن.
لقد عرفت مكانة رجل التعليم انحدارا مأساويا،بعدما ظل على مدار السنين رمزا وقدوة،حيث كان أول ضحايا ،،موجة حقوق الانسان،،بدل أن يرقى بها،وهكذا شرع المجتمع في تجريده من هالة الاحترام التي توارثها،ليتحول الى مادة للتندر،بامكان ولي أمر متعلم ولو كان من الغوغاء،أن يتطاول عليه،بل وأن يقاضيه ،ليجد نفسه في مواجهة غير متكافئة،بعدما تخلى عنه الجميع وتنكر لسجله.
واذا كان التطاول على كرامة رجال التعليم،قد أثمر ما يعيشونه من معاناة يومية مع جيل تشرب،،الدصارة،،فانه كان من المنتظر أن تتسع هذه،،الدصارة،،لتنتزع ،،المخالب،،من كل من يمتلكها،وفي المقدمة،رجال الأمن.
كان على جهاز الأمن أن يتنازل تدريجيا عن هيبته، ليرغم على مسايرة جيل لا يعترف لأحد بشان ،ولا يقبل مفهوم الردع الذي يضمنه القانون.
وهكذا،ومع رسوخ ظاهرة التمرد على الأعراف والقانون في النفوس،فان رجل الامن لم يعد في مأمن شأنه شأن من علمه الأخلاق واحترام رموز الدولة،بل ان رجل الأمن صار يبحث بدوره عمن يحميه من ،،الهمج،،الذين يعيثون في الشارع العام فسادا،ويجدون من يلتمس لهم الأعذار كلما تم اعمال القانون.
حسب المتابع،ماحصل في الاسبوع الجاري،ليدرك خطورة الوضع الأمني وتزايدها،فقد أوقف شرطي بعدما قام بدوره في ملاحقة راكب دراجة نارية رفض الامتثال فانتهى نهاية مأساوية وهو الذي كان يحمل خلفه فتاتين كما قيل !
أما الحالة الثانية،فتتمثل في مقتل ضابط أمن شاب بمدينة، انزكان،،عندما تدخل لفض نزاع بين شخصين قبل أن يتلقى ضربة غادرة اودت بحياته !
ان رجال الأمن يعيشون جحيما حقيقيا مع جيل لا يعترف بقانون ولا انضباط،ولا يمر يوم دون أن نسمع أونشاهد مظاهر لا حدود فيها للاستخفاف بالقانون والساهرين على تطبيقه،ولا بد أن يأتي الدور على السادة القضاة الذين لا يحتكمون الى مبدإ الصرامة اللازم مع مثل هذه الحالات التي تتلهف لحالة العود كلما غادرت أسوار السجن.
ان التحول الايجابي الذي عرفته بلادنا في مجال العلاقة بين الشرطي والمواطن العادي ،كان من شأن تمثله تمثلا عقلانيا أن يرقى بسلوكنا نحو أسمى معاني التحضر،لكن ما يحصل ،ربما أحيى فينا الحنين الى أيام الشرطي الذي كان تواما للرعب،وهو ما لا يرغب فيه عاقل.