فرار عدائين ممدرسين في سلوفاكيا!
اسماعيل الحلوتي
فضيحة أخرى تنضاف في هذا الشهر الفضيل رمضان إلى سلسلة الفضائح التي ما انفكت تتناسل عبر السنوات في وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ببلادنا، سواء منها المالية أو الأخلاقية. وهي تلك التي كشف عنها مصدر مسؤول من داخلها لوسائل الإعلام صباح يوم الأربعاء 28 أبريل 2022، والمرتبطة باختفاء ستة أطفال قاصرين بينهم فتاة في جمهورية سلوفاكيا، بعدما كان منتظر عودتهم رفقة زملائهم ومؤطريهم إلى أرض الوطن يوم الجمعة 29 أبريل 2022، عقب مشاركتهم في بطولة العالم المدرسية للعدو الريفي، والذين انضاف إليهم اثنان آخران بعد مرور أسبوع واحد على اختفائهم.
فبلاد سلوفاكيا لمن لا يعرف موقعها هي جمهورية أوروبية تقع بين كل من التشيك وبولونيا وأوكرانيا والمجر والنمسا. وهي التي نظمت في عاصمتها “براتيسلافا” بطولة العالم المدرسية للعدو الريفي بحضور 15 دولة من مختلف القارات، تحت إشراف الاتحاد الدولي للرياضة المدرسية في الفترة الممتدة ما بين 22 و27 أبريل 2022، والتي عرفت مشاركة المغرب بوفد رياضي مدرسي مكون من أربعة وعشرين عداء وعداءة مرفوقين بأساتذتهم، حيث حقق العداؤون المغاربة صعودا لمنصة التتويج في ست مناسبات، إثر حصولهم على ست ميداليات من أصل 24 ميدالية وثلاثة كؤوس من أصل 12 كأسا.
وكان من البديهي ألا يقول المصدر المسؤول في وزارة بنموسى إلا كلاما كالذي يصرح به جل المسؤولين في بلادنا كلما اهتز الرأي العام الوطني على أصداء فضيحة أو طفت على السطح مشاكل عويصة، حيث أنه لم يجد أمامه من تبرير عدا التلميح إلى وجود أياد خفية هي التي دفعت بهؤلاء التلاميذ القاصرين إلى التفكير في الهجرة غير الشرعية، وإلا كيف أقدموا على تنظيم عملية فرارهم من بين زملائهم وأساتذتهم في بلد لا يجيدون لغته وليسوا على دراية بجغرافيته، خاصة أنهم مجردين من جوازات السفر الشخصية؟
ولعله من الغرابة بمكان أن يدعي ذات المسؤول الوزاري أن هناك اهتماما بالغا بالقاصرين الهاربين وبمسارهم الرياضي في بلادهم، حيث تتم استضافتهم في أفخم الفنادق وتقدم لهم الامتيازات لتشجيعهم، متسائلا باستنكار شديد عن السبب الكامن خلف قيامهم بمثل هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب؟ وما نعلمه ويعلمه معنا كذلك جميع المسؤولين ومدبري الشأن العام، هو أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الفضيحة، فقد سبق أن وقعت فضائح أخرى مماثلة أثارت الكثير من الجدل حولها، عندما يقدم عدد من أبطالنا في مختلف الرياضات سواء منها الفردية أو الجماعية على الهروب في بلدان أوروبية خلال مشاركتهم في تظاهرات وبطولات رياضية دولية، دون أن يستطيع القائمون على الشأن الرياضي الحد من مثل هذه الظواهر التي تسيء إلى صورة بلادنا…
وبالفعل هي ليست المرة الأولى التي يفر فيها “الرياضيون” من معسكرات منتخباتنا الوطنية أو في البطولات المدرسية التي تحتضنها بعض الدول الأجنبية، ولن تكون هي الأخيرة ما لم تتغير العقليات وتزول الأسباب الحقيقية. ذلك أن معظم شبابنا الرياضيين سواء كانوا من التلاميذ أو غيرهم من العاطلين والعمال، يقومون بمثل هذه المجازفات مضطرين، رغبة منهم في محاولة البحث عن ظروف جديدة وآفاق واعدة، من أجل تحسين أوضاع أسرهم المزرية، أو سعيا منهم إلى محاولة تحقيق أهدافهم المهنية.
ففي عديد المناسبات يختار بعض شبابنا في مختلف أصناف الرياضات سبيل الهجرة غير الشرعية، مما أدى في السنوات الأخيرة إلى تصدر هذا الموضوع إلى جانب مواضيع أخرى لا تقل عنه أهمية ساحة النقاش، ولنا في هذا المجال قصص وحكايات كثيرة ومتنوعة عن رياضيين مغاربة، استطاعوا استغلال معسكرات منتخباتهم في سياق الملتقيات الدولية لتنفيذ مخططات الهروب أفرادا أو جماعات غير مكترثين بالبرامج الرسمية. وقد ذهب الأمر ببعضهم أحيانا قبل المرور إلى مرحلة الحسم إلى تسجيل مقاطع فيديو يوثقون من خلالها الدواعي التي دفعت بهم إلى اتخاذ على مضض هكذا قرار صعب، ويأتي في مقدمتها ظروف العيش القاسية لأسرهم، غياب الحوافز المالية وفساد بعض المؤطرين والمسؤولين الذين يستغلون مجهوداتهم لمصالحهم الذاتية، فضلا عن سوء المعاملة والازدراء وانتشار الرشوة والمحسوبية…
إن ما يحز في النفس كثيرا هو أنه طالما تم التنبيه إلى معضلة هروب الرياضيين، لما للأمر من انعكاسات سلبية على أفراد المجتمع وسمعة البلاد، دون أن تجد تلك الصرخات المتكررة الآذان الصاغية، حيث أن دائرة هذه الظاهرة لم تزدد إلا اتساعا خلال السنوات الأخيرة، وإلا ما كانت لتعرف طريقها إلى مؤسساتنا التعليمية. وهو ما يجعلنا نتساءل بحرقة إن كان الأمر يعود للسياسة العامة أو القائمين على الشأن الرياضي أم لعدم قدرة “الهاربين” على تأمين لقمة العيش الكريم في بعض الرياضات، أو الفشل في إثبات الذات وسط المنافسين؟
إننا نأمل في أن تتضافر جهود الحكومة وجميع فعاليات المجتمع في اتجاه إيجاد الحلول الكفيلة بمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية وخاصة في المجال الرياضي، ولاسيما أنها لم تعد منحصرة في نوع رياضي بعينه، بل تكاد تشمل جميع الرياضات من مختلف الفئات الصغرى والكبرى إناثا وذكورا. فأين نحن من تلك المشاريع التي ظلت وزارة الشباب والرياضة تعد في أكثر من مناسبة بتنزيلها للحد من الظاهرة وتحسين وضعية الرياضيين وتأمين مستقبلهم؟