فاضح ماي 22
الحبيب عكي
لا تزال حكومة “أخنوش” تقصف شعبنا الصامد بالعديد من مغامراتها غير محسوبة العواقب، وكلها تتفانى في تجسيد شعارها الانتخابوي “تستاهلو أحسن”، فمن قمعها الشرس لتظاهرات المتعاقدين في الشوارع، إلى فرضها الأهوج للجواز الصحي رغم كون التلقيح اختياري أصلا، إلى تفرجها الآن على الغلاء الفاحش للأسعار والمحروقات، وغيرها من الخدمات، وكل ما استطاعت أن تقوم به هذه الحكومة هو ما أبدعته اليوم بمناسبة فاتح ماي 2022 مما أسمته و زبانيتها من النقابات ب”الحوار الاجتماعي”، حوار على نقيض كل الحوارات ولأول مرة يمر في سرية تامة وسرعة خاطفة وتوافق تواطئي جعل كل العلاقة بين أطرافه كالعلاقة بين العبد والسيد، ليس بمقدوره إلا أن يثمن كل ما تفضل به عليه سيده و ولي نعمته مما قل أو كثر من الفتاة، ولو كان ذلك غير المطلوب أصلا ولا بقدر الحاجة ولا يلبي الضروريات فبالأحرى الكماليات التي هي بدورها ضروريات في الوقت الراهن؟.
ومن المهازل التي تمخض عنها الحوار المهزلة بين الحكومة (اللاحكومة) والنقابات ( اللانقابات) هو انعدام أية زيادة في أجور الموظفين في هذا الوقت الذي يصطلي فيها الجميع بغلاء الأسعار والمحروقات وغيرها من الخدمات، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وعلى رأسهم الموظفين ـالمتضررين رغم كونهم من الطبقة الوسطى، وهو ما لم تتجرأ عليه أية حكومة مع أية نقابات عبر تاريخ كل الحوارات الاجتماعية، وصدق من قال: “خمسون عاما والمناضلون ينادون يا عمال العالم اتحدوا، فلما اتحدوا ضد وضد وضد، باعتهم النقابات للحكومة والباطرونا بلا ثمن”؟. بل بالعكس عوض الزيادة التي كانت مرتقبة.. ضرورية وملحة، تجرأت حكومة “خنشوش” على الأخذ من أجور الموظفين الهزيلة والتي تنخرها على الدوام تكاليف الأمراض المزمنة، تجرأت فأخذت منهم فوق اقتطاعات الإضرابات (رغم كونها حق مشروع) إتاوات ما بين 300 إلى 600 درهم، فمن كان يملئ سيارته من البنزين ب 300 أو 400 درهم أصبح اليوم ملزم ب 600 أو 700 درهم بسبب غلاء أسعار المحروقات، اللهم إن هذا منكر؟.
ومن الدهاء الماكر لحكومتنا، أنها لجأت إلى فرض مخرجات جعلتها وكأنها تعطي بسخاء وللطبقات الفقيرة، وهي في الحقيقة أبخل من بخيلة، لم تعطي شيئا، وقديما قالوا عن البخيلة: “لا تعطي حتى بولها للأرض”؟، وإذا ما أعطت شيئا بيمينها فمكرا تأخذ ضعفه بشمالها؟. “الحوار الاجتماعي” أزال وحذف السلم 7 من سلاليم الأجور، وهو كغيره من السلاليم الدنيا 5 و6 منقرضين من زمان؟، وأعطى تعويضات 100 درهم على الأبناء 5 و6، وكأن المغاربة لازالوا يلدون من الأبناء الخامس والسادس، وهم بالكاد لا يتجاوزون الأول والثاني، إذا كانوا موظفين وإذا لم يكونوا كذلك فهم أصلا لا يعملون عملا رسميا وبالتالي فهم محرومون لا من الشغل ولا من التعويض؟. فكم هي الحالات التي ستغطيها هذه الزيادة وبكم من التكاليف؟. ثم ما علاقة ذلك كله بشعارات النقابات ممثلة العمال في مختلف القطاعات وهي التي رفعت بمختلف انتماءاتها شعرات: “نضال مستمر لمواجهة ارتفاع الأسعار”.. “التوزيع العادل للثروات بدل تأدية فاتورة الأزمات”.. “لا لاستغلال الظرفية للمس بالحقوق والحريات والمكتسبات”..؟.
والآن، القادمات من الأيام حبلى بالمعقد من المعضلات، وكل المؤشرات – مع الأسف – لا تنذر إلا بالأسوأ، بطالة الخريجين والأنواع الجديدة من التشغيل والتشغيل المؤقت تجاوزا ( تعاقد.. فرصة.. أوراش..) لا عملا واستقرار وظيفي تضمن ولا أجورا تكفي أو كرامة تحفظ، تقاعد الموظفين وقانونهم الأساسي المرتقب وكل ما يروج مما تقترحه الحكومة مما سيهلك الموظفين ويجهز على مكتسباتهم (زيادة في سنوات العمل إلى أرذل العمر… زيادة في مساهمات الموظف… ونقص من معدل الاستفادة والتعويض، مما لن يغطي عند التقاعد لا حاجة الموظف ولا تكاليف أمراضه المزمنة فما بالك بتكاليف أبنائه الكبار في الجامعات و مساعدات البدايات) ؟، أضف إلى ذلك تجميد أو سحب العديد من القوانين من الأمانة العامة للحكومة حتى لا يناقشها البرلمان لا بالسلب ولا بالإيجاب؟، قانون الإضراب.. قانون الإثراء غير المشروع.. قانون الترامي على الملك العمومي… قانون التغطية الصحية للوالدين… قانون التماس الاحسان العمومي وما يحمله من بنود تقييده وتراجعه..؟، وكلها من كسب المغاربة مع الحكومات السابقة وطالما استبشروا بها خيرا كمداخل أساسية في محاربة الفساد وممارسة الإصلاح، وها هي حكومة “خنشوش” تخيب أمالهم وتدفعهم إلى اليأس والاحتقان الحاد من جديد، لا ينذر بغير مواجهة مجهولة العواقب بين الشعب والحكومة، سواء استفردت بفرض الدخول في كل هذه المتاهات أو قمعت الشعب حتى لا يحتج ضدها فيسقطها؟.