تنابز سياسي
محمد شحلال
عرفت الساحة السياسية ببلادنا انحدارا لافتا في العقود الأخيرة،خاصة بعدما انفتح الباب لتفريخ الأحزاب التي حادت عن دورها التوعوي ،لتنشر الميوعة والابتذال في مجال له أهله وقواعده وشروطه.
كانت الدولة فيما مضى، تتضايق من بضعة أحزاب معارضة تمكنت من احراجها في الداخل والخارج،وأصبح لهذه الاحزاب ثقل أكبر عندما تأسست نقابة ك.د.ش أواخر السبعينات،وهو ما أفضى الى تعويم الاندفاع السياسي للمعارضة عبر توسيع باب التعددية الحزبية ثم النقابية،ليتشتت الرأي العام ،و،،يتشابه عليه البقر،، !
لقد تسارع ظهور الاحزاب حتى صار من الصعب استعراض
كل مسمياتها فأحرى أن نميز بين برامجها ومشاريعها الساسية !
ان من حسنات نظامنا السياسي،انه لا يعاني اشكالية الاستمرارية ،التي تكلف الشعوب في بلاد عديدة ،ثمنا باهضا غالبا ما يتحول الى قلاقل واضطرابات داخلية نتابع مشاهدها الأليمة في بلاد عربية وافريقية.
قبيل وفاة الملك الحسن الثاني رحمه الله،كان قد تبنى مبدأ القطبية في الأحزاب، اسوة بما يجري في امريكا وفرنسا وانجلترا وغيرها من البلاد الديموقراطية ليتكرس تداول سلس على تدبير شؤون الدولة،لكن هذه الرغبة لم تتحقق،لأن للأحزاب المتناسلة عندنا حسابات أخرى ليست هي بالضرورة
ما تتوق له الجماهير الشعبية التي يتم تنميطها غداة كل استحقاق سياسي.
ان المتامل للساحة السياسية في الوقت الراهن،ليستبد به الحنين الى وجوه مغربية بصمت الحياة بمواقفها وتدخلاتها وتحليلاتها الرصينة،بينما يجد نفسه الان أمام مهازل تتناقلها الوسائط الاجتماعية ليبدو معها معظم السياسيين في صورة أشخاص مجردين من ابسط مقومات رجل السياسة الجدير بالاحترام.
ان معجم الابتذال يعرف انتعاشا قويا خلال الاستحقاقات الوطنية،حيث يبتكر الساسة ما يكفي من البضاعة لتبخيس خصومهم وكشف ما هو من صميم حياتهم الخاصة ،طمعا في استقطاب مزيد من الاصوات عبر التنابز بالألقاب التي لم ترد في أدبيات الفكر السياسي.
ولعل أقرب نموذج للميوعة السياسية،هو ما حصل في الخرجتين الأخيرتين للسيدين الطالبي العلمي عن حزب الحمامة،والسيد عبد الاله بنكيران الوزير الاول السابق،وزعيم حزب العدالة والتنمية.
ان مايثير في تراشق الزعيمين،هو التحلل من ،،جبة،،رجل السياسة الذي هو ،،ملك،،لكل المغاربة بغض النظر عن مكانته الحقيقية في النفوس ،للسقوط في مستوى لا يمكن وصفه الا بما هو ادنى من اللباقة !
لقد لجأ الرجلان الى حديقة الحيوان لاستعارة ألأوصاف التي تشفي غليل كل واحد منهما في هزم غريمه ،وتمريغ سمعته في التراب.
سبق لابن المقفع أن استغل عالم الحيوان ليؤلف كتابا خالدا في التوجيه عبر استثمار سلوك الحيوانات باعتبارها مخلوقات لها دورها في الحياة،لكن السياسيين المغربيين فضلا ان يختارا ماهو منسوب للذئب من مكر والحمار من غباء لتصفية حساباتهما العابرة.
كنا نأمل بأن يختفي سجال البرلمان الثقيل والمقرف احيانا،بعدما قال عنه الملك الراحل الحسن الثاني ذات يوم، بانه مجرد،،سيرك،،لكن خرجتي السيدين العلمي وبنكيران،تؤكدان بأننا ملزمون بان نتعايش مع مسؤولين يسيئون الى الساسة والوطن في استخفاف جلي بالوطنية التي صانها رجال السياسة الحقيقيين في عز القهر.
تجاوز المتراشقان باقذع النعوت العقد السادس،ومع ذلك يتجاهلان تحذير قوله عز وجل : ( يا أيها الذين ءامنوا، لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن،ولا تلمزوا انفسكم،ولا تنابزوا بالالقاب، بيس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون). س الحجرات.١١.