رسائل الحيوان
محمد شحلال
انتشرت في السنوات الماضية أمراض عديدة وأوبئة نسبها المختصون إلى معظم الحيوانات والطيور.
وهكذا،كان على البشرية أن تتعايش مع الحمى القلاعية وأنفلونزا الطيور،وجنون البقر …،وكان الخفاش آخر المتهمين في جائحة كوفيد 19،قبل أن ينتقل المشعل إلى القردة التي ينسب لها مرض الجدري الذي انتشرت بؤره عبر العالم ،وكان من الطبيعي أن يظهرر ببلادنا ،حيث يعيش صنف من القردة منذ آلاف السنين.
لا أظن بأن القردة هي آخر المتهمين،بل إن اللائحة ستظل مفتوحة ،ليكون ضمنها ضحايا جدد يحملها الإنسان مسؤولية ما يتوقع من أوبئة لم تعرفها البشرية من قبل.
إن الناس- ربما-لا يكلفون أنفسهم عناء العودة إلى علاقة الإنسان بالحيوان،حيث كانت المخلوقات التي تعيش إلى جانبه،لا تخرج عما توارثه من حيث الاستغلال والانتفاع.
وهكذا،كان من المألوف أن تجد في البوادي قطعان الغنم والبقر ،ثم الدواب والدواجن والكلاب ،وكلها حيوانات سخرها الله عز وجل للإنسان لتساهم في ضمان رزقه مقابل توفير حقوق هذه الحيوانات الأليفة،بينما فهم هذا الإنسان عبر التجارب بأن باقي الحيوانات،التي لها أدوارها في الكون،يجب أن تتمتع بحقها في الحياة بعيدا عن متناوله وتعسفه .
لم يحترم الإنسان حرمة الحيوان والطيور،فلجأ إلى كل الأساليب التي تسمح له بنقل هذه المخلوقات من مواطن عيشها الأصلية، لتجبر على تقبل نمط حياة غريب عنها، ولا يستبعد أن يكون له ما بعده.
لم يكن المغاربة نشازا في مجال إخراج الحيوانات من موطنها الأصلي ،وإرغامها على العيش في أجواء تتعذر فيها لغة التواصل المعهودة فيما بينها،لذلك تجد قردنا،،زعطوط،،قد اختطف من خمائل الأطلس حيث اعتاد ممارسة شغبه،ليجد نفسه فجأة في ساحة،،جامع الفنا،،مقيدا بالسلاسل بعدما فعلت سياط التدريب فعلتها في عظامه ليقبل القيام بما لقن من تفاهات.
وغير بعيد عن،،زعطوط،،تخضع أنواع الزواحف لبرنامج عمل حال بينها وبين سبل عيشها الطبيعية،مما يجعلها تمارس الانتقام بكل عدوانية بمجرد أن تتاح لها الفرصة مثلما يفعل ثعبان،،بوسكة،،بحواته من حين لآخر.
لقد اتسع مجال انتزاع الحيوانات من مواطنها الأصلية،وأصبحنا نصادف على الطرقات من يعرض للبيع مخلوقات مهددة بالانقراض،مثل السناجب والضباب، وأنواع من الطيور التي تتعرض للإجهاز المنهجي.
وإذا كانت أفريقيا ومعظم دول آسيا قد تحولت إلى سوق رائجة لكل أنواع الحيوانات البرية،فإن الأروبيين يساهمون في استمرار هذه التجارة غير الشرعية ،عبر محاولات نقل هذه الحيوانات إلى بيئات أخرى ،بكل ما ينجم عن ذلك من تأثيرات على سلوك الحيوان ،إلى درجة أن بعض الجهات لا تتردد في ربط بعض الأمراض بحيوانات محددة ،بعدما صارت تعيش بالقرب من الإنسان وبعيدا عن مواطنها الأصلية.
إن علاقة الإنسان في الغرب بالحيوان،قد تجاوزت المعتاد من السلوكات،وصارت للكلاب والقطط أدوار لا تخطر على البال، لا سيما بعد تمكن المختصين من تحويل الجينات إلى ،،ابتكار،، أصناف غير مألوفة من الكلاب التي تؤدي ما يطلب منها من مهام مثلما هو الشأن بالنسبة للكلاب البوليسية،وكلاب السخرة التي حقق فيها اليابانيون إنجازات قريبة من الخيال.
وبمقابل ترويض الحيوانات واستخداماتها المتزايدة،فإن مجال الصحة كان مهيأ لتظهر فيه أمراض وأوبئة لا يستبعد أن يكون للحيوان البريء فيها دور ما، وهو ما ينكشف يوما بعد يوم،إذ أصبح القرد والكلب يرافقان مالكهما في السيارة، ويأكلان إلى جانبه ضدا على التميز الذي خص به الله مخلوقاته،بل إن يد بعض الناس تتجاهل بني جلدتها المعوزين ،بينما تنفق بسخاء لشراء أطعمة مميزة لأفراد،،العائلة الجدد،،إرضاء لنزوة ابن أو ابنة غارقين في الدلال.
لقدرأصبحت تربية الكلاب والقطط بالبيوت ظاهرة لا يكاد يخلو منها بيت،وأصبحت الأسر لا تتأفف من المصاريف الإضافية،بينما تعرض بائع البيض والنعناع لامتحان عسير قبل تسليمه درهما ثقيلا!
لا يمكنني إغفال الحديث عن كلابنا بالبادية التي كانت تحرس الإنسان والحيوان مقابل غذاء وضيع لا يغير من وفائها شيئا،بل إن أسعد لحظات حياتها تبدو للعيان حين يدعوها فرد من الأسرة لتناول قطعة خبز أو لمرافقته ،ومع ذلك فإن البدو لا يسمحون لهذه الكلاب بالاقتراب من ملابسهم عملا بقواعد الشرع والنظافة.
إن الإنسان هو الذي يقتحم على القردة عالمها عبر كل الوسائل الممكنة فينتزعها من بيئتها ليفرض عليها نظام حياة جديد لا يخلو من مخاطر على الصحة،لذلك لم تتأخر النتائج،حيث أصبحت البشرية في مواجهة أمراض وأوبئة تتحمل فيها كامل المسؤولية بعدما ألغت الحواجز بينها وبين كائنات خلقها الله لتعيش بعيدا عن يد الإنسان التي امتدت إلى نظام الطبيعة فأحدثت فيه خللا يصعب إصلاحه.
لم يكتف بعض الناس بترويض القردة والزواحف،بل إن من أهل البذخ من عمل على ترويض السباع والفهود فصارت جزءا من أسر الأمراء والأغنياء كما هو الحال في دول الخليج التي يدفعها الثراء الفاحش لاستباحة كل شيء.
يروي الأستاذ عبد الهادي بوطالب ،أستاذ الحسن الثاني ومستشاره-رحمهما الله-بأنه مر بلحظة عصيبة ذات يوم حينما كلفه العاهل الراحل بمهمة لدى امبراطور اثيوبيا السابق،،هايلي سيلاسيي،،حيث كان عليه أن يمر بين فهدين ضاريين في مدخل القصر،وكان هذان الفهدان قد انتزعا من موطنهما في البراري ليسجنا بمدخل قصر الامبراطور لعل ذلك يضفي مزيدا من الهيبة لامبراطور انتهى كما ينتهي كل العتاة والجبابرة في هذا الكون الغامض.