غار الحوريات، إعدام تراث
ميمون الجلطي
الآثار التاريخية كلما مر عليها الزمن زادت قيمتها وفي الدول التي تحترم تاريخها وحضارتها تحفظ مآثرها وتصونها ولو كانت مجرد صخرة قد تكون لعراقتها ولرمزيتها التاريخية العتيقة ولكن عندنا نحن في مدينة كوجدة، يقوم المسؤولون بطمس معالمها، وآثارها التاريخية والحضارية وتهميش تراثها اللامادي.
في الأمس القريب كان يوجد بمحيط واحة سيدي يحيى بنيونس بوجدة مغارة تراثية، ضاربة في عمق الزمن والتاريخ، تعرف بإسم غار الحوريات، وقد تغنى به شعراء، وفنانون بالجهة الشرقية، وله ارتباط وثيق عريق بضريح الوالي سيدي يحيى كانت واحة سيدي يحيى تعرف بغار الحوريات، والعكس كذلك، وأتذكر ونحن تلامذة صغار كنا نزور هذه المغارة بين الفينة والأخرى، ندخلها على ضوء الشموع بعدما نشتريها من عند البقال، وكنا لا نستطيع أن نحد من طول المغارة، نظرا للظلام الحالك، وللمشهد المخيف، ولصغر سننا ونحن أطفال صغار وسط غار غائر وظلام غامق مازلت أتذكر وأنا طفل تلميذ صغير كنت أدخل غار الحوريات مستعينا بضوء شمعة أمسكها بيدي وأنا مضطرب ويدي ترتعش من شدة الذعر والأهوال ثم أعود خارجا ولم أستطع البقاء به طويلا وكم كنت أتمنى إعادة دخول المغارة وأنا رجل يافع أدخل الغار بلا خوف وبضوء متطور بدل الشموع، وأتعرف على أسرار المغارة وأكتشف في كبري ما لم أستطع اكتشافه في صغري لكن للأسف لقد تم ردم غار الحوريات باستعمال جرافات من طرف المسؤولين بدم بارد وطمست معالمه بضمير جامد وبقلب جاحد.
ففي ذلك الوقت كنا نسمع روايات تحاك حول هذه المغارة العريقة من كبار الناس كقولهم أن غار الحوريات يمتد طوله على مسافات شرقا ومخرجه في مدينة تلمسان الجزائرية ومنهم من قال مدينة مغنية، وسمعنا أيضا، رواية تقول بأن بقرة دخلت من باب المغارة ثم وجدوها بتلمسان وحتى لا نتحدث وكأننا نحكي خرافة فمهما تعددت الروايات والأساطير بغض النظر عن صحتها من عدمها فإن غار الحوريات يعتبر تراثا عريقا لاماديا وموقعا حضاريا وتاريخيا ولكن في آخر الزمن، تم محوه، وقد تكون مؤامرة لطمس الذاكرة الجماعية والحضارية، الضاربة في العمق، ولدولة تمتد لقرون في التاريخ وحتى واحة سيدي يحيى لم تبقى معالمها الحضارية وتم مسح كل آثارها التاريخية وتم القضاء على تراثها اللامادي العريق وأصبحت اليوم مجرد واحة إسمنتية دفنت تاريخها تحتها، وإلى حديقة اصطناعية لا تشم فيها عبق التراث فلا طعم لها ولا رائحة فيها.
غار الحوريات موروث ثقافي عريق يفوح منه عبق التاريخ، يجب الحفاظ عليه ليبقى معلمة تاريخية تكتشفها الأجيال القادمة ومن الواجب الثقافي، رد الإعتبار، للمآثر والآثار، وحمايتها من الإندثار وغار الحوريات يتطلب فتحه، وإعادة تأهيله رمزا، وتراثا لا ماديا وجعله موقعا أثريا، وفضاء استقبال وترفيه طبيعي ونقل ذاكرته إلى أجيال المستقبل، ويأتيه السياح من الخارج والداخل، والذين يعشقون الآثار، ويتوافد عليه هواة المغارات ومتسلقوا المرتفعات وخصوصا أن الغار، يقع في مجال ريفي، يمكن تحويله إلى منتزه وطني ترفيهي، وهذا ينمي المنطقة، ويجعلها أكثر نشاطا، وتزدهر حركة أنشطتها التجارية والسياحية ولأن التراث والتنوع الثقافي يمثلان رافعة أساسية للتنمية الإجتماعية والإقتصادية في البلاد….