أزيد من مليون تلميذ يغادرون المدرسة في المغرب ؟؟؟
إسماعيل فيلالي
بالرغم من الإصلاحات المتوالية التي تم إطلاقها في المغرب ، منذ سنوات، لمواجهة اختلالات المنظومة التربوية بصفة عامة ومواجهة الهدر المدرسي بصفة خاصة ؛ فإن الواقع يبقى مخالفا لكل الطموحات و الأحلام . فالمعطيات الرسمية تشير إلى أن أزيد من مليون تلميذ مغربي غادروا المدرسة خلال المواسم الدراسية 2019 / 2020 / 2021 ، موزعة بالفعل على مستويات التعليم الابتدائي و الإعدادي و الثانوي .
الرقم يعد كبيرا بالنظر إلى أن المغرب يرفع منذ سنوات إجبارية التعليم ، و يرفع شعار الجودة و الحكامة و حسن التدبير ، أرقام يجب أن تؤرق المسئولين على تسيير الشأن التعليمي و على رأسهم وزير التربية الوطنية و مديرو الأكاديميات و المديرون الإقليميون و يدفعهم إلى البحث عن الحلول للحد من هذه الظاهرة التي لن يستقيم معها إصلاح التعليم ، و إذا عدنا إلى جمع عدد التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة في السنوات الماضية فان الرقم لا محالة سيكون أكبر بكثير في مختلف المستويات التعليمية ولأسباب مختلفة و من الواضح أن نسبة الانقطاع عن الدراسة ازدادت مع جائحة كورونا و الإضرابات المتتالية للمتعاقدين .
إن متابعة التلاميذ للدراسة هي مسؤولية الوزارة و الأكاديميات و المديريات الإقليمية بل هي مسؤولية الدولة كاملة ، نعم هناك أعطاب كثيرة تعرفها منظومة التربية والتكوين على مستوى التدبير المالي و الإداري و التربوي ، لكن الخطير فيها هو هذه الظاهرة التي يغادر فيها ” أطفال المستقبل ” المدرسة و يحالون على الشوارع لمواجهة الواقع المرّ و مشاقّ الحياة في وقت مبكر من حياتهم الشقية ، و الأخطر في الأمر هو أنهم سيعودون لمضاعفة أرقام الأمية لتغيب عنهم أبجديات الكتابة والقراءة التي بالكاد تعلموها ….. الانفصال عن الدراسة نتاج المنظومة التربوية الهجينة ، وارتفاع عدد المفصولين والمنقطعين هو خير دليل على هذا الترهل الذي تعرفه المنظومة التربوية ؛ لأن التلميذ هو محور العملية التعلمية و التعليمية و قطب الرحى فيها ، فإذا لم تستطع المدرسة احتضان التلاميذ ، فلا حاجة للحديث عن الجودة و الحكامة و حسن التدبير و لا حاجة لتوقيع عقود نجاعة الأداء من أجل ترسيخ منهجية الحكامة ، لا حاجة لنا لتحديد سن اجتياز مباراة التعليم ، لا حاجة أيضا للحديث عن نجاح القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي و مخرجاته إذا لم تعط الأولوية لمعالجة هذه الظاهرة التي تهم مختلف مكونات المجتمع و مستقبل البلاد بصفة عامة .. لأن العبرة بالنتائج و ليس بالكلام … فإذا وجدنا انقطاع أكثر من 330 ألف تلميذ و تلميذة يغادرون المدرسة كل سنة ، فلا حاجة لنا أن نتكلم عن أي إصلاح ..
إن تفعيل المبدأ الدستوري الذي يقضي ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يبدأ من هنا ، فكل مسؤول وطني او جهوي أو اقليمي لم يجد حلولا لهذه الظاهرة يجب أن يحاسب .. لأن المؤشر الحقيقي للحكامة الجيدة و حسن التدبير و تحمل المسؤولية هو أن يضمن كل أبناء المغرب مقعدا لهم في المدرسة تبعا للاتفاقيات المتعلقة بالحق في التعليم التي صادق عليها المغرب ولم تجد طريقها إلى التفعيل كما هو مطلوب ، خاصة بالنسبة إلى الأطفال المنتمين إلى الطبقة الاجتماعية الهشة …
إن ضمان التلاميذ لتعليم منصف ودامج يجب أن يكون أولوية حقيقية، و نتيجة حتمية لكل إصلاح حقيقي لان تفشي ظاهرة مغادرة المدرسة ، يطرح أسئلة ملحة حول فعالية هذا الإصلاح و الحكامة الجيدة المزعومة وطريقة تنزيلها ، و منها البرنامج الاستعجالي الذي تم فيه تبذير أكثر من 50 مليار درهم دون ملاحقة المفسدين الذين عاثوا فيه فسادا ، و كم كان الأمل كبيرا أن تتابع الدولة المفسدين الذين تورطوا في هكذا تبذير لكن كل شيء ذهب مع الريح … و منها أيضا الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 التي لم تصل الى مبتغاها ، و ها نحن أمام المشاورات الوطنية حول المدرسة العمومية ؟؟؟
إن مسؤولية ولوج الأطفال إلى التعليم هي مسؤولية الدولة أولا ، التي يجب عليها أن توفر بنيات الاستقبال والموارد البشرية الضرورية الكافية والمؤهلة ، و اتخاذ الإجراءات المرتبطة بتحقيق العدالة المجالية من بناء داخليات و مدارس جماعاتية ، موزعة على عموم قرى و بوادي المملكة ، لأن هؤلاء التلاميذ هم ضحايا السياسة التعليمية الفاشلة المتبعة ، و لا ذنب إطلاقا للأسر فيها .. كما يجب على السيد الوزير أن يبحث عن الأموال الطائلة التي تنهب من تحت الطاولات من لدن المسؤولين عن القطاع ، حيث أن نهب الأموال بطرق ملتبسة هو ديدن الكثير من ضعاف النفوس والملهوفين الذين أصبحت روائحهم تزكم الأنوف ، حيث انتشرت ظاهرة الإكراميات من لدن الممونين و المقاولين في كل توقيع على مصاريفهم من الآمرين بالصرف الذين لهم أحلام يغطيها سقف من الطموحات الشخصية و الفوز بالمال و المناصب ، و لا يهمهم إطلاقا مصير هؤلاء التلاميذ ليبقى مستوى المسؤولية دون الصفر و دار لقمان على حالها إلى إشعار آخر…
إن الكثير من هؤلاء المسئولين المنمقين يتشدقون بحب الوطن و خدمة الصالح العام و هم يمارسون ممارسات يندى لها الجبين ، و همهم هو المقاولة و البناءات و الترميم و الإصلاحات للرفع من منسوب الدخل المالي ، إن حب الوطن ليس مجرد كلام ، وإنما هو خشية الله ، لأن رأس الحكمة مخافة الله ، هو ، أيضا ، قدرة العمل الصادق و الخلاق و المبدع ، وأن نكون على قدر عال من المسؤولية تجاه العلاقة التي تربطنا بهذا الوطن و بأبنائه ، وبقدرتنا على حماية المدرسة المغربية التي تعتبر مشتلا لجيل المستقبل الذي سيتحمل مسؤولية هذا الوطن ….فحق التلميذ في الاستفادة من التعليم في إطار المساواة وتكافؤ الفرص هو المبدأ الذي يكرّسه دستور المملكة و هو الذي يجب أن تعمل الوزارة على تثبيته على أرض الواقع ..
إسماعيل فيلالي موظف بالأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين – جهة الشرق –