هذه التحايلات والابتزازات المتوالية!
اسماعيل الحلوتي
كما كان متوقعا منذ مطلع السنة الدراسية، نجح أرباب مدارس التعليم الخصوصي عبر ممارسة الضغط على وزارة التربية الوطنية في إرجاء نهاية الموسم الدراسي 2021/2022 إلى منتصف شهر يوليوز بدل أواخر شهر يونيو، ليس بسبب تداعيات جائحة “كوفيد -19” أو تأخر الانطلاق الفعلي للدراسة، التي تأجلت إلى بداية شهر أكتوبر 2021، وإنما بهدف الاستفادة من واجب الشهر السابع الذي يدخل وفق المعتاد ضمن العطلة الصيفية.
وجدير بالذكر أن قرار تمديد الدراسة حتى منتصف شهر يوليوز الذي اتخذته الوزارة الوصية في عهد الوزير المنتهية ولايته سعيد أمزازي عند مطلع السنة الدراسية، يعد سابقة فريدة من نوعها في تاريخ المغرب. إذ أنه خلق مباشرة بعد الإعلان عنه حالة من التوجس والترقب في أوساط الأسر المغربية التي تدرس أبناءها بمؤسسات التعليم الخاص، لما يتطلبه الأمر من مصاريف إضافية هي في غنى عنها، وقد تزيد من إرهاق كاهلها في ظل الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمر منها بلادنا، وكان أملها كبيرا في أن يتم التراجع عنه.
حيث أن رئيس اتحاد آباء وأمهات وأولياء تلميذات وتلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب، سارع آنذاك إلى إصدار بلاغ يرفض من خلاله قرار تمديد نهاية السنة الدراسية إلى غاية منتصف شهر يوليوز، مستنكرا عدم تفاعل الوزير الجديد شكيب بنموسى مع كم المراسلات المطالبة بضرورة التعجيل بمراجعته، متهما إياه بالتواطؤ مع أرباب مدارس التعليم الخصوصي وإرضائهم باستخلاص واجبات شهر إضافي، ضدا عن إرادة الأسر المعنية. فضلا عما لتمديد الدراسة من انعكاسات سلبية أخرى على نفسية التلاميذ وحرمانهم من زمن العطلة، والحق في الترفيه الذي يعتبر من بين أبرز حقوق الطفل.
ويشار في ذات السياق إلى أنه سبق لكثير من الفاعلين التربويين أن ضموا صوتهم إلى صوت الأمهات والآباء والأولياء من أجل إلغاء تمديد “الدراسة”، وأكدوا في أكثر من مناسبة على أنهم لا يرون أي مبرر لاتخاذ هكذا قرار ارتجالي، باعتبار المسألة تخص فقط مجالس الأقسام وبعض العمليات الإدارية، التي لا ينبغي لها أن تمس جيوب المواطنين، وتسجن تلاميذ أبرياء في عز فصل الصيف وخلال زمن العطلة المدرسية المعهودة، خلف أسوار المدارس التعليمية بداخل حجرات تفتقر إلى أبسط وسائل الراحة، مما سيؤدي إلى التقليص من زمن العطلة الصيفية والأنشطة التربوية المرتبطة بها من قبيل المخيمات، علاوة على إرباك برامج الأسر السنوية وما ستعرفه الفنادق ومراكز الاصطياف من ضغط كبير في شهر غشت لهذا العام.
بيد أنه وفي خضم الجدل الواسع وردود الفعل المتباينة التي خلفها القرار الوزاري السالف الذكر، وفي الوقت الذي باغتت فيه بعض مؤسسات التعليم الخاص أمهات وآباء وأولياء التلاميذ المسجلين في سجلاتها، بإقدامها على إطلاق مبادرة يتم بموجبها إعفاؤهم من مصاريف التمدرس الخاص بشهر يوليوز، مستحضرة بذلك روح التكافل الاجتماعي، الذي ما انفك المغاربة الأحرار يتسمون به عند الشدائد والأزمات، مراعاة للقدرة الشرائية التي تضررت بفعل تداعيات جائحة “كوفيد -19” والارتفاع المطرد في أسعار المحروقات وسائر المواد الغذائية واقتراب موعد عيد الأضحى، الذي يصادف هذه السنة اليوم العاشر من شهر يوليوز.
وهي الخطوة الإيجابية التي تنم عن حس وطني رفيع المستوى لدى بعض الشرفاء من أرباب المدارس الخاصة على قلتهم، والتي لا يمكن إلا التنويه بها في مثل هذه الظروف العصيبة، لما خلفته من ارتياح كبير لدى عدد من الأسر المغربية وحتى غير المعنية بهذا الإعفاء.
أبت غالبية مدارس التعليم الخصوصي إلا أن تواصل تشبثها الأعمى بقرار الأداء عن شهر يوليوز، بل ذهب بعضها أبعد من ذلك، حيث هناك من هددت بعدم تسليم تلامذتها في السنة الثالثة إعدادي والسنة الأولى من سلك البكالوريا استدعاء اجتياز الامتحانات الإشهادية في حالة رفض آبائهم أداء واجب شهر يوليوز، وهناك من لجأت إلى رفع أسعار التمدرس في الموسم الدراسي القادم، وهناك كذلك من فرضت بدلة موحدة يتراوح سعرها ما بين 600 و800 درهم لدى جهة معينة. مما اضطر معه عديد الآباء والأولياء إلى التهديد باللجوء إلى المحاكم لمواجهة مثل هذه القرارات الرعناء، التي بالإضافة إلى كونها تخالف القانون، تسيء منظومة التعليم وتفرغها من رسالتها التربوية. فأين نحن من مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص التي يتغنى بها القائمون على الشأن التربوي ببلادنا؟
وليس هذا وحسب، بل قامت مجموعة من الأمهات والآباء إلى إطلاق حملة رقمية على صفحات التواصل الاجتماعي تحت شعار “ما مخلصينش شهر يوليوز” احتجاجا على قرار استخلاص واجبات شهر يوليوز. إذ كيف يعقل أن يتم تبرير هذا الأداء غير المستحق باقتراح إتمام البرامج الدراسية بعد الامتحانات الإشهادية؟ ثم ما جدوى إعطاء التلاميذ دروسا بعد الامتحانات؟
إن أرباب المدارس الخاصة يدركون جيدا أنه في ظل تراجع مستوى المدرسة العمومية، وما باتت تعيش على إيقاعه من اختلالات تدبيرية وبنيوية، أن إقبال الأسر المغربية بما فيها ذات الدخل المحدود على التعليم الخصوصي أصبح ضرورة ملحة. وهو ما جعلهم يتهافتون مع كل موسم دراسي جديد وحتى في أحلك الظروف على مزيد من ابتزاز المواطنات والمواطنين واستنزاف جيوبهم بدون وازع أخلاقي، ناهيكم عن عدد التجاوزات القانونية والبيداغوجية. مما يقتضي النهوض بأوضاع المدرسة العمومية، ووضع نظام تعاقدي نموذجي يحدد التزامات الأسر والمدارس الخاصة للحد من هذا التسيب والعبث.