حول المشاورات الوطنية لإصلاح التعليم عبر منصة ” مدرستنا “
اسماعيل فيلالي
الدافع لإبداء هذا الرأي،هو أني توصلت برسالة نصية على هاتفي المحمول ، من منصة المشاورات ” مدرستنا ” ، التي تم إطلاقها مؤخرا من لدن وزارة التربية الوطنية ، في محاولة لإشراك المجتمع المدني في مشاورات إصلاح التعليم . تقول الرسالة : ” يمكنكم الإدلاء بمقترحاتكم من أجل إرساء تعليم ذي جودة ..”
مادام أنهم اختاروا مراسلتي ، فلا مانع من أدلو بملاحظاتي و وجهة نظري و اقتراحاتي حول هذه المبادرة الجديدة لإصلاح التعليم ، التي يمكن إدراجها ضمن 150 إصلاحا الذي عرفه قطاع التعليم منذ الاستقلال إلى الآن ، بدءا بالمبادئ الأربعة إلى مشاورات مدرستنا ، و لا يزال الوضع غير مستقيم ، و لا يزال القائمون على تسيير القطاع لم يستطيعوا تثبيت تسمية قارة و ثابتة له ، و لكم أن تعدوا عدد العناوين و التسميات التي أعطيت لقطاع التربية الوطنية وهذه قصة أخرى … و لنعد إلى المشاورات التي افتتحها الوزير بنموسى بكلمة يدعو من خلالها عموم المغاربة إلى المشاركة المكثفة و الفعالة في هذه المشاورات الهامة بإبداء أرائهم و مقترحاتهم في المشروع التربوي لتجويد المدرسة المغربية ، التي تعتبر مشروعا وطنيا و بلوغ الإصلاح المنشود … جميل جدا أن نعود إلى المجتمع للمشورة في قضية التربية الوطنية و التعليم . لكن يبدو لي أنه فات الآوان و أن هذه المشاورات لن تفضي لأي شيء لسبب بسيط هو أن جيوب المقاومة و المفسدون لا يريدون إصلاح المنظومة و الدليل على ذلك :
فشل كل الإصلاحات و المشاورات السابقة للإصلاح بدءا من الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي بدأنا بالعمل به في نهاية القرن الماضي و الذي حدد تحقيق أهدافه في عشر سنوات من 1999 إلى 2009 ……… لا داعي للحديث عن الملايير التي أنفقت من أجل صياغته حيث زارت اللجنة العديد من الدول العربية و الأوروبية و الأمريكية ( 16 دولة ) ، ولا داعي للعودة للحديث عن المبادئ الأربعة الأساسية للميثاق و لا عن الغايات و الدعامات 12 التي أطرته و التي كانت بمثابة خلاصات للبحث و المشاورات لتجديد المدرسة و جعلها بمثابة العشرية الوطنية للتربية و التكوين و إعطاء التعليم الأسبقية باعتباره القضية الثانية بعد القضية الوطنية ، وقتها تجندت كل القوى الوطنية و الديمقراطية للرقي بالمنظومة التربوية ، لكن دون جدوى ، حيث مرّ على الميثاق ربع قرن و لم تتحقق أهدافه الكبرى و من أهمها نسبة تمدرس التلاميذ 100 في المائة في حدود 2010 ، و القطع مع الهدر المدرسي ، الذي أصبح عنوانا بارزا لفشل التعليم بالبلاد ، حيث أصبح يغادر المدرسة أزيد من 330 ألف تلميذ في السنة و محاربة الأمية التي كان الميثاق يهدف إلى تحقيق أقل من 20 في المائة في سنة 2010 و القضاء على الأمية في سنة 2015 ؟؟؟ و بعد مرور كل هذا الزمن لا نزال في 30 في المائة من الأمية ….
فشل الإصلاح ، أيضا ، بعد إطلاق البرنامج الاستعجالي 2009/2012 الذي خصص له غلاف مالي يناهز 50 مليار درهم و التي عبث به المفسدون و لصوص المال العام في القطاع و لم تتم متابعتهم بالرغم من تصريحات المسئولين بأنهم أحالوا الملفات على القضاء ؟؟؟ و المؤسف هو أن الكثير من هؤلاء المفسدين واللصوص لا يزالون يتحملون المسؤولية بالقطاع دون حياء ، و قد أصبحوا من الأثرياء الذين لا تحصى أموالهم ، و الحديث عن المجازر المالية التي عرفتها الميزانية المرصودة للبرنامج الاستعجالي تدمي القلب و تدمع العين و تفاصيلها تحتاج إلى مجلدات لتدوينها …
و في خضم هذا الفشل الذريع ، جاء الخطاب الملكي القوي في غشت 2013 ليشخص أزمة التعليم و يسمي الأشياء بمسمياتها و يحمل المسؤولية للمتورطين في الفساد المالي ، أعقبتها إعفاءات بعض المسئولين في القطاع من دون محاسبة تحت شعار ” عفا الله عما سلف ” و بقي آخرون كانوا من المتورطين ؟؟ فما بالك أن أكاديمية من الأكاديميات يعفى فيها 6 نواب و العديد من رؤساء المصالح و يبقى مدير الأكاديمية متربعا على كرسي المسؤولية ؟؟؟؟
في 16 يوليوز 2014 تم تنصيب المجلس الأعلى للتعليم برئاسة عمر عزيمان ، الذي كان مطلب القوى الوطنية في البلاد ، و في 10 أكتوبر 2014 الملك يدعو في افتتاح البرلمان إلى إعادة النظر في مضمون الإصلاح . و بعده انطلقت مشاورات الإصلاح من لدن المجلس الأعلى للتعليم تحت شعار” الحوار الجهوي لتأهيل منظومة التربية و التكوين و البحث العلمي ” و أهدرت فيه الملايين من دون جدوى .
في سنة 2015 تم إقرار الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 /2030 و بدأت الوزارة بلقاءات جهوية حول الرؤية الاستراتيجية و توج بقانون الإطار لإصلاح المنظومة التربوية …
في مارس 2016 تم تشكيل لجنة وزارية دائمة تحت إشراف رئيس الحكومة تتكون من 18 وزيرا يمثلون القطاعات الحكومية المعنية و تناط بها عملية تنسيق السياسات و البرامج القطاعية المرتبطة باجرأة مشاريع إصلاح منظومة التربية و التكوين ، بعدها جاءت مشاورات لجنة النموذج التنموي التي كان يقودها بنموسى و التي وضعت الأصبع على مكامن الداء كما قيل ، و لم يجد من مخرجات هذا الاطلاع على وضعية التعليم المهترئ سوى تسقيف السن لولوج مباريات التعليم ليحرم الكثير من أبناء المستضعفين من ولوج هذا القطاع ، بدعوى انه مدخل من مداخل الحكامة الجيدة لإصلاح التعليم …
و الآن هاهو يطلق مشاورات من اجل إصلاح التعليم عبر منصة ” مدرستنا ” ، من اجل ارساء تعليم ذي جودة . السؤال الموجه للسيد الوزير أين هو دور المجلس الأعلى للتعليم من هذه المشاورات ؟؟؟ الذي أوكلت له الدولة عملية إصلاح التعليم و اعتباره خلية للتفكير الدائم و المستمر و النقاش حول قضايا التعليم ، ومن وظائفه تنوير ذوي القرار و الفاعلين و الرأي العام بواسطة التقييمات الكمية و النوعية المنتظمة و الدقيقة لمختلف مكونات المنظومة التربوية و البحث العلمي ، و إعداد تقارير سنوية عن حالة و واقع التعليم و آفاقه و الحلول المقترحة لمعالجة كل الاختلالات و الأعطاب الكبيرة والمزمنة و معالجة الإشكاليات التربوية الكبرى التي تعرفها المنظومة التربوية ، أم ان هذا المجلس أصبح صوريا لا يفيد في هكذا إصلاح ؟؟ و الحقيقة أن تركيبة المجلس الأعلى لا علاقة لأغلب أعضائها بالتعليم ، فهي توليفة كانت من أجل خلق التوازنات و الترضيات السياسية و التوافقات الحزبية وهم يلتهمون ميزانية بالملايير . فالمطلوب تفعيل المجلس الأعلى لتقييم المنجزات و الإخفاقات و الانكباب على التفكير في المساهمة الفعالة في هذا الورش الوطني ، الذي يحز في النفس أن يكون الوضع الحالي للتعليم أكثر سوءا مما مضى ، بعد مرور 66 سنة على استقلال البلد …
وحتى لا نعد من المتشائمين ومن السوداويين سندلي ببعض الملاحاظات و المقترحات إذا كتب لها أن تقرا من لدن المشرفين على هذه المشاورات :
ملاحظات هامة :
– لن يستقيم إصلاح التعليم دون ربطه بالإصلاح الديمقراطي للمجتمع ، الذي يجب أن يقطع مع الفساد المستشري في البلد ، ليكون التعليم فعلا قاطرة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية ،
– لن يستقيم إصلاح التعليم دون نزاهة و شفافية و حكامة جيدة في تسييره على المستوى الوطني و الجهوي و الإقليمي . .
– لن يستقيم إصلاح التعليم دون القطع مع التوافقات و الترضيات السياسية و النقابية .
اقتراحات عامة :
– الإصلاح الشامل للبنية التحتية للمدارس و المجموعات المدرسية خاصة في العالم القروي الذي يمثل 70 في المائة في قطاع التعليم ، وذلك بتعميم المدارس الجماعاتية و أن تشرف الوزارة على البنايات و الترميمات بشكل مباشر ، لأنه لا يعقل أن تكون المدارس في هذه المناطق من دون ماء و لا كهرباء ودون مراحيض ، مما يضطر معه التلميذات و التلاميذ لقضاء حاجاتهم البيولوجية في الشعاب و الهواء الطلق صيفا و شتاء ؟؟ – التقليص من الاكتظاظ في الأسلاك التعليمية الثلاثة ببناء مؤسسات تعليمية جديدة . لان الاكتظاظ يحول دون تحقيق جودة التعليم . – القضاء على الأقسام المفككة التي لا تزال في الكثير من المناطق حيث يعاني التلاميذ من برودة الشتاء و حرارة الصيف . هذا المفكك الذي لم يعد صالحا حتى للحيوانات ….
– تعيين أطر تربوية صادقة و مخلصة ونزيهة لتسيير الشأن التعليمي ، و إعفاء كل الذين تحملوا المسؤولية لمدة 20 سنة دون أن يقدموا أي جديد للمنظومة التربوية سوى نهب المال العام و الفساد ، و إذا ثبت إعادة هؤلاء المفسدين إلى المسؤولية فتلك الطامة الكبرى و على التعليم السلام .. – الرفع من منحة تسير إلى 1000 درهم على الأقل للأسر الفقيرة … – توفير النقل المدرسي لكل أبناء الفقراء في العالم القروي لمتابعة دراستهم ..
– تجديد المناهج التربوية بما يتماشى و التطورات العلمية و المستجدات التكنولوجية … – توحيد الكتاب المدرسي في جميع المستويات التعليمية و استبعاد المنطق التجاري … – تعميم المكتبات المدرسية بجميع المؤسسات التعليمية … – التعبئة الوطنية للأسر المغربية للمساهمة في التربية الأخلاقية للأبناء للحفاظ على القيم الراقية . – الحق من الاستفادة من تعليم جيد و ملائم لمتطلبات الحياة لكل أبناء المغاربة . – استقبال التلاميذ المفصولين من التعليم العام في مؤسسات التكوين المهني من دون قيد أو شرط ، حتى نتفادى إنتاج الأجيال الضائعة و العاطلين و مشاغبي الملاعب الرياضية و المنحرفين . – اعادة النظر في الهيكلة العامة لوزارة التربية الوطنية و الاكاديميات الجهوية و المديريات الاقليمية بحيث ان الهيكلة الحالية تلتهم الملايير من دون ان يقدم هؤلاء أي جديد لجودة المدرسة المغربية .
– إعادة النظر في ميزانيات الأكاديميات و معرفة فصولها الخاصة بالتعويضات المالية لمديري الأكاديميات و المديرين الإقليميين و رؤساء الأقسام و المصالح ، و ميزانية الإطعام و التنقل و السفر داخل المملكة و خارجها وميزانية البنزين و هذا مدخل من المداخل الأساسية لإصلاح المنظومة التربوية .
و كل عام و التعليم المغربي في حاجة للمشاورات والإصلاح ؟؟؟؟؟
اسماعيل فيلالي