مكتبة الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين لجهة الشرق في مهب الريح..!!
إسماعيل فيلالي
أحيانا كثيرة تعجز اللغة عن البوح بما تخفيه الصدور ، ولا يجد الإنسان الكلمات التي يستطيع أن يعبّر بها عما يخالجه من حزن ، وعما يشتعل في صدره من مشاعر الأسى و الأسف على المنكر الذي يراه في عمله أو في حياته العامة … لكن مع ذلك يكابر العقل حتى يخرج ما في الصدر من مكبوت حتى لا ينفجر من جراء المنكرات .. و واحدة من الأشياء الكثيرة التي آلمتني و أوجعتني في عملي بالأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين لجهة الشرق ، هو إقدام مدير الأكاديمية على إخلاء المكتبة التي كانت مفخرة لنا و لكل الذين يحبون الكلمة و القراءة و الثقافة ، المكتبة التي كانت تضم المجلدات و الكتب النفيسة و المجلات والكتب المدرسية المهمة أصبحت في خبر كان ، نعم ليست هي مكتبة الإسكندرية التي تم إحراقها لما كانت تحتويه من تراث ثقافي ضخم و ليست هي مكتبة المثنى ببغداد التي سرقت كتبها و ليست كالمكتبات التي أحرقها الغزاة في البلاد الإسلامية التي استعمروها لأنهم كانوا يعلمون أن المكتبات هي التي تخلق الوعي و تنير القلوب و تحفز الضمائر على الجهاد والعيش الكريم ، و لكنها كانت مكتبة مفيدة جدا للكثير من الأساتذة و الطلبة و الموظفين و المفتشين التربويين الذين كانوا يشتغلون بها و يجدون فيها كل المراجع التي يعملون بها في إعداد الامتحانات و توجيه الأساتذة و كانت مقر اجتماعهم في الكثير من الأوقات … كانت ملاذا للكثير من الباحثين في الجامعة حيث كانوا يجدون بها الكثير من المصادر و المراجع التي استفادوا منها في بحوثهم الجامعية ، كانت مرجعا للكثير من الأساتذة الذين استفادوا من الكتب المدرسية القديمة التي تضم نصوصا ممتازة ، كانت ملاذ المئات من المنخرطين الذين كانوا يأخذون الكتب بالمجان للقراءة و الاستفادة منها و إعادتها إلى أماكنها بعد أسبوع أو أسبوعين ، لقد كانت فعلا مكتبة بما في الكلمة من معنى .. فإذا بالمدير يأمر بجمع كتبها في أكياس البلاستيك ، و يحوّل مكانها إلى قاعة للاجتماعات ، بعد إدخالها في خانة الإصلاح بسندات الطلب .؟؟؟ ولحد الآن لا نعلم الوجهة التي ذهبت إليها تلك المكتبة بكل زادها من مجلدات و كتب و مجلات ، لكننا نعرف أن القاعة التي حلّت محلها مغلقة لا نستفيد منها إطلاقا … لا أبالغ إذا قلت أن الأكاديمية بلا مكتبة أصبحت جسدا بدون روح ، لقد كانت المكتبة النور المضيء للكثير من المحبين للكتب و القراءة ، فهي لم تكن من الكماليات في الأكاديمية بل هي من لوازم التربية و التكوين … ولا يحق لنا أن نتحدث عن جودة التعليم أو إصلاحه دون الحديث عن تكريس دور المكتبات المدرسية و الثقافية في لعب أدوارها الثقافية و تحبيب القراءة للتلاميذ و الطلبة و استكمال التكوين للأساتذة و تجديد معارفهم المدرسية و الثقافية .
فالقراءة و الكتب حاجة بشرية لا غنى للعقل عنها مثل احتياج الإنسان للهواء ، و مثل احتياج الأرض للماء .. وهي ضرورة إنسانية لا غني للأمم عنها، والأمة التي لا تقرأ لا حياة فيها ولا مستقبل لها. و كل الأمم التي تقدمت كان ذلك بفعل القراءة و العلم ، و يكفينا شهادة ا ن أول آية نزلت من آيات القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم هي ” اقرأ باسم ربك الذي خلق ” و لم تكن مجرد كلمة قيلت للنبي عليه السلام فقط ، بل كانت منهج حياة أمة أصبحت من أعظم الأمم في الكون، و رسالة أبدية تحث على العلم و التعلم باستمرار …. إن قراءة الكتب هي النور الذي يهدي إلى التقدم و الحضارة ، ولا تتقدم الشعوب ، ولا يظهر رجال يقودون الأمم ، إلّا بعدما أن تتصدَّر القراءة أولوياتهم الحياتية ….
و في الختام ، لا أجد ما أقوله في هذه النازلة التي تركت فينا حزنا عميقا ، سوى أن نطلب من الذي تجرأ على إخلاء المكتبة ، أن تكون له الشجاعة و الضمير الحي ليعيد المكتبة إلى مكانها حتى تستمر القراءة و الثقافة في أكاديمية جهة الشرق و تعود إلى إشعاعها الذي استفاد منه الكثير من المحبين للكلمة الطيبة ، فخير لنا أن تزخر الأكاديمية بالكتب التي تغدي الروح و الفكر ، و تكون خلية للقراء و الباحثين ، من أن تتحول إلى ورش مفتوح للأسمنت يجرف معه معالم الإحساس بالتربية و الثقافة و الأخلاق .. !!