من أخلاق الملوك
محمد شحلال
جاء في إحدى روايات التاريخ الإسلامي، انه كان لمعاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي،مزرعة مجاورة لمزرعة خصمه عبد الله بن الزبير،وكان عمال معاوية يستبيحونها حتى غضب،فأرسل كتابا إلى الخليفة يهدده مفتتحا رسالته بقوله :
من عبد الله بن الزبير،إلى معاوية بن هند، آكلة الأكباد…
ولما صار كتاب الوعيد بين يدي معاوية،طلب ابنه يزيد،ثم أطلعه على فحوى الكتاب ليدلي برأيه.
ما إن أنهى يزيد قراءة الرسالة ،حتى طلب من والده أن يعد جيشا عرمرما ليلقن عبد الله بن الزبير درسا يكون عبرة له ولغيره.
رد معاوية : بل خير من ذلك زكاة وأقرب رحما.
وهكذا كتب الخليفة الى عبد الله بن الزبير :
من معاوية بن أبي سفيان، إلى عبد الله بن الزبير ،ابن أسماء ذات النطاقين ،أما بعد :
فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك،ولو كانت مزرعتي من دمشق إلى المدينة،لدفعتها إليك،فإذا وصلك كتابي هذا،فخذ مزرعتي إلى مزرعتك،وعمالي إلى عمالك،فإن جنة الله عرضها السماوات والأرض.
تضيف الرواية أن عبد الله لما قرأ الرسالة،بكى حتى ابتلت لحيته،ثم سافر إلى دمشق وقبل رأس معاوية قائلا :
لا أعدمك الله حلمك.
تذكرت هذه القصة التي يتحفظ البعض بشأن صحتها وإن كانوا لا ينكرون دهاء معاوية وحلمه،تذكرتها وأنا أسمع خطاب العرش وردود أفعال الجيران.
لقد تجند حكام الجزائر وكل أبواقهم، ليمسوا بسمعة بلدنا وملكنا بأساليب السفلة والرعاع،إلى درجة التشفي في مرض عاهل البلاد ،والانتشاء بحلول كل الشرور بالأسرة المالكة .
تبين أن جلالة الملك قد انتهج أسلوب رجال الدولة العظام،حيث لم يحد عن لباقة معاوية حين تجنب الرد بالمثل على ابن الزبير الذي نعته بابن هند آكلة الأكباد،وأبى إلا أن يظل محافظا على مقام أسماء بنت أبي بكر،إذ خاطبه بابن ،،ذات النطاقين،، عرفانا بدورها أيام اختباءالرسول ص ووالدها بالغار.
تفطن عبد الله بن الزبير لهول تسرعه،فتصرف تصرف أهل الحلم حين اعترف على طريقته للخليفة معاوية ،وأقر بسعة حلمه ليظل الرجلان أهلين لمكانتهما في التاريخ الإسلامي،أما حكام الجزائر ونخبهم التي روضوها على نفث السموم،فقد اختاروا أساليب الصعاليك والأنذال حين اعتبروا حلم الملك وأخلاقه العالية ،مجرد تودد ينم عن الضعف ووهن الدولة !
لقد تعود الملوك الذين خلد التاريخ ذكرهم ،أن يؤثثوا قصورهم بذوي الحكمة وبعد النظر من المفكرين والأدباء، ليتعلموا فنون التدبير،بينما اختار جيراننا خطة،،غوبلز،،وزير البروباكاندا،،على عهد هتلر، ليصنعوا شعبا يجيد السباب وأساليب القدح،دون أن يتفطن هذا النظام المتهالك الى أن ،،عروض،،الملك الهادىء،،ماضية في تشديد الخناق على بلد يستعد لجمع العرب وهو يتفنن في إذاية جار يدعي محبة شعبه !؟
إن تجاهل عاهل البلاد الرد بالأسلوب الذي ينتظره حكام الجزائر،يجعل هذا النظام مكشوفا أكثر من أي وقت مضى،بل ربما ساغ القول بأن الوقت قد حان ليفعل،،أموتن،، فعلته.*
*أموتن : كلمة نستعملها ببلدتنا إشارة لحدوث عواقب وخيمة لمن لا يقبل اليد الممدود.