آن للوزير وهبي أن يمد رجليه!
اسماعيل الحلوتي
منذ أن نشرت مجلة “جون أفريك” الناطقة بالفرنسية والذائعة الصيت خلال مطلع شهر غشت 2022 خبرا حول إمكانية إجراء تعديل وزاري في أجل أقصاه نهاية الشهر، والذي جاء يحمل اسمه مرفوقا باسم زميله القيادي بذات الحزب الذي يجمعهما وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، وعبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” ووزير العدل يمر بظروف عصيبة أفقدته طعم الحياة والقدرة على التركيز في أداء مهامه على الوجه المطلوب. وصار كل انتباهه مشدودا إلى نهاية الشهر أكثر من أي شيء آخر، وعاجزا عن استساغة أن يطاله أمر الإعفاء من منصبه، وهو الذي ناور بكل الوسائل وفي جميع الجهات من أجل الاستيلاء على الأمانة العامة للحزب والظفر بمنصب حكومي، ظل يحلم به منذ أمد بعيد…
وهو الخبر الذي فضلا عن عما حظي به من متابعة إعلامية، أسال الكثير من المداد وأثار جدلا واسعا، لاسيما أن مصدره مجلة أجنبية من باريس شكلت منذ عقود خلال فترة الستينات والسبعينات، أحد أهم المصادر الموثوق بأخبارها وذات المصداقية فيما يجري من أحداث سياسية داخل القارة الإفريقية.
وبصرف النظر عما إذا كان الهدف من وراء ترويج مثل هذا الخبر، هو امتصاص غضب الشارع وتخفيف الضغط عن حكومة عزيز أخنوش بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وما ترتب عنها من زيادات صاروخية في أسعار باقي المواد الأساسية واسعة الاستهلاك، فإن وزير العدل وفي أول تعليق له على إمكانية الاستغناء عنه في ظل التعديل الحكومي المرتقب، نفى أن يكون له علم بما يتداوله الناس من أخبار حول هذا الموضوع، مؤكدا على أنه “لكل كتاب أجل” وألا أحد يمكن الخلود في منصبه مهما طال الزمان.
وفي تصريح آخر لجريدة الصباح في عددها الصادر يوم الأربعاء 17 غشت 2022، شدد على أن الوزير المعين في أي حكومة من حكومات بلدان العالم، هو في آخر المطاف مرشح لأن يغادر منصبه، سواء بعد مرور شهور أو سنة أو خمس سنوات على تعيينه، كما أنه أمر وارد في كل لحظة وحين، نافيا أن يكون توصل لا من قبل رئيس الحكومة ولا من أي جهة أخرى رسمية، بما يفيد أن التعديل الوزاري المزعوم من الممكن أن يشمله إذا ما حدث بالفعل…
بيد أنه سرعان ما عادت إليه الروح وتحرر من قيود الترقب، بعد مرور شهر غشت بسلام وعقب ما أدلى به الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، من تصريحات في رد غير مباشر على ما نشرته مجلة “جون أفريك” حول قرب إجراء تعديل وزاري، حيث قال في المؤتمر الصحفي المنعقد يوم الخميس فاتح شتنبر 2022 إثر نهاية اجتماع المجلس الحكومي: “إن التعديل الحكومي يرتبط بشق سياسي يخص الأغلبية وزعماءها، وآخر دستوري مرتبط بالإجراءات ومساطر تفعيله” وزاد بأن شدد على أن الأغلبية الحكومية “منسجمة وتشتغل بنفس جماعي مشترك” وأن الدليل على ذلك “هو أنها تمكنت في هذا اليوم الخميس وفي ظرف وجيز من إخراج عدة مراسيم لتنزيل مشروع الحماية الاجتماعية، في سياق تفعيل مخرجات الحوار الاجتماعي الموقع مع المركزيات النقابية”
وبالنظر إلى ما بدا على وزير العدل من “حيوية”، يحضرنا ذلك المثل الشهير الذي يقول: “آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه” الذي يحكي قصة العالم الجليل أبو حنيفة، الذي كان يجلس في حلقة علم مع تلامذته بالمسجد وهو يمد رجليه بسبب آلام مزمنة في ركبته. وبينما هم كذلك دخل عليهم رجل أنيق المظهر وعليه أمارات الوقار والحشمة، فجلس بين الطلاب، مما اضطر معه أبو حنيفة إلى طي رجليه احتراما للضيف، الذي سأله بأدب جم عن “متى يفطر الصائم؟”، ورد عليه أبو حنيفة بالقول: “يفطر إذا غربت الشمس” فكانت المفاجأة عندما عاد ذات الرجل ليسأل ثانية: “وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة، فمتى يفطر الصائم” وهنا قال أبو حنيفة قولته المشهورة التي أصبحت مثالا للموعظة وكتبت في طيات مجلدات السير بماء الذهب “آن لأبي حذيفة أن يمد رجليه”
وبإعطاء الوزير وهبي خبر مجلة “جون أفريك” حول التعديل الوزاري أكثر مما يستحق، جعله يعيش حالة من القلق المستمر إلى أن اكتشف فجأة أن ليس هناك إعفاء من المنصب ولا هم يحزنون، فعاد إلى تشنجاته ومرافعاته المعهودة، حيث هاجم خلال الجلسة الافتتاحية الرسمية للمؤتمر الجهوي للحزب بجهة الرباط-سلا-القنيطرة يوم الأحد 18 شتنبر 2022 من اعتبرهم مروجي الشائعات قائلا بأن حزبه “لن ينسحب من الحكومة أو يتخلى عن المسؤولية”، سعيا منه إلى محاولة تفنيد ما سبق تداوله إعلاميا والتأكيد على أنها ليست عدا “أقلاما متسخة تمول بأموال متسخة حاولت كتابة ترهات لا معنى لها ونشرها” بينما “العارفون يشتغلون بصمت وجدية على تحديات كبرى ويردون بالأفعال لا بالأقوال”…
ونحن هنا لا نريده إلا أن يستوعب معنى أن ترشحه إحدى المجلات الإعلامية الشهيرة لمغادرة الحكومة وأن يتفاعل المغاربة إيجابا مع الخبر حتى وإن كان مجرد إشاعة، وأن يحرص على أن يكون في مستوى المسؤولية المنوطة به ويعمل على ترجمة أقواله وشعارات حزبه إلى أفعال وحقائق ملموسة، من حيث الترافع على قضايا وهموم المواطنين وحماية حقوق الإنسان والإسهام بفعالية في تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية، وغيرها كثير…