من زاوية أخرى.. شركة المواطنة المتهافتة
عبد الصمد ادنيدن
في كل مناسبة أو بدونها، تجد الحكومة تتبجح بسعيها لحماية القدرة الشرائية للمغاربة، من خلال دعم الدقيق حتى لا يرتفع ثمن الخبز عن درهم و20 سنتيما (الذي أكد بالمناسبة مسؤولون حكوميون وأرباب المخابز في مناسبات متفرقة أنه لا يصلح حتى لعلف البهائم)، مفتخرة (الحكومة) أيضا بدعم قطاع النقل الذي تكشف الزيادات المتتالية لأسعاره عن فشلها الذريع، إذ أن هذا الدعم لم تستفد منه إلا قلة من مستحقيه كما أنه لم يحقق مبتغاه من خلال الارتفاعات المتوالية لأسعار السلع المبررة دائما بغلاء وسائل النقل، فضلا عن تطبيلها (الحكومة) بالرفع من الحد الأدنى للأجور والذي يبقى هزيلا جدا مقارنة مع الارتفاع الصاروخي في تكاليف العيش. هذا غيض من فيض خطاب الحكومة المتهافت وإليكم المزيد.
آخر إعادة تدوير لهذا الكلام، كان الخميس الماضي، حيث اعتبر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن “الحكومة قامت بمجهود كبير لمواجهة ارتفاع الأسعار”، إلا أن الواقع الملموس يفند ادعاءات الحكومة ويؤكد فشلها وخدمتها لمصالح بعض الشركات الرأسمالية الكبرى النافدة على حساب المواطن البسيط، ويبدو ذلك جليا من خلال تغريد الحكومة الذي كان خارج السرب، حيث أنها بدل الضرب بيد من حديد على الشركات التي تغتني على حساب المواطن المغربي، وتستثمر أمواله في دول أفريقيا جنوب الصحراء، تؤمن لها الغطاء اللازم وتحميها من كل منافسة يمكن أن تكون في صالح المواطن البسيط.
ولكي نؤكد كلامنا هذا نقدم مثالا صارخا، يتجلى في قطاع زيوت المائدة. حيث أنه كما نعلم في ظل أزمة كورونا وما أعقبها من أزمات سوسيواقتصادية خانقة، عرفت أسعار الزيوت ارتفاعات حارقة وصلت حتى الضعف، وتجاوزته أحيانا، ما أضر بالحياة المعيشية للمواطنين، خاصة أن هذه المادة أساسية في قفة الأسر، كما أنها تدخل في تركيبة العديد من المنتجات الغذائية بشكل شبه يومي؛ وكما عهدنا دائما، فإن التبرير الذي تقدمه هذه الشركات هو الأزمة العالمية وارتفاع أسعار المواد الأولية، في الوقت الذي حققت فيه أرباحا خيالية فاقت تلك التي كانت تحققها قبل “الأزمة”. فإذا سلمنا بكون ارتفاع أسعار المواد الأولوية في الأسواق العالمية قد أثر سلبا على كلفة إنتاج معظم الشركات الدولية وقلص أرباحها، فإن هذه القاعدة لا تشمل بعض الشركات الكبرى النشيطة في المغرب، والتي بدل أن تتأثر نتائجها المالية في مواجهة السياق الجيواستراتيجي المقلق والظرفية الاقتصادية الصعبة، نراها تضاعف الأرباح وترفع حجم المبيعات، بل وتجدها فرصة مواتية للتوسع نحو الخارج.
ذلك ما ينطبق مثلا على شركة لوسيور كريسطال عملاق الزيوت في المغرب، والتي كشفت النتائج المالية التي عرضتها نهاية مارس، عن دينامية جيدة خلال السنة المالية 2021 لم تتأثر البتة بتقلبات سوق المواد الخام العالمية وانعكاسها على القدرة الشرائية للمستهلكين المغاربة، حيث زاد حجم الأعمال بنسبة +8.5٪ وتحسن الدخل التشغيلي بنسبة +1٪، كما أن حصة المجموعة بلغت 139.7 مليون درهم، وهي أرقام تسائل الشركة في ظل الظرفية الصعبة التي يمر منها سوق زيت المائدة وطنيا ودوليا، بسبب ارتفاع المواد الخام الأولوية؛ فإن مجموعة لوسيور كريسطال لا تبدو متأثرة بهذا الوضع مادام المستهلك المغربي هو من يؤدي عنها في النهاية فاتورة ارتفاع كلفة الإنتاج، مما يترك للمجموعة هوامش ربح كافية للحفاظ على هيمنتها على السوق الداخلي من جهة، ومواصلة خططها التوسعية التي لم تتأثر أبدا بتقلبات السوق، ويتضح ذلك جليا من خلال مواصلة المجموعة عمليات الاستحواذ الجديدة في إفريقيا، ومن ناحية أخرى، الانتهاء من استثمار وحدة الصابون داخل الشركة السنغالية الجديدة التابعة لها.
لكن المثير للتساؤل، هو أن لوسيور كريسطال ظلت تحقق أرباحا خيالية منذ سبعينيات القرن الماضي، على حساب دخل المغاربة الذين لا حيلة لهم، مادامت هذه الأخيرة (لسيور كريسطال) قد قضت على الشركات المنافسة، بطرق أقل ما يقال عنها أنها قذرة، لتستفرد بالسوق وبالتالي المواطن تفعل به ماتشاء، خصوصا في ظل هذه الظرفية الحرجة جدا، هنا نطرح سؤالا بريئا: ألا يستحق الوطن والمواطن رد الجميل على مساهمته في بناء ثروة المجموعة منذ أواخر القرن الماضي؟ هل مساهمة الشركة في صندوق تدبير جائحة كورونا بمبلغ 30 مليون درهم، تعبير صادق عن “مواطنتها” أم هو مجرد شعار زائف، وفق منطق ما قدمناه بيدنا اليمنى وروجنا له إعلاميا، نسترده اليوم أضعافا في عز الأزمة الخانقة بيدنا اليسرى؟ هناك أمر آخر قد يكون احتمالا صحيحا أن الشركة تحاول استرداد ما أدته في المراجعة الضريبية التي شملت الضريبة على الأرباح والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة للفترة الممتدة ما بين 2014 و2017، والتي وصلت فيه في نهاية المطاف إلى اتفاق تسوية مع المديرية العامة للضرائب من أجل سداد ما مجموعه 95 مليون درهم، حيث كانت واحدة من بين شركات أخرى مدرجة في بورصة الدار البيضاء شملتها المراجعة الضريبة سنة 2019، هذه مجرد تخمينات نحاول من خلالها أن نفهم سلوك هذه الشركة “المواطنة”.
هنا نعود إلى تصريح الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الخميس الماضي، الذي تساءل عن كيفية تدبير الأموال، لنوجه سيادته ومن خلاله الحكومة، إلى مصدر مهم لتخفيف تأثير الأزمة، من خلال الالتفات إلى مثل هذه الشركات الكبرى التي تستنزف جيوب المغاربة على مدى عقود، وبدل أن تدعمهم وتقف إلى جانبهم في عز الأزمة، نجدها تذهب بأموالهم لتستثمرها في بلدان أخرى وتوفر فرص الشغل هناك في الوقت الذي يعاني الشباب هنا من البطالة، فهل يعقل سيدي الوزير أن يتم استثمار أموال المغاربة خارج وطنهم، وتكتفي باتهام الباحثين عن فرصة الشغل بطلانا بالعمالة لجهات معادية ونستفزهم بكلام ينم عن ضعف التكوين السياسي؛ ألم يحن الوقت سيدي الوزير للقيام بمراجعات ضريبية حقيقية تشمل كافة الشركات الكبرى التي تتهرب من الضريبية منذ أمد بعيد؟ وهنا تتضح أهمية فتح المجال أمام المنافسة الحقيقية لشركات إنتاج وطنية ودولية، حتى تكون لدى المواطن حرية اختيار المنتجات التي تناسب قدراته الشرائية، عوض تركه لشركات تدعي أنها “مواطنة”، رغم أن ممارستها كلها لا تمت للمواطنة الحقيقة بصلة، وينطبق عليها ما قاله المغاربة القدامى في حكمة بلغية “خبز الدار ياكلوا البراني”.
ضمن عدد الإثنين 21 نونبر 2022 من جريدة بيان اليوم