واقعة زياش … نموذج لجوهر الإنسان المغربي الذي لا يمكن لأي كان ان يجرده من حبه لوطنه ، ولا من وطنيته
ياسين مسكين
تصوروا معايا هذه الفرحة الطفولية التي تظهر في الصورة، ماشي كانت محرومة من مكانها ومن واجبها الذي اختارت القيام به بحب وإرادة قوية، لا المؤلم وما لا أستطيع شخصيا نسيانه، هو أن هذا الشاب، كان متهما في وطنيته، إيه نعم، هكذا كما يفعلون مع أبناء المغرب الذين يرفضون الخضوع لإرادة كسر العزيمة والإخضاع، فيستهدفون في أعز ما يملكون، وهو وطنيتهم…
لا يمكننا أن ننسى أن رئيس جامعة الكرة شخصيا خرج بطريقة التحياح والتغوفيل والاستقواء بمنصات التضليل، ليهاجم زياش قبل كأس إفريقيا ويشهر ورقة الوطنية ضد موقفه الذي كان كل من يملك ذرة “نية” يفهم أنه يرتبط بمسألة الكرامة.
شخصيا لا تهمني الكرة ولا تستهويني كلعبة وأعتبرها “صناعة” تستهلك وقت ومشاعر وطاقة الإنسان المعاصر في غير محلها، لكن حين يتعلق الأمر بالفريق الوطني أهتم كثيرا ليس لأن الكرة تصبح مهمة، لا، بل لأن الأمر يتعلق بأشياء رمزية بالغة الأهمية في تمثل المواطن المغربي لنفسه ولعلاقته بالاخرين، سواء منهم الأجانب أو الماسكين بزمام الأمور داخليا.
هناك معركة شاملة تدور رحاها وتطحن دون رحمة ولا شفقة، محورها كرامة المغاربة وشعورهم تجاه بلادهم وتمثلهم لأنفسهم، هناك من يريد لهم أن يحتقروا ذواتهم، أن يستصغروها، أن يؤمنوا حد اليقين بأنهم ينتمون إلى فصيلة الفاشلين الحقراء الفاسدين العاجزين…
هذه المعركة تدور وتنتشر في جميع الافاق وتتغذى من جميع الحقول والمناسبات. الكرة هذه الأيام تقوم باللازم، وتكشف معدن المغربي، الإنسان المغربي، ولد الشعب، ولد العمق، ابن القهر والجد والكد والصبر.
يسيطرون ويستحوذون على جميع المستويات، في السياسة والاقتصاد والإعلام، يضربون فيخربون جسور الترقي والنهوض، من المدرسة إلى الجامعة مرورا بفضاءات التنشئة والتأطير، وحدها الكرة تستعصي حتى الآن على رغبة الاستحواذ والاستئثار.
لا يجدون سبيلا لإنتاج تلك السيقان والقلوب والارواح التي تحقق المراد في النهاية رغم أنهم حاولوا بكل السبل الممكنة إخضاعها لمنطق الترويض والإملاء والتحكم في المصائر.
واقعة زياش استبدت بي شخصيا وقتها، رأيت فيه جوهر الإنسان المغربي، الذي وإن جارت عليه بلاده تبقى عزيزة. ذلك المغربي الذي يرفض أن تفرض عليه رخصة أو صك غفران كي يمارس حبه لبلاده. ذكرني ما وقع لزياش وإخوته بأبناء المغاربة الذين عوقبوا وقمعوا وسجنوا لأنهم أحبوا المغرب وخرجوا للتظاهر حاملين الشموع وموزعين الورود على اخوتهم المغاربة المنتمين إلى قوات الأمن.
شخصيا اشك، ولدي ألف سبب للشك، في ظروف وتوقيت تعيين وليد الركراكي والمناداة على زياش وحمد الله ومزراوي. ما عشناه ونعيشه يحملني على التوجس من وجود إرادة ما حاولت إحراق ما تبقى من أوراق “شعبية” في لحظة مونديالية حارقة: مقولة المدرب الوطني ومعه مشروعية أبناء المغاربة الفقراء الذين هاجروا وتطوروا ونجحوا ورفضوا أن يخضعوا للابتزاز مقابل ممارسة حبهم لوطنهم.
لدي شك بأن الهدف الأصلي كان دفع هؤلاء جميعا للاحتراق فوق لهيب المونديال كي يعود منتخب المغاربة وحامل علم المغاربة ونشيد المغاربة إلى بيت الطاعة.
الكلمة المفتاح اجدها على لسان “المجذوب” وليد الركراكي: النية.
هي نية المغاربة التي تنتصر دائما.