المنظومة التعليمية..كبح الإبداع وتقديس الشواهد الورقية!!
الكاتب: منير الحردول
خلل آخر يتم التغاضي عنه، من طرف أغلب المنظرين للشأن التربوي، وهو الالزامية و مقولة التفوق المرتبط بالشواهد المدرسية و الجامعية التي صبغت بالرسمية لحد التقديس وهالة اللامعقول!
إذ، كيف يعقل أن نحكم على مسار طويل من الحياة بورقة اسمها الشهادات المعترف بها! وماذا نقول عن الفلاسفة والنبغاء والرؤساء والعلماء ورجال المال والأعمال، الذين أبدعوا، ووصلوا بدون شهادات ورقية، شهادات للأسف تمت صباغتها بطابع الالزامية والإجبارية لولوج المناصب، ولا شيء غير ذلك.
فهل الإبداع والقدرة على حل المشاكل، والخروج بأفكار جديدة مبتكرة وقادرة على خرق الصعاب، من خلال الاستنباط والاستقراء، و إيجاد الحلول، يرتبط بالشهادات الورقية التي أصبحت تجتر المعارف الجاهزة تقريبا وفقط، بل وتتمادى في تقدس المصادر والمراجع، وأصحابها، لدرجة محاصرة هامش إبداعات الباحثين، بعيدا عن بلورة أفكار جديدة بعيدة عن رتابة قال فلان وقال فلان بن فلان!
كلا ثم كلا!
فالأحداث التاريخية لا جدال فيها وتؤرخ لذلك، إذ ان نبغاء الإبداع قد يتخطون الحواجز، بيد أنه في المقابل تقف للأسف الشديد أمامهم حواجز من الإسمنت المسلح، فيما أصبح مقدسا في نظامنا التعليمي الجامد، والمتمثل في طبيعة و نوعية الشهادات التي أصبحت الهدف عوض الوسيلة، كطريق طويل أو مختصر للوصول إلى المناصب، والحصول على التعويضات، وسهولة تسلق الكراسي في أحزاب السياسات ومواقع الإدارات!
فالمنظومة التعليمية الوطنية في مجملها تعتمد على العلامات، أي النقط المحصل عليها من خلال امتحانات مرعبة أكثر منها تقويمية. لكن ماذا بعد ذلك! هناك شبه تطبيع والمزيد من الإبداع في الغش في كل شيء، لدرجة أصبح الغش يؤثر حتى على تطور الحياة المجتمعية ككل، فهاهو التفاوت وعدم الشمولية في المواضيع، واختلاف طرق الحراسة، والزجر بين الجهات والأقاليم والمدن والبوادي وهكذا دواليك، لينتقل الغش لمستويات تدبيرية أخرى والواقع ينطق قبل الجميع!
أذ لا يعقل بتاتا، أن يتم إقصاء تلميذ أو طالب بمجرد عدم قدرته على استيعاب مادة أو لغة أو قدرة أو مهارة ما!
فالإقصاء يعني الطرد من حدود وهمية اخترعها بشر، ينتمون الى مجتمع سريع التطور والتغير..
ولعل خلق منظومة تعليمية موازية تعتمد على الحرية في الاختيار، واعطاء هذا الاختيار الحرية في الإبداع في مواضيع ما أو أبحاث ما، ومناقشتها علميا أمام لجان علمية مشتركة مشهود بكفاءتها العلمية والحيادية، كفيل بصقل المواهب، وظهور أفكار جديدة قد تضع حدا للأزمات الاجتماعية المركبة، كالصحة، والبطالة، والشغل، والضرائب. فإبداع الحلول الآنية الهيكلية والبنيوية، للمعضلات التي عجزت الشهادات الورقية عن وضع حد لألمها المتعدد الأبعاد والاتجاهات، التربوية، الإجتماعة، الاقتصادية، البيئية، وحتى اللغوية، أمسى واضحا وضوح أشعة الشمس في فصل شديد الحرارة!
ولعل القطع مع ما يسمى كم من حاجة قضيناها بتركها، أضحت ضرورة ملحة في عالم سريع التحول، عالم لا يؤمن بالتقليد، واسقاط النماذج التنموية على بلدان تختلف عنا في كل شيء، ولا وجود لأوجه التشابه بينها وبيننا تاريخيا، وجغرافيا، وثقافيا، وقيميا، وسياسيا، واقتصاديا، و….
فالتمادي في الاعتماد على عقم بعض الأحزاب والجمعيات النقابية والمهنية، التي لم ولن تنتج إلاثقافة الاحتجاج والتدمر من الأمور التي لا تستقيم مع سيرورة التطور المجتمعي.
فالحياة في نهاية المطاف مليئة بالإبداع، ولا يمكن لوطن يزيد فيه عدد السكان عن 37مليون نسمة أن لا ينجب الا العقم.!
إذن، ها أنا أقترح رغم اني لا أنتمي للمجلس الأعلى للتعليم.
المهم في كل هذا وذاك، فالإقصاء الممنهج والاقتصار على نوعية الشهادات لا يستقيم مع كينونة الإبداعات البشرية.
كمت أن الاقتصار عل الجانب المعرفي النقلي، يعد تعثرا و إقصاء للفكر الإبداعي. لذا أعتقد جازما أن خلق منظومة موازية لها هامش من الحرية سيفيد ويستفيد منها الجميع، منظومة قد تظهر أفكارا جديدة قد تتبلور في إطار نماذج تنموية قادرة، على حل مشاكل البلاد وتحسين وضعية العباد.