حس الانتماء
حس الانتماء
محمود بودور
لا شك ان من يشتغل في قطاع التعليم ليس كمن يعمل في غيره. يعتبر قطاع التربية والتعليم أكبر قطاع في الوظيفة العمومية وأكبر قطاع مشغل في معظم دول العالم. كثير من الشباب الذين كانوا يطمحون للعمل في مناصب عالية وجدوا أنفسهم في قطاع التريية والتعليم. في الدول المتطورة لا يشتغل في التعليم الا المحظوظون من ذوي المواهب والكفاءات العالية وبعد شروط قاسية لا أحب الخوض فيها لان هدفي هنا غير ذلك.
الجمبع يعلم كذلك بمكانة المعلم في رقي المجتمعات والدول لان على يديه تتكون المواهب والكفاءات الصانعة للقرارات. والكل يقر بضرورة إعطائه المكانة المادية والمعنوية اللائقة به/ا م.
ولقد بوأ ديننا الحنيف المعلم المكانة الأسمى ورفع شأنه وجعل من الانبياء معلمين وأثنى على معلمي الناس الخير.
ولقد كان الرعيل الأول من المعلمين الذين تعلمنا على أيديهم جيلا فريدا في الحرص على مهنتهم والإخلاص في واجبهم حتى نالوا حب متعلميهم واحترام الناس وتقدير المجتمع. فكان أغلبيتهم محبا لوظيفته ومهمته.
ولست هنا لأمجد الماضي وأبخس الحاضر. فأكيد أن القديم له ما له وعليه ما عليه مثله مثل حاضرنا.
غير أن ما ابتلينا به في عصرنا هو المادية المتوحشة. فأصبح المجتمع يقدر المال تقديرا جما ولا يقدر الشخص الا بما يملكه وما يبدو عليه من المظاهر الخداعة.
فأصبح المعلم ينظر اليه بقدر ما يكسب لا بقدر ما يعلم أو يعلم. فازدريت مكانته بل وشوهت صورته بإلصاقها بصور نمطية وأمثال قادحة ونكت ساخرة.
غير أن ما يحز في النفس هو مساهمة البعض في تكريس هذه الصورة لرجل التعليم. فلا غرابة أن نجد اليوم بيننا من يخجل من انتمائه لأسرة التربية والتعليم أو لا بكترث لانتمائه لمؤسسته أو مدرسته.
وهنا أقف لحظة.
إن الاشتغال بمؤسسة قديمة لها من امتياز الانتماء ما لا يوجد في غيرها من المؤسسات الحديثة. فكل زاوية أو ركن أو شجرة أو وثيقة أو ملف تلميذ تحمل من الذكريات ما تحمل. وتحس أنك أصبحت حلقة جديدة في سلسلة الذكريات التي لا نعلم متى ستنقطع ولا ندري متى سيذكر إسمك أيضا فيمن اشتغل في تلك المؤسسة.
إن منة حب الانتماء لمؤسسة تربوية عريقة لا يعلم قدرها الا من حضر لحفل أطرها القديمة ورأى من البشاشة على وجوه قدمت الكثير وتربى على أيديها خلق كثير.
ولقد كان لي شرف الحضور لحفل صلة الرحم الذي يقوم به أطر ثانوية عبد المومن التأهيلية بوجدة وأنا على رأس هذه المعلمة التاريخية الفريدة. ورأيت بأم عيني البشاشة والسرور لأساتذة وأستاذات وإداريين أفنوا شبابهم لتعليم أجيال كثيرة تخرجت من هذه المؤسسة. وأحسست أنهم يتميزون بخصلة يفتقدها الكثير ممن يشتغل في هذا الحقل اليوم. ألا وهي حب الانتماء.
كان من بينهم أقدم أستاذ درس بالثانوية سنة 1963 أطال الله في عمره وبارك فيه . وقد قام إلى المنصة متكءا على أحدهم وألقى كلمة حركت قلوب الحاضرين والحاضرات. وتكلم آخر بنبرة الأخ مع إخوانه وقال بالحرف: لقد اشتغلت بهذه المؤسسة سنة واحدة لكنني أحس أنني اشتغلت بها أربعين سنة.
إنه حب الانتماء يا سادة.