دور المؤسسات الأمنية في تحقيق الضبط والأمن المدرسيين
بقلم هشام البوجدراوي
يعتبر العنف المدرسي، من بين القضايا الهامة التي بدأت تشغل اهتمام الفاعلين التربويين، وهيآت المجتمع المدني وأجهزة الأمن الوطني. فتنامي الظاهرة بالمؤسسات التعليمية الثانوية، واتخاذها أبعاد تتعدى السياق الطبيعي المدرسي: كالاعتداء اللفظي والجسدي على مكونات المجتمع المدرسي، وتعاطي وترويج المخدرات وتخريب الممتلكات والسرقة والتهديد بالسلاح الأبيض والجرائم الإلكترونية…، جعلت المهتمين بالشأن التربوي يدقون ناقوس الخطر ويلفتون الانتباه للظروف اللاتربوية التي أصبحت تتخبط فيها الفصول الدراسية.
في ذات السياق، بدأت أصوات من داخل وخارج المدارس الثانوية، تطالب المؤسسات الأمنية بلعب أدوار مركزية في تحقيق الأمن والضبط المدرسيين، على اعتبار أن القانون المدرسي والمذكرات الوزارية التي تعالج ظاهرة العنف بالثانويات، لم تعد ناجعة في حصر آثارها، والتقليل من تفاقمها وانتشارها بين الممدرسين. بالإضافة إلى أن كثيرا من المشكلات المدرسية، أضحت تدخل في إطار الجرائم التي تستدعي تدخل القوات الأمنية لمعالجتها.
من هنا تأتي هذه الورقة لتطرح التساؤلات التالية: ما هو تعريف العنف المدرسي؟ ماهي أسبابه ومظاهره؟ ماهي آثاره على التحصيل الدراسي ومردودية المؤسسات التعليمية؟ وماهي المقترحات التي يمكن أن تؤطر تدخل المؤسسة الأمنية بالمدارس الثانوية؟
ما هو تعريف العنف المدرسي؟
يعتبر العنف المدرسي من وجهة نظر الممارسين التربويين، كل سلوك عدواني موجه نحو أحد منتسبي المؤسسات التعليمية، يتسبب في إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي أو المادي، غايته الانتقام أو إثبات الذات أو السيطرة على الأفراد قصد الحصول على مكاسب.
ماهي أسبابه ومظاهره؟
وللعنف المدرسي مظاهر متعددة، تتجلى في سرقة أو تخريب ممتلكات المؤسسات، وفي التعنيف النفسي والبدني للأساتذة والإداريين والتلاميذ: كالسب والشتم والضرب والتهديد والاستهزاء والسخرية. ويتجلى كذلك في التشويش على السير العادي للدرس، أو افتعال مشاكل داخل الفصل أو خارجه، وكذا في استعمال الهاتف النقال داخل الفصل، أو كتابة عبارات تخدش الحياء على جدران الحجرات الدراسية…
وللعنف كذلك أسباب متعددة: منها ما هو اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، ومؤسسي. فالقيم الشخصية والقناعات المنحرفة، التي يكونها التلميذ خلال عيشه بين أفراد أسرته أو بين أفراد المحيط الذي يعيش فيه، و الاحتكاك المستمر بالوضعيات الإجرامية الواقعية، وكذا الافتراضية. أضف إلى ذلك استقالة الأسرة والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني، من تأدية أدوارها في التربية والتنشئة الاجتماعية، ومشاكل الفقر والحرمان ومشكلات الطلاق والأمهات العازبات، وزنا المحارم وآفة تعاطي المخدرات وانتشار الأمية وضعف الوعي الاجتماعي، واهتراء البنية التحتية وظهور مساكن البؤس العشوائية، وضعف القيمة الاعتبارية للأسرة التعليمية وتبخيس أدوارها وضعف مستوى التلاميذ وانتشار الساعات الإضافية…، تعتبر كلها عوامل الاضطراب النفسي والسلوكي التي تظهر في السلوك العدواني الموجه نحو المؤسسات والأشخاص.
ما هو أثر العنف المدرسي على التحصيل الدراسي ومردودية المؤسسة؟
إن المشكلات المدرسية وظواهر العنف المرتبطة بها، تؤثر بشكل كبير على مردودية المؤسسات التعليمية وعلى درجة التحصيل الدراسي. فبدل تركيز الجهد الوظيفي نحو تدبير العمليات التربوية وتنزيل السياسات التعليمية محليا وتمريرها داخل حجرة الدرس، يتجه اهتمام الأطر الإدارية والتربوية نحو حل المشكلات المرتبطة بالعنف بأشكاله المختلفة، وكذا في تدبير النزاعات الصفية وتحقيق الهدوء وتوفير جو مناسب لتمرير فعل التدريس. فكيف يمكن تحقيق الأهداف المدرسية في بيئة تعاني من ضعف الأمن المدرسي، وكثرة تغيبات التلاميذ وتعاطي أغلبهم للمخدرات، وضعف المستوى الدراسي وتفشي ظواهر الغش والسلوكات اللامدنية، وعدم الامتثال للقانون الداخلي والتشويش على سير الدرس وهدر الزمن المدرسي بافتعال مشاكل هامشية: كسرقة المصابيح وتخريب الممتلكات، وعدم احضار الكتب واللوازم المدرسية واستفزاز الأساتذة والإداريين…
كل هذه المشاكل وغيرها تستدعي معالجة ظاهر العنف المدرسي بكل حزم ومسؤولية، وتحميل مرتكبيها المسؤولية القانونية قصد القطع مع كل سلوك غايته التشويش وتعطيل عمليات تمرير المنهاج الدراسي.
ماهي المقترحات التي يمكن أن تؤطر تدخل المؤسسات الأمنية بالمدارس الثانوية؟
تعتبر المؤسسة الأمنية، شريكا أساسيا يساهم بمعية المجتمع المدرسي في توفير جو ملائم يساعد على تحقيق الغايات التعليمية والتربوية للمدارس الثانوية. ومع تفاقم المشكلات المدرسية واتخاذها اتجاهات انحرافية، وخروجها من النطاق العادي المألوف إلى الجريمة، أصبح تدخل المؤسسات الأمنية بالمدارس الثانوية مطلبا أساسيا، قصد التصدي بشكل استباقي للظواهر السلبية والسلوكات المشينة بالوسط المدرسي.
ورغم الأدوار المسؤولة والمتميزة التي تقوم بها خلايا الأمن المدرسي، مشكورة، تبقى حدود تدخلها داخل الفضاء المدرسي لا يرقى إلى تطلعات المشتغلين بالمدارس الثانوية، سيما وأن المؤسسات التعليمية في الوقت الراهن تعاني من نقص واضح من الأطر الإدارية، بالإضافة أن أعداد التلاميذ في ارتفاع ملحوظ وطبيعة المشكلات وحجمها في تطور مستمر. لذلك فالكل يتفق على أن حضور رجال الأمن داخل المدارس، أصبح ضرورة ملحة فرضتها طبيعة المشاكل التي أضحت ذات صبغة إجرامية. ومن بين مجالات تدخل القوات الأمنية بالمدارس الثانوية نقترح التالي:
التواجد المستمر لرجال الأمن كسلطة مرئية داخل وحول المؤسسات التعليمية. على اعتبار الرمزية والمكانة الاعتبارية التي يمثلها رجل الأمن كضامن هيبة الدولة والساهر على تطبيق القانون وحماية الأشخاص والممتلكات؛
المشاركة في أنشطة الحياة المدرسية من خلال تنشيط الندوات وإلقاء عروض حول جرائم الأحداث والراشدين، وكذا القيام بحملات تحسيسية مستمرة على مدار الموسم الدراسي، تتغيا رصد الظواهر الإجرامية بشكل استباقي، والتحسيس بمخاطرها وتحديد العقوبات القانونية المترتبة عن مرتكبها؛
التواصل المستمر مع كل مكونات المجتمع المدرسي والتفاعل مع ملاحظات مرتفقي المؤسسات التعليمية التي تمس أمنهم وسلامتهم؛
القيام بزيارات دورية للأماكن التي تعرف أنشطة مشبوهة داخل وحول المؤسسات التعليمية، قصد الوقاية من السلوكات الإجرامية وزجر المخالفات، والتوعية والتحسيس بالمخاطر المترتبة عن تبني السلوكات الشاذة والخارجة عن إطار القانون؛
المساهمة في تأطير عناصر الأمن المدرسي المنتمية للأندية التربوية، والمكونة من تلاميذ متطوعين يسهرون بمعية الأطر الإدارية على تأمين الفضاء المدرسي، قصد المساعدة في الوقاية من الجنوح والعنف المدرسيين؛
التواصل مع جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ للوقوف على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يعيشها المتعلمات والمتعلمون، ورصد المعطيات التي يمكن أن تساعد على التصدي المسبق لكل النوايا الإجرامية؛
تتبع حالات المتعلمات والمتعلمين الذين تظهر عليهم بوادر السلوك الإجرامي ومصاحبتهم بتنسيق مع خلايا الإنصات بالمؤسسات التعليمية؛
التنسيق مع الأطر الإدارية بالمؤسسات التعليمية، قصد تسطير برنامج خاص لتتبع ومصاحبة التلميذات والتلاميذ ذوو السوابق الإجرامية وخريجو السجون المدمجون في إطار إعادة إدماج السجناء بالمؤسسات التعليمية، لتسهيل عملية إدماجهم في المحيط المدرسي ووقايتهم من العودة إلى تبني السلوك المنحرف.