محمد شحلال
عندما يصل المتجول إلى قمة،،إيش إزرزر،،أو مرتفع الغزلان ببلدتنا،فإن نظره يقع مباشرة على منطقة،،إينان حوا،،غربا،حيث يقيم أهالي دوار،،أولاد عمرو بن علي،،الذين يحتضنهم امتداد جبلي يزدان بمعلمتين طبيعتين،هما نبع،،عبدون،،الزلال،ومغارة،،أزرو نووذاذ،،أو صخر تيس الجبل.
كانت منطقة،،إينان حوا،،تعيش في الماضي عزلة لافتة لانعدام المسالك ووعورة التضاريس،مما جعل المكان حكرا على أبنائه،ومع ذلك،فقد أنجب هذا الفضاء الصافي، رجالا صار العديد منهم من وجهاء القبيلة لما اجتمع في شخصياتهم من حصافة وسداد رأي.
لقد ربطت الوشائج ب،،إينان حوا،،عبر المرحومة أختي التي كانت متزوجة هناك،وهو الأمر الذي أتاح لي سماع بعض الأحداث الغريبة التي كان هذا الفضاء مسرحا لها،والتي أكدتها والدتي الكريمة،حيث عايشت أحد أغرب هذه الأحداث في الثلث الأول من القرن الماضي.
كان من بين ساكنة ،،إينان حوا،،امرأة تدعى،،ثاسعيت،،(نسبة إلى دوار إسعيذن)،وكانت تعيش بمعية وحيدها،،علي،،الذي كان يتهيأ لمغادرة مرحلة الشباب.
انفرد،،علي،،عن سائر الناس بانعزاله،حيث لم يكن يختلط بأترابه،ولا يشرك أحدا في عوالمه الغامضة،إذ ظلت والدته بنك أسراره الوحيد.
لم يمارس ،،علي،،عملا يعرف به بين الناس،لكنه كان يأتي والدته بالطعام بشكل منتظم،وقد سرت لهذا الرزق الذي يسوقه طرف ما لخيمتها عبر وحيدها كلما حل الظلام.
لم تكن العيون لتهدأ قبل أن تفك شفرة،،علي،،الذي ينأى بنفسه عن الآخرين،لكن اهتمام الفضوليين ازداد حينما كانت الأهازيج القادمة من المغارة ليلا تطرق أذانهم.
كانت هذه الأهازيج شبه منتظمة،لكن تقصي الأهالي أفضى إلى أن الأمر يتعلق بالجن،ذلك أنها كانت تتوقف بمجرد أن يصل الناس إلى مشارف المغارة،ولا يجدون في الغد دلائل مادية على أبطالها.
تمكنت معظم العيون من ضبط بعض سلوكات،،علي،،المريبة،حيث أيقنوا بأنه يرتبط بعلاقة ما بالمغارة المشبوهة،فعملوا على استدراج والدته التي طالما حذرها من كتمان قصة الطعام الذي يأتيه من،،أصدقائه،،لكنها ما لبثت أن سايرت الألسن الماكرة فباحت بالحقيقة.
كثر اللغط بين الأهالي حول،،سر علي،،فلما علم بانكشاف أمره،ترك والدته ودخل المغارة تحت أنظار الفضوليين حسب بعض الروايات،واختفى أثره منذئذ رغم كل التحريات، وكان هذا الغياب التراجيدي،سببا مباشرا في وفاة ،،ثاسعيت،،- رحمها الله- بينما تحول وحيدها إلى أسطورة تتناقلها الأجيال.
كانت والدتي- رحمها الله- ممن عايشوا القصة المؤلمة،ومع ذلك فقد اتصلت قبل عقود، ببعض شيوخ المنطقة الذين رووا الأسطورة بصيغ مختلفة نسبيا،لكنهم أكدوا جميعا بأن،،علي،،قد دخل المغارة ولم يعد ،ليظل لغزا من ألغاز هذه الحياة المليئة بالمفارقات العجيبة.
* الصورة لمنطقة،،إينان حوا،،مسرح الحدث الأليم.