التعريف بقضية الجالية المغربية ضحايا التهجير القسري الجماعي من الجزائر سنة 1975
حتى لا ننسى الذاكرة الجماعية
للمغاربة ضحايا التهجير الجماعي القسري من الجزائر سنة 1975
بقلم حميد العاطي الله (من الضحايا)
رئيس جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا التهجير القسري من الجزائر سنة
atiallah.admea@gmail.com
GSM : 0615617589
يعتبر ملف قضية المغاربة ضحايا الترحيل الجمـاعي القسري من الجزائر سنة 1975، من بين أهم الملفات الكبرى العالقة بين الدولتين المغربية والجزائرية، فهو الملف الحقوقي الإنساني المحض، الذي اعتبره الخبراء الدوليون في مجال القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني بجريمة حرب وبجريمة ضد الإنسانية، وحيث أن هذا الملف الإنساني الذي لم تتجرأ أية مؤسسة أو منظمة وطنية أو دولية رسمية أو غير رسمية التطرق إليه أو طرحه بجدية أمام المنابر الدولية الأممية الخاصة بمجال صيانة كرامة حقوق الإنسان أو التهجير القسري لأجل إنصاف هذه الفئة من الضحايا المغاربة الذين تعرضوا لأبشع جريمة ضد الإنسانية التي عرفها القرن العشرين من طرف السلطات الجزائرية وذلك لرد اعتبار لكرامتهم واسترجاع حقوقهم وممتلكاتهم المصادرة من طرف الدولة الجزائرية وجبر ضررهم، فإنه تم تجاهله دون إعطاء أية جهة مسؤولة مبررات وتوضيحات كافية حول أسباب عدم تناوله وتطرقه بل محاولة نسيانه و طيه طيلة أزيد من ثلاثة عقود من الزمن
ونظرا للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها بعض من هؤلاء الضحايا المغاربة اليوم، وعدم إيجاد الاستقرار الذاتي لهم من خلال تبعات المأساة اللاإنسانية التي تعرضوا لها سنة 1975 فإنهم يناشدون أصحاب الضمائر الحية المؤمنة بصيانة كرامة حقوق الإنسان وطنيا ودوليا بإنقاذهم من التشرد والضياع نتيجة إصدار المحاكم الوطنية المغربية بالإفراغ من مساكنهم الوظيفية والكرائية، كذلك عدم توفرهم على أبسط أمور العيش الكريم مثل التغطية الصحية والسكن الاقتصادي الاجتماعي وراتب تقاعدي مناسب يسد حاجياتهم اليومية وحاجيات أبنائهم العاطلين عن العمل، بينما حقوقهم وممتلكاتهم ومعاشاتهم مصادرة بالجزائر يتمتع بها مواطنون جزائريون علاوة على أجهزة الدولة الجزائرية الذين استغلوا مناسبة طردهم ليستولوا عليها بالكامل.
وحيث أن ملف قضية المغاربة ضحايا الترحيل الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 هو ملف الدولة المغربية بامتياز بحكم أن الذين تعرضوا للترحيل التعسفي وسلب ممتلكاتهم من طرف السلطات الجزائرية يعتبرون جالية مغربية مقيمة بالديار الجزائرية بشكل قانوني وشرعي، ورغم أن الملف طبعه التعتيم الإعلامي في السابق، فقد أخذ منحى آخر، بتداوله الآن بشكل جدي وبتضحيات وتحديات كبيرة من قبل جمعيات المجتمع المدني المستقلة، المهتمة في هذا المجال بهذه القضية وبإمكانياتهم المحدودة . فقد عرف قفزة نوعية من خلال التعريف والتحسيس به ونفـض الغبار عليه على المستويين الوطني والدولي ومحاولة كسب التعـاطف والتضـامن مع مؤسسات ومنظمات حقوقية رسمية أو غير رسمية أو مع بعض وسائل الإعلام وطنيا و دوليا من أجل دعم ومساندة جهود عمل الجمعيات في إطار الدبلوماسية الموازية التي تنهجها هذه الأخيرة، وذلك لأجل الدفاع وتحقيق الأهداف التي تناضل من أجلها والمسطرة في قانونها الأساسي، كما أنها تسعى بكل جهودها إلى اعتبار قضية المغاربة ضحايا الترحيل الجماعي التعسفي من الجزائر على المستوى الوطني قضية وطنية مسؤولية الجميع .
و لكي نضع في الصورة الرأي العام الوطنـي والعربـي والدولـي تراجيديـا المأسـاة و المعاناة اللاإنسانية الحقيقية التي تعرض لها مواطنون مغاربة ضحايا الترحيل الجماعي التعسفي من الجزائـر والتي لا يمكن بـأي حـال مـن الأحـوال نسيانهـا مـن ذاكرتنـا وذلك لجسـامة الجرائـم والانتهاكات المرتكبة في حق آبائنا وأمهاتنا ونحن الأطفال آنذاك الذين عشنا مرارة هذا الظلم والاضطهاد والترحيل التعسفي إلى جانب أسرنا المكلومة، فإننا سنحاول أن نلامس بعض جوانب هذه المأساة الجوهرية التي تمس الكرامة الاجتماعية لهؤلاء في أفق إنصافهم وإعادة الاعتبار إليهم، ورفع الظلم الذي تعرضوا له من طرف سلوك النظام الجزائري سنة 1975، حيث كشفت الممارسة السياسية للنظام الجزائري اتجاه المغاربة المقيمين بطريقة قانونية بالجزائر عن أزمة حضارية تتعارض و طبيعة الانتماء الحضاري الواحد و تسيء إلى القيم الإنسانية و التاريخية والاجتماعية و الدينية واللغوية و النضالية المشتركة بين الشعبين الجزائري و المغربي.
ما إن بدأت المملكة المغربية بتقديم مطالبها لاسترجاع أقاليمها الصحراوية من المستعمر الإسباني، حيث نظمت في هذا المجال المسيرة الخضراء التي ذاع صيتها في سائر بقاع المعمور، حتى ثارت ثائرة الجارة الشقيقة الجزائر، فتوثرت العلاقات الجزائرية المغربية لأسباب سياسية، وكان الضحية الأكبر لهذا الخلاف القائم بينهما، المغاربة المقيمون على التراب الجزائري بطريقة قانونية وشرعية منذ عقـود من الزمن و قبل استقلال الجزائر، والذين ساهموا بقسط وافر في تنمية الجزائر اقتصاديا، بل منهم من استشهد في سبيل تحرير وحرية استقـلال الجزائر، ومنهم من لا يزال يعاني من إعاقات جسدية نتيجة مساهمته في الثورة الجزائرية، وبكل همجية ودناءة، لم يعرف التاريخ المعاصر نظيرها، سيما أنها مقترفة من دولة تربطها بالمغرب أواصر الدم واللغة والدين والجوار، فالتجأت إلى الأسهل، ألا وهم المغاربة المتواجدون بالجزائر، وهم أناس بسطاء لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون الجنسية المغربية، فقامت بطردهم طردا عشوائيا، همجيا، لا إنسانيا وبدون سابق إنذار ووجه حق، وذلك في 08 دجنبر سنة 1975 بعد أن أعلن خلالها الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين في خطابه التهكمي الشهير على أمواج الإذاعة والتلفزة الجزائرية أنه سينظم مسيرة سوداء و كررها بمسيرة الدموع من الجزائر إلى المغرب، وذلك ردا على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء من أجل استرجاع أقاليمه الصحراوية من المستعمر الإسباني، وكان عددهم يناهز أكثر من 45 ألف أسرة مغربية، حيث قامت السلطات الجزائرية بمداهمات واعتقالات واقتيادات إلى مخافر الشرطة، رجالا ونساءا وأطفالا دون تمييز، فصادرت عقاراتهم ومزارعهم ومتاجرهم وشركاتهم ومعاشاتهم وأرصدتهم في البنوك وغيرها من الممتلكات التي أصبحت غنائما لهم، فتم تسجيل مجموعة من الانتهاكات اللاأخلاقية التي لا تمت بصلة للتحضر ولا لروح الإسلام بسبب هذا الفعل الحاقد و تعبير الموقف الإنتقامي السياسي الجزائري الذي تضمن العنصرية، الشتم، الضرب، الإهانة والاعتقال التعسفي والاغتصاب بالمخافر وتفريق وتشريد الأسر والعائلات والتخويف والتجويع والترهيب وسلب الحقوق والممتلكات مما يجعل هذا الطرد جريمة ضد الإنسانية بامتياز وهي محرمة في القانون الدولي والمواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وبحقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم، وقد حاولت السلطات الجزائرية مساومة المغاربة المرحلين قسرا من أجل البقـاء والإقـامة بالجزائر دون أن يمسهم أحد بإغرائهم، شريطة حملهم الجنسية الجزائرية أو اعترافهم بجبهة البوليساريو، أو المساهمة المادية لفائدتها، لكن فَضَّل المغاربة المقيمـون بالجزائر، عدم الرضوخ للإغراءات والإملاءات الجزائرية مع عدم المس بهويتهم وبثوابتهم الوطنية، وإن كان السبب الرئيسي يكمن في العمق في محاولة فاشلة للنظام الجزائري بمساس بمصالح الدولة المغربية. وفي هذا الصدد، تم تسجيل مجموعة من الوفيات خاصة في صفـوف المرضى الذين كانـوا طريحي الفراش في المستشفيـات الجزائرية، وكذا نتيجة تكدس أعداد كبيرة في وسائل النقل كالشاحنات والحافلات أثناء اعتقالهم ورميهم في الحدود بدون شفقة أو رحمة، وقد تزامنت فترة الترحيل الجماعي التعسفي من الجزائر سنة 1975 وهذه الانتهاكات اللاإنسانية مع ذكرى تخليد العالم لليوم العالمي لحقوق الإنسان ومع مناسبة غالية ومقدسة عند كافة المسلمين وهي عيد الأضحى المبارك، فترتبت عن هذه الانتهاكات الهمجية تصدع نفسية المرحلين قسرا مع تدمـر معنويـاتهم، مما أثـر سلبـا على صحتهم، وكل هذه المعانـاة والجرائم اللاإنسانية المرتكبة في حق هؤلاء أبرياء المغاربة، تحاول السلطات الجزائرية طي وتجاهل هذا الملف، متناسية أن حتى الأطفال الذين عاينوا مرارة هذه المأساة والمعاناة إلى جانب أسرهم أصبحوا الآن شبابا، فأخذوا على عاتقهم جمع شمل أسر الضحايا وانخرطوا في تأسيس إطارات جمعوية ذات طابع حقوقي إنساني اجتماعي محض، بعد تجاهل وعدم الاهتمام التام بهذه القضية من قبل المؤسسات و المنظمات و الهيآت الوطنية والدولية. و من بينها جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر والذي يوجد مقرها بمدينة الناضور، وهي جمعية وطنية حقوقية ديمقراطية مستقلة، تهدف إلى التعريف و التحسيس بقضيتها الحقوقية المشروعة والدفاع عنها في جميع المحافل الوطنية والدولية الأممية الخاصة بمجال حقوق الإنسان أو التهجير القسري، ومن بين أهم مطالبها فتح تحقيق عن مجريات أحداث الترحيل الجمـاعي التعسفي للمغاربة من الجزائر سنة 1975 مع المطالبـة بإرجاع كل الممتلكات المصادرة من الجزائر أو ما يقابلها ماديا، كذلك المطالبـة بتعـويض كل المتضررين المتعسف عليهم جراء ما لحق بهم من أضرار جسمـانية أو نفسية أو معنوية، إضافة إلى المطالبة بالاعتذار الرسمي من طرف السلطات الجزائرية لفائدة الضحايا المغاربة باعتبارها المسؤولة عن هذه المأساة وعن هذه الجريمة اللاإنسانية التي دخلت التاريخ بها من بابه الواسع، إلى جانب مطالبة الدولة الجزائرية بالتزام بتفعيل التوصيات الصادرة بتاريخ 10 ماي 2010 من قبل اللجنة الدولية لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين و أفـراد أسرهم التابعة لهيئة الأمم المتحدة الداعية إلى استرجاع حقوق وممتلكات العمال المغاربة المهاجرين وتعويضهم بشكل عادل ومنـاسب و جمع شمل الأسر والعائلات المغربية بذويها الباقين في الجزائر، وعدم تطبيق قانون مالية الجزائر لسنة 2010 الداعي إلى تأميم ممتلكات العمال المغاربة المهاجرين لسنة 1975 بدعوى أن هؤلاء العمال المغاربة المهاجرين بالجزائر لم يتم التخلي عن حقوقهم وممتلكاتهم وإنما تم طردهم بشكل جماعي وتعسفي وبدون وجه حق، كذلك مطالبة الدولة المغربية بتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة من نفس اللجنة الدولية الأممية المذكورة أعلاه، و ذلك باتخاذ التدابير الضرورية من أجل إعادة إدماج هذه الفئة المرحلة
قسرا من الجزائر، و ذلك بتسهيل إعادة إدماجهم من خلال تحسين وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بناءا على المادة 67 من الاتفاقية، و قد حثت هذه اللجنة الأممية كذلك الدولة المغربية، بتقديم معلومات عن هذه المسألة في تقريرها الدوري المقبل سنة 2014، فضلا عن الجهود المبذولة لتنفيذ التعاون الدولي بشأن هذه المسألة، وفقا للمادة 64 من الاتفاقية. إضافة إلى مطالبة جميع المؤسسات والمنظمات المعنية بمجال حقوق الإنسان الوطنية و الدولية بتحمل مسؤوليتها في دعم هذه الجمعيات المهتمة بملفنا الحقوقي الإنساني وبتدخل لذا جميع الأطراف المعنية بهذه القضية من أجل إيجاد حل وتسوية نهائية،لأنه لا يمكن لضحاياه التنازل عن قضيتهم ونسيان معاناة آلامهم جراء الانتهاكات اللاإنسانية الجسيمة التي مورست في حقهم، حتى وإن عاد الدفىء والصفاء إلى العلاقة المغربية الجزائرية من جديد.
إن انفتاح العالم اليوم على جروحه ومحاولة التئامها بنهج أسلوب المصالحة وتجاوز أخطاء وجراحات الماضي من أجل بناء مستقبل يتسع للجميع ويتقاسم فيه الكل قيم الحب والأمن والسلام والتنمية والتقدم والتسامح والثقة ، يفرض على النظام الجزائري تصحيح أخطائه التاريخية المرتكبة والأليمة والمساهمة الفعلية والإيجابية في بناء مستقبل اتحاد المغرب العربي بالانفتاح على كل المقترحات والمبادرات الإيجابية في هذا المجال، وتجاوز المآسي الاجتماعية التي خلفها الماضي باختلاط وتشابك السياسي بالاجتماعي والإنساني بالإيديولوجي .
شعارنا جميعا : ما ضاع حق وراءه مطالب