مأساة فنان حاول الانتحار!
اسماعيل الحلوتي
لو أن المسؤولين ببلادنا وخاصة منهم أولئك الذين يبدو أن عقلياتهم تكلست وصدئت وانعدمت لديهم الضمائر من فرط اللهث وراء مصالحهم الشخصية، يلتزمون فقط بما تحمله لهم الخطب الملكية السامية من توجيهات خلال تحملهم المسؤولية في تدبير الشأن العام، لما كانت الأمور اليوم على ما هي عليه من فوضى وتدني مستوى الخدمات، ولما وصلنا إلى هذا المستوى من الاستياء العام والاحتقان الشعبي.
ففي خطاب ألقاه ملك المغرب محمد السادس يوم الجمعة 16 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، قال: “إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا” ثم أضاف “يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما” وبالرغم من اعتزازه بالتعامل المباشر مع أبناء شعبه وبقضاء حاجاتهم البسيطة، والتزامه بأن يظل دائما يقوم بذلك في خدمتهم، فإنه يتساءل حول ما إذا كان المواطنون سيطلبون منه التدخل لو أن الإدارة قامت وتقوم بواجبها؟
ونحن بدورنا نتساءل هنا ليس فقط حول ما إذا كان الفنان أحمد جواد سيفكر في الإقدام على محاولة الانتحار لو أن وزير الثقافة محمد مهدي بنسعيد لبى طلب استقباله، بل حول الكثير من القضايا التي تدفع بعديد المواطنين إلى ركوب قوارب الموت أو الخروج للتظاهر في الفضاء العام وغير ذلك من الأمور؟ فما يهمنا الآن هو مأساة الفنان السالف الذكر، الذي لولا الألطاف الربانية لحصلت الكارثة التي نحن في غنى عنها، ولاسيما أن بلادنا تمر بظروف عصيبة خلال الشهور الأخيرة في ظل الغليان الشعبي القائم بفعل غلاء الأسعار وتدني الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة واستشراء الفساد بمختلف المؤسسات العامة والخاصة.
فبالعودة إلى الفنان الذي وإن كنا ندعمه ونتضامن معه في الدفاع عن حقوقه والمطالبة برفع التهميش عن أعماله المسرحية، فإننا نرفض أن يشكل قدوة سيئة للأجيال الصاعدة وغيرهم من المقهورين والمهمشين، من خلال إقدامه على محاولة الانتحار في واضحة النهار. نجد أنه لم يكن ليتذمر ويفقد صوابه لو لم يتم استفزازه عبر منعه من ولوج وزارة الثقافة، حيث أنه كان يعتصم أمام بابها كل يوم إثنين وثلاثاء على أمل أن يفسح له مجال لقاء الوزير الوصي على القطاع، غير أنه تعرض لشتى المضايقات من قبل بعض المسؤولين، الذين أبوا إلا أن يتجاهلوا صفته كفنان ينتسب للميدان الفني، بعد أن اشتغل عدة سنوات كمسؤول عن “نادي الأسرة” بمسرح محمد الخامس بالرباط، ليحال في أكتوبر 2021 على التقاعد في السلم 6 بمعاش هزيل لا يكفي لسد أبسط حاجياته، مما جعله يهدد بالتصعيد وحرق نفسه أمام الوزارة…
وجدير بالذكر أن أحمد جواد قدم الشيء الكثير للمجال الفني بشكل عام والمجال المسرحي بشكل خاص دون أن يتم إنصافه، من خلال رفض عروضه التي لم يفتأ يتقدم بها من أجل الحصول على ما تستحقه من دعم بغير جدوى. وهو الذي للأسف ما انفك يناضل منذ سنين دفاعا عن المهنة، وخاض معركة شخصية ضد قرار رئاسة المجلس البلدي القاضي بهدم المسرح البلدي بمدينة الجديدة، اعتقل على إثرها في مارس 1994 وحوكم بسبب موقفه الشجاع الذي اعتبرته هيئة الإنصاف والمصالحة اعتقالا تعسفيا.
وبصرف النظر عما ورد من توضيحات في بيان الوزارة الوصية، وعن كونها تتابع بشكل متواصل حالة الفنان الذي نجا من موت محقق، حيث تم إيفاد مسؤول في القطاع الثقافي لتتبع تطورات حالته الصحية في المستشفى الموجود به، وإعلانها عن تضامنها مع أسرته، فإننا نرفض بشدة تجاهل الوزارة الوصية تلبية طلب فنان مسرحي وناشط ثقافي حامل لبطاقة الفنان، يرغب فقط في لقاء مباشر مع سيادة الوزير بنسعيد، بعد أن ظلت جميع المراسلات التي يبعث بها إليه معلقة بدون رد، علما أنه لا يطلب سوى دعم أعماله المسرحية والاستفادة هو أيضا وعلى غرار الكثير من زملائه من كل أنواع الدعم ماديا ومعنويا. ويطالب كذلك برد الاعتبار لشخصه، ورفع الحصار المضروب عليه، وانتشاله من دائرة التهميش والإقصاء. فماذا لو كان الوزير محمد مهدي بنسعيد تواضع قليلا وتفضل باستقبال الفنان أحمد جواد والاستماع إلى همومه وأحزانه، هل كان سيقدم على إضرام النار في جسده، احتجاجا على التهميش والتجويع؟ فلتتقوا الله في بلدكم وأبنائه، أيها المسؤولون…