قصة نجاح بطلة تحدت الموت!
اسماعيل الحلوتي
مرة أخرى يتأكد ليس فقط للنظام العسكري الجزائري الحاقد، بل لجميع بلدان العالم، أن تتويج العاهل المغربي محمد السادس من قبل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بجائزة “التميز الرياضي” برسم سنة 2022، في حفل بهيج أقيم على هامش أشغال مؤتمر الفيفا 73 لكرة القدم يوم الثلاثاء 14 مارس 2023 بالعاصمة الرواندية كيغالي، لم يأت عن طريق الصدفة أو من باب المجاملة، وإنما عن جدارة واستحقاق، اعترافا بما انفك يقدمه من دعم لتطوير الرياضة والنهوض بمستواها لدى النساء والرجال، في المغرب وإفريقيا على حد سواء.
إذ مباشرة بعد هذا التتويج الفخري الذي حظي به ملك البلاد، تمكن المنتخب الوطني الأول لكرة القدم أن يلحق الهزيمة بالمنتخب البرازيلي بحصة (2/1) في المباراة الدولية الودية التي جمعت بينهما مساء يوم السبت 25 مارس 2023 في تمام الساعة العاشرة بملعب ابن بطوطة في مدينة البوغاز طنجة، ليؤكد بهذا الفوز تطور مستواه بعد الإنجاز التاريخي، الذي حققه في مونديال قطر 22 إثر تأهله إلى نصف النهائي للمرة الأولى في تاريخ المنتخبات العربية والإفريقية، وحلوله في المركز الرابع خلف كل من منتخبات الأرجنتين وفرنسا وكرواتيا.
ثم تلاه في اليوم الموالي الأحد 26 مارس 2023 حدث رياضي آخر لا يقل شأنا عن سابقه، ويتمثل في إحراز الملاكمة المغربية “خديجة المرضي” لقب بطلة العالم في النسخة 13 من البطولة العالمية للملاكمة في الوزن الثقيل (أزيد من 81 كيلوغراما) إناث، التي جرت أطوارها في العاصمة الهندية نيودلهي، إثر تفوقها البين على منافستها من كازاخستان “لازات كوجيا” بنتيجة (4/1)، التي سبق لها أن فازت عليها قبل شهر من الآن في دوري محمد السادس –سلسلة الحزام الذهبي- بمدينة مراكش. ويشار إلى أنها تجاوزت قبل الوصول إلى المباراة النهائية الملاكمة الروسية “ديانا بياتاك” بإجماع من القضاة، وتغلبت في ربع النهائي على الصينية “لو زهينغ”. كما أنها نالت الميدالية النحاسية في بطولة العالم سنة 2019 بروسيا، ثم عادت لتحرز الميدالية الفضية في تركيا عام 2022. هذا دون أن ننسى أنها فضلا عن إحراز الميدالية الذهبية في نيودلهي حصلت كذلك على مكافأة مالية بقيمة مائة ألف دولار، لتصبح بذلك أول رياضية عربية وإفريقية تفوز بهذه الجائزة، وتلتحق بمواطنها محمد ربيعي الذي سبق له هو الآخر الفوز بذهبية بطولة العالم في الدوحة عام 2015.
من هنا يتضح جليا أن المغرب ظل ملتزما بالتعليمات الملكية وحريصا على أن يبوئ الرياضة مكانة متميزة في جميع أنواعها عند كافة الفئات الصغرى والكبرى ذكورا وإناثا، باعتبارها لبنة أساسية في بناء مجتمع سليم ومتماسك، وعنصرا ضروريا في منظومة تكوين مواطنين صالحين بدنيا وعقليا. وهو ما جعل السياسات الحكومية تولي عناية خاصة للرياضة من أجل الارتقاء بالممارسة النسوية إلى جانب الرجالية وتوسيع دائرة انتشارها، تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التقدم الاجتماعي وتكريس قيم السلام والاحترام والتسامح والعيش المشترك، ونبذ جميع أشكال العنف والعنف المبني على النوع.
بيد أن ما لا يعلمه الكثير من المغاربة، هو أن لبطلتنا “المرضي” قصة فريدة من نوعها وجد مؤثرة، تكاد تختلف كثيرا عن قصص باقي الملاكمات والملاكمين من أبناء الشعب الطموحين والأوفياء لراية الوطن، إذ أنها إضافة إلى حبها الكبير للمغرب وقائده المفدى، ظلت وفية على الدوام لما كانت تتطلع إليه والدتها قيد حياتها، التي شاءت الأقدار أن تمتد إليها يد الموت لتسرق روحها بسرعة البرق في مشهد دراماتيكي خلال سنة 2014 وهي تشجع ابنتها، التي فازت حينها في إحدى مباريات دور ربع النهائي من دورة كأس محمد السادس الدولية للملاكمة بمدينة مراكش. وهو الحدث الحزين الذي أفقدها طعم الفرح دون أن يفقدها الرغبة الجامحة في تحقيق الفوز، عندما اكتشفت أن والدتها التي رافقتها في الرحلة من مدينة الدار البيضاء، دخلت في إغماءة عميقة من فرط فرحتها بالفوز، ولم تخرج منها نهائيا رغم كل محاولات الإنقاذ في المستشفى…
ومنذ تلك الفاجعة التي أدت إلى فقدان أحن الناس عليها وأعزهم في قلبها، أصرت بطلتنا “خديجة المرضي” على أن تتحدى قيود الحزن وتحول كل ذلك الشعور بالألم إلى دافع قوي في إكمال المشوار الذي رسمته لنفسها بدعم من والدتها، فما كان منها إلا أن اتخذت قرارا بتضميد جراح الفراق من خلال مواصلة مشاركتها في باقي المباريات وما بعدها، حيث أنها وبقوة العزيمة استطاعت أن تفوز في دور النصف نهائي ثم النهائي في مباراة تابعها جمهور غفير من مدينة مراكش، ومن ثم إلى أن تمكنت من إحراز مجموعة من الميداليات، كانت آخرها الميدالية الذهبية في بطولة العالم بنيودلهي.
إننا بفضل الرؤية المستنيرة للملك محمد السادس وما يوليه من اهتمام خاص للرياضة والرياضيين، جد فخورين بانتصار المنتخب المغربي على منتخب “السيليساو” بطل العالم خمس مرات، وبإحراز خديجة المرضي على لقب بطولة العالم للملاكمة لأول مرة في تاريخ الوطن العربي وإفريقيا، ولا يسعنا إلا أن نسجل بكل اعتزاز هذه الإنجازات التاريخية الرائعة، وأملنا كبير في أن تتوالى قصص النجاح في بلادنا على كل المستويات، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا…