يحدث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بوجدة مزبلة وكلاب داخل المركز! وأساتذة بلا قاعة! وتوقيت مستمر بلا مقصف! وهدر لزمن التكوين!
سعيـد عبيـد
يتوجَّه الأستاذ بحماسٍ إلى المؤسسة، ويُحاذرُ في الطريقِ أن يغلبَه مِن شدةِ الحماسةِ التفكيرُ في الحصة التي هو مقبلٌ عليها فيتجاوزَ علامةَ مرور، ويَصْدِم – لا قدر اللهُ – أحدَهم، حتى إذا وصلَ إلى المؤسسة وجدَ قُبالةَ وجهه وهو يدخلُها مزبلةً طويلة عريضة جاثمة هناك منذ سنين، فإذا أشاح عنها بِوجهه ممتعِضًا باحثا عن مكانٍ محترَم مناسب لركنِ سيارته لم يجِدْ حواليْه إلا فضاءً مُتْربا مُغْبرًّا وسط العَجاج، وتحت الشمس اللاهبة! فيتركُها هنالك مضطرا ممتعضا كذلك. وفي الطريقِ إلى القِسم يُفاجأ بكلبٍ عجوزٍ رث وكلْبةٍ عجفاء مسكينة يتجولان في الساحة! ولأنه يحب الحيوانات – لأنها كائناتٌ على الفِطرة لا تعرفُ كبعضِ من يلبسُ الثيابَ التحراميات – يسألُ عن جِرائِهما السبعةِ اللطيفة التي طالما تبعتِ الطلبةَ إلى الأقسام وهي تبصبص بأذيالها القصيرة، فيَعلمُ بأسفٍ أن أحدهَا قد دُهِسَ تحت عجلاتِ سيارةِ أستاذ لم يرَه وهوَ يَركَنُ سيارته فوقَ التراب الذي قربَ المزبلة التي كانت تتخذ منها بيتا لها!!! حتى إذا لقيَ بعض زملائه مشتتين بين الساحةِ والدهليز ومكاتب الإدارةِ أدرك من جديد، وللمرة المليون، بأنه وهُمْ من مكوِّني المركز ليس لديهم قاعةُ أساتذة مخصصة لهم، أو على الأصحِّ، كانت لديهم، فانتُزِعتْ منهم، وبقُوا في العراءِ والمكاتب والطرقات مشتتين! وهكذا يصيرُ حماسُ الرجُل إحباطا، وينطفئ بسبب فشل التسيير الإداري للمؤسسة واستهتارِه مصباحُه المتَّقد!!!
هذا المَشهدُ – أيها القراء الكرامُ – ليس مقدمةً من فِلم تربوي قصير حول مدرسة ابتدائية في العالم القروي يعالج بعض مشاكل التعليم العمومي في مغربِ الثمانينيات، ولكنه واقعٌ معيشٌ يوميا في مؤسسة لتكوين الأطر العليا من مؤسسات التعليم العالي تسمى “المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بوجدة، ملحقة بودير”، الآنَ الآن في العقد الثاني من عشرينيات القرن الحادي والعشرين (2023)!!!
قد يكون هذا صادمًا للذين يَحكُمون على المؤسسات من واجهاتها الملمَّعة، ولكنه الواقعُ الذي لا تستطيع أن تُخفيه تلك الواجهات عن المُكتوين بنارِه صباح مساء من موظفين إداريين وأساتذة ومتدربين. فلقد بلغ من استهتار الإدارات السابقة المتلاحقة بالمركز وعدم مسؤوليتِها أن تُحول قطعة مهمة من ساحة المركز الخلفية إلى مزبلة عفنة تشمئزُّ منها العين، ويأنَفُ منها الذوق لسنين عددا، ثم بلغ الاستهتار بالإدارة الحالية إلى درجة أن تستقبلَ – لأول مرة في تاريخ مركز وجدة – شُعبةَ التربية البدنية دون استعدادات لوجستية ومادية وبشرية مناسِبة ومخطط لها، والأدهى والأمرُّ أن ضُيوف المركز من السادة مفتشي مادة التربية البدنية، وأساتذتها الذين تجشموا عناء الانتقال من الناظور، ومتدربيهم في شعبة الرياضة الذين أتى 79 منهم من أقصى جهة درعة تافيلالت، سيجدون أنفسَهم جيرانا دائمين للمزبلة المذكورة!!! مع العلم أن هؤلاء الأخيرين قد بذلوا بتوجيه مكوِّنيهم جهودا كبيرة في تنظيف ساحة الرياضة وملعبيْها من المتلاشيات المتراكمة، وصباغةِ أرضيتها بالخطوط والعلامات الضرورية، فحرقوا بعضها، ولزُّوا بعضها الآخر إلى (المزبلة العتيدة) بعد أن أعياهم الحَرق، دون أن يُقدَّم لهم الدعم المادي واللوجستي اللازم، ولربما دون أن توجَّه إليهم كلمةُ شُكر أو عرفان أصلا!!!
لقد سبقَ أن كاتبتُ المدير المكلف الحالي ليتدخل بشكل عاجل لتصحيح هذه الوصمة الشوهاء التي في بقائها إزراءٌ بقطاع التربية الوطنية والتعليم والتكوين من جهة، وعدمُ اعتبار للسادة الموظفين من إداريين وأساتذة ومتدربين وضيوفٍ من جهة ثانية، وعدمُ إقامة أي اعتبار للبيئة عامةً من جهة ثالثة، فما كان منه إلا أن أهملَ مراسلتي إهمالا سُلطويا مُشينا ينضاف إلى سلسلة تصرفاتٍ من سلطويته المقيتة في التعامل مع مراسلات الموظفين، أكانت مراسلاتِ أفرادٍ، أم مراسلاتِ مؤسسات تمثيلية كمجلس المركز والهيئة النقابية ذات التمثيلية الأولى وطنيا بمراكز التكوين!!! مما يُعدُّ فشلا ذريعا في أدنى اختبار للتواصل الإداري الذي تضبطه أخلاقياتٌ وضوابطُ قانونية معروفة، وليس متروكا لأهواء نفوس المسؤولين الأمارة بسوءِ المغاضبة، أو ميلِ الانحياز، أو تصفيةِ الحسابات القديمة والحديثة، كأن وظيفة المدير ليست هي خدمةَ المرفقِ الذي يُديره، وخدمةَ موظفيه ومرتفقيه؟! ولا خيرَ أفضلُ من مخاطبة هذا النوع من المديرين [الذين لا يَديرون شيئا إيجابيا إلا إذا هُمِزوا هَمْزًا من مسؤوليهم الأعلوْن] من الخطاب الملكي الواضح الصريح الذي تَوَجه إلى أمثاله بقوله الصارم الحاسم: “… ومن غير المقبول ألا تجيب الإدارةُ على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة، ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس، وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تُتخذ بناء على القانون”! (افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية العاشرة بالرباط، بتاريخ 14 أكتوبر 2016).
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه يَروجُ داخلَ المركز أن هاته البُقعة – المزبلة قد تمَّ تفويتُها إلى جهةٍ ما “حسّي مسّي”، دون أن يمرَّ ذلك عبر قناة مجلس المركز، القناة الشرعية الوحيدة للمصادقة على كل القرارات الخاصة بالمركز، ودون أن يعلم أحدٌ أيُّ مدير مكلف سابق فعلَ هذا؟ ومقابل ماذا؟ وبغض النظر عن هذا – وهو إن صحَّ مؤشر قوي كافٍ على الشطط والفساد وعدم احترام المؤسسات والتمثيليات بالمركز – فإنه من المَعيب المَشين المُشين عند كل العقلاء أن يتمَّ تفويتُ مزبلةٍ إلى أي جهة كيفما كانت!
وعلاوة على التعسف الواضح الذي ترتكبُه الإدارة في حق عشرات الأساتذة الذين لا يَجدون قاعة محترمة لهم يستريحون فيها عشر دقائق استراحةً لائقةً، ومنهم من يتنقل باستمرار من المدن المجاورة (أحفير وبركان والناظور وتاوريرت…)، باستثناء قُويْعة متسخة كالقفص تَسَعُ ستة أشخاص أو سبعة، فإنها تتعسفُ في حقهم وحق عشرات المئات من ألوفِ المتدربين في كل عامٍ حين تفرضُ علينا وعليهم نظامَ التوقيت المستمر، دون أن توفر لهذا التوقيت أدنى احتياجٍ له متمثلا في مَقصِ،! وكافةُ روادِ مركز المسيرة، وملحقة بودير، والفرع الإقليمي بالناظور، في هذا سواء!!! وهكذا يجد الأستاذ نفسَه مضطرا إلى مغادرة المؤسسة في استراحة الساعةِ بين حصتيِ الصباح والمساء ليتناول وجبة سريعة في مقهى أو مطعم ما، أما المتدربون الذين لا شك أن الدراسة من التاسعة إلى الرابعة مساء تستنزفُ قُواهم فلا طاقةَ لهم بوجبات المقهى أو المطعم لغلائها مقارنة بقيمة مِنحتهم، لذا فإما يبقوْن جوعَى مستهلَكين طيلة 7 ساعات متتالية! وإما يَقْنعون بما يُقدمه كُشكٌ صغير بسيط، يُشكِّل وجودُه قرب باب المركز مستنِدا إلى حائطه – كالسكن العشوائي – إساءةً إلى المنظر العامِّ للمؤسسة، علاوة على كونه يمثل مركز جذب لمراهقي مؤسسة مجاورة!!! وقد عانيْتُ شخصيا من لأواء هذا التوقيت المستمر وعَنَتِه يومَ كانت الاستراحة بين فترتي الصباح والمساء مجرد 30 دقيقة، حيث كنتُ أدخل – بسبب عدم وجود لا قاعة للأساتذة ولا مقصف – إلى سيارتي لتناول لُمجة سريعة، ولأشرب شيئا من الماء، وكأني سرقتُهما فأخشى من أن يراني أحد! لذا لم أعِد كرَّةَ خطيئةِ الاشتغال وفق التوقيت المستمر منذ يومِها البتة! فانظروا – رحمكمُ الله – إلى شيء من تبعات التدبير السيء!
وبالمناسبة، وفي هذا السياق بالضبط، يُسعدني للغاية أن أنوِّه بمدير تربوي – بالمعنى الحقيقي للكلمة – من أكفإ مديري المراكز الجهوية الذين شهدتُ تدبيرهم الناجح عن قرب، وهو السيد محمد حَيْلمة يومَ كان مديرا لمركز طنجة التربوي الجهوي. فلقد أمضينا لديْه – في مهمة تربوية رفقة ثلة من زملائي السابقين بمركز مكناسة الزيتون، منهم المرحوم العزيز سعيد الشقروني – قرابة أسبوع في أطيب منزل، وأكرمِ نُزُل! مركز جميل منظم، وجناحٌ كامل أنيق رائع للضيوف، ومقصِفٌ للأساتذة والمتدربين والضيوف لم أرَ أنقَى، ولا أجملَ، ولا أكثر تجهيزا، ولا أرخصَ كُلفة منه. أما حرصُه وحرصُ السيدة المقتصدة – التي أعتذر إليها من عدم تذكري اسمها الكريم – على راحتنا الكليَّة، من أدنى التفاصيل إلى أكبرها، فكان حرصا لا ينم إلا عن فضيلتيْن اثنتيْن هما الاقتدار إداريًّا وتربويا، ونزاهة الفؤاد واليَد ماليًّا.
إن كل ما ذكرناه من أمور سلبية تُصرُّ الإدارة على إبقاء المركز غارقا في شَوْهتها لسنينَ حلُّه أمرٌ بسيطٌ للغاية، ولا يتطلب تقنيا ولا ماديا شيئا يُذكَر! وإني لمتأكد من أن مدير المركز المكلف الحالي والذين سبقوه ما كانوا ليسكتوا يوما واحدا لو أن مزبلةً جاورتْ مَحالَّ سكناهُم، ولصدَّعوا رؤوس مسؤولي السلطات البلدية ووزارة التجهيز والتعاونية السكنية والسكان الآخرين لتنظيفها في الحين! فاعجَبْ لهؤلاء المسؤولين الذين يُحركهم بقضِّهم وقضيضهم دافعُ المصلحة الخاصة، ولا تحرك شعرةً منهم مصلحةُ القطاعِ الذين هم عنه أوصياءُ مسؤولون؛ ولو كانوا حقا (سيُسألون) لما اجترأُوا على هذا!!! وقِس على ذلك تهيئة مرأب لسيارات موظفي المركز ولو بالأسفلت! وتغطيته ولو بالقصدير! وحماية السيارة الأثرية التي تشهَد على تاريخ مزدهر للمركز منذ عقود، بدل تركها في العراء منذ عشرات السنين، عُرضة للتآكل والتفتت في انعدام تام لحسِّ الجمال وتقديرِ التراث المادي، ولو بنقلها إلى وسط الحديقة، وتظليلها بالكرتون! وتخصيص قاعة من قاعات المركز الكثيرة للأساتذة، وتجهيزُها ولو بصنبورٍ وكؤوسٍ فارغة ليبلُّوا ريقَهم في الاستراحة بماء! وعقد صفقة مع مستثمر لتجهيز مقصف بالمركز يوفر للرواد – الذين يعدُّون بالألوف – ولو مجرَّد الشاي والقهوة والبيض والحرشة، بدل هذه الأجواء اليابسة الحرشاء التي تفرضُها الإدارة على الأساتذة المكوِّنين والمتدربين! ولكم أن تتصوروا أيَّ حضيضٍ صار إليه تدبيرُ المركز حتى صرنا نكتبُ عن أوضح الأمور التي لا يمكن أن ينتطح فيها عنزان: مجرد نظافة المركز من الأوساخ والكلاب، ومجدر قاعة للأساتذة، ومجرد مرأب محترم، ومجرد مقصف لبلِّ الرِّيق، ومجرد شيء من الاعتبار لقيمة التكوين!!!
أما الشؤون التربوية والإدارية والمالية التي لم نأتِ على ذِكرٍ لها في هذا المقال فأجلُّ من أن تُحصَى. وتكفي إشارة لمَّاحةٌ إلى أن الذي يفشَلُ في تدبير الأمور البسيطة السابق ذِكرُها، أنَّى له أن يكونَ ناجحا في ما سواها؟ لذا سيُصدَم القراء كذلك إذا ذكرنا لهم ثلاثة أمور دالَّةٍ فحسب، على سبيل التمثيل لا غير. أولها أن المدير المكلف يحتجز لديه السبورة التفاعلية الوحيدة التي حصل عليها المركز منذ شهور حارما منها عشراتِ المكوِّنين ومئات المكوَّنين، والعام أوشك ينتهي! وثانيها أنه تسبب في مستهَل السنة الحالية في هدر خمسة أسابيع من زمن تكوين أفواجٍ بعد أن ظل يتفرَّجُ بشكل سلبي على الخروقات القانونية والتربوية والأخلاقية – المهنية الفاضحة التي أحدثها منسقُ شعبة العربية في جدولة الحصص مع سبق العمد والإصرار والإجماع على التواطؤ، ولم يتدخل – وهو المسؤول الأول – إلا بعد أكثر من شهر من الأخذ والرد المُمِليْن، ولو كان ذا حرص على زمن التكوين لوأدَ الخلل في مهده وساعته الأولى. ومن هذا الباب عدم تجاوبه مع مطلب تطبيق مرسوم الساعات الإضافية الخاص بالأساتذة الباحثين، مما كان سببا في امتناعهم عنها، وبالتالي في إضاعة حصص لا تُحصى في الفترة الأولى من التكوين، بل وعدم تفاعله حتى مع مطالب توفير مستلزمات التكوين البدهية! وثالثها – وتلك ثالثة الأثافي القاصمة – أنَّه لم يتمَّ تكريمُ أحدٍ من الأساتذة المكوِّنين الأكارم الذين أُحيلوا على التقاعُد منذ ست سنين عجافٍ، مع العلم أن بعضَهم من قيادمة المركز، أمضوا زهرةَ شبابهم بل عُمرَهم فيه، وعلى رأسهم أستاذ الأجيال مبارك زين العابدين الذي كان أستاذا مكوِّنا معطاء نشيطا يوم كان كاتبُ هذه الأسطر مجرد أستاذ متدرب!!! ومعَ الأستاذ زين العابدين كثيرون آخرون من الزملاء الفضلاء، وكبُرَ مَقتا مثلُ هذا القتل الرمزي لهؤلاء بسكاكين الجحود والجفاء والخذلان والنُّكران!!!
وفي الختام، واستكمالا لحديث الشؤون التربوية والإدارية والمالية الجُلَّى، نذكرُ أنه قد صدرت في العشرية الأخيرة عشرات البيانات النقابية التي تفضح الفساد والاضطراب الذي شهِده ويشهده المركز، مما مللنا – في غياب أي ربط للمسؤولية بالمحاسبة – من تكرار الكتابة عنه؛ ولا جرَم أن المسؤولين عن القطاع قد وصلهم كل ذلك أولا بأول، لذا تم إعفاءُ المديرين السابقيْن، ولذا كذلك ينتظرُ الجميعُ عاجلا مديرا تربويا مسؤولا بمعنى الكلمة لعله يضع بإخلاصه وكفاءته ونزاهته حدا لمسار هذا القطار السريع الْيَجْري نحو الانهيار.
=========
1ـ استاذ مبرز ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بوجدة