كراغلة يشككون في ملحمة المسيرة الخضراء!
اسماعيل الحلوتي
صدق من قال “شر البلية ما يضحك” وهو القول المأثور والمشهور الذي لم نجد أفضل منه للتعبير عما بتنا نعيش على إيقاعه من مسلسل الهذيان والافتراءات، الذي لا تكاد تنتهي آخر حلقاته حتى يسارع النظام العسكري الجزائري الحاقد والفاسد إلى فبركة أخرى مماثلة بذات الحمولة من البغض والكراهية، بهدف مواصلة التعتيم على كم الانتصارات الدبلوماسية التي ما انفك المغرب يحققها، التشويش على مسيرته التنموية الناجحة، والإصرار على التضليل وتجييش الإعلام الرسمي ضد كل ما هو مغربي أصيل.
وسنكتفي هنا في هذه الورقة المتواضعة بمحاولة الكشف ولو بعجالة عن غيض من فيض مما بلغ إليه كابرانات الجزائر من دناءة وإفلاس فكري وأخلاقي وسياسي في إعلانهم حربا إعلامية قدرة على المغرب ورموزه ومؤسساته. حيث أنه وبدون أدنى خجل أبى أحد الوزراء السابقين الذي شغل أيضا منصب سفير سابق، إلا أن يدعي علانية وفي واضحة النهار بأن “المسيرة الخضراء” المتبجح بها من قبل نظام “المخزن” لم تتقدم ولو كيلومترا واحدا داخل الصحراء، وأنه تم تصوير مشاهدها في أحد الاستوديوهات السينمائية، بينما هي في الواقع ليست سوى عبارة عن جموع حاشدة من العاطلين والأميين والمتسكعين، استقدمت لهم السلطات المغربية أعدادا كبيرة من المومسات بغرض تشجيعهم على التجمهر وأداء دورهم على الوجه المطلوب للتمويه ليس إلا. يا سلام على نباهة الكراغلة!
وردا على هذا الادعاء الباطل وغيره من الهذيان الذي يلازم الكابرانات في نومهم وصحوهم، يمكن الاستشهاد بالمثل الشائع في بلدنا الحبيب المغرب الذي يقول: “المش ملي مكيلحقش اللحم تيقول خانز” وبالفصيح “عندما يفشل القط في الوصول إلى قطعة اللحم المعلقة، يقول عنها فاسدة أو نتنة” وهو ما ينطبق على هؤلاء العجزة الذين أصابتهم لعنة الخرف من فرط ما يعانون من عقدة العداء الراسخة في عقولهم ضد المغرب منذ عقود وبالضبط منذ عام 1962، دون أن يستطيعوا التحرر منها.
فالمسيرة الخضراء المظفرة حقيقة ثابتة من وحي وإبداع الملك العبقري الحسن الثاني رحمه الله، ولولا أنها كذلك ما كان ليأتي الرد عليها بتلك القسوة من قبل الرئيس الجزائري محمد بوخروبة المعروف ب”هواري بومدين”، حين سول له بغضه العميق وحقده الدفين أن يضرب عرض الحائط بكل القيم الإنسانية وتعاليم ديننا الحنيف، وهو يقدم بكل وقاحة على جريمته الشنعاء أمام أنظار العالم، معلنا عن مسيرة سوداء أطلق عليها “المسيرة الكحلة”، من خلال طرد 350 ألف مواطن مغربي من الجزائر صباح يوم 18 دجنبر 1975 الذي صادف حينها يوم عيد الأضحى، بعد أن عمل على تجريدهم من جميع ممتلكاتهم إلى الحد الذي وصل فيه بعضهم إلى المغرب دون زوجاتهم وأبنائهم وهم حفاة وبملابس النوم فقط. ألا يعتبر مثل هذا السلوك الفج والأهوج وصمة عار في تاريخ النظام العسكري الجزائري الجائر والمتغطرس، الذي مازال متشبثا بالإنكار ويرفض الاعتذار عن هذا الفعل الإجرامي الحقير وغيره كثير؟
والمسيرة الخضراء المظفرة التي انطلقت في اليوم السادس من نونبر 1975 ويحرص المغاربة من طنجة إلى الكويرة على تخليدها بأسمى مظاهر الفخر والاعتزاز كلما حلت ذكراها السنوية، هي قبل كل شيء ملحمة تاريخية ساطعة في مسار الكفاح الوطني المتواصل من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية لمملكتنا الشريفة، وقد جسدت مبادئ تشبث المغاربة بترابهم الوطني وإجماع كافة فئات وشرائح المجتمع المغربي على الوحدة، ونموذجا يحتذى في الرقي والتشبع بقيم السلم بعيدا عن الاستفزاز والعنف، حيث حرص جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه على تجنيب المغرب والمنطقة بكاملها حربا مدمرة، وتكريس مبدأ الحوار المثمر والهادف إلى تسوية أي نزاع مهما كان مفتعلا…
ولأن هذه الملحمة الوطنية التي تشهد بلدان العالم بأنها حدث تاريخي فريد، هي التي مهدت لانطلاق قطار البناء والتنمية في الأقاليم الجنوبية بالمملكة الشريفة، حيث تم الشروع في تعبئة وطنية شاملة وحقيقية، سعيا إلى النهوض بمختلف آليات التنمية والعمل على إزالة مخلفات المرحلة الاستعمارية، وتمكين هذه المناطق المغربية وساكنتها من تحقيق أرقى مظاهر الرخاء والازدهار، من خلال تطوير البنيات التحتية وإطلاق مشاريع تنموية عملاقة، وإحداث دينامية شاملة عمت عدة قطاعات خاصة الصحة والتعليم والتهيئة الحضرية، الطرق، الطاقات المتجددة، الفلاحة والنقل والسياحة، التشغيل والصناعة التقليدية والصيد البحري والبيئة والثقافة، ساهمت جميعها فيما هي عليه اليوم من تحول عميق يغري بزيارتها والاستثمار فيها، بعد أن ظلت إبان الاحتلال الإسباني خارج أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية…
فإننا لن نجد هنا في ختام ورقتنا هذه من رد على ذلك “الكرغلي” التافه والتائه أبلغ مما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه، ثالث الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، الذي كان بحق شعلة من الذكاء وتعد كلماته البليغة ميزانا من الذهب، حين رد على أحد الحاقدين من أعداء النجاح بالقول:
“قل ما شئت بمسبتي
فسكوتي عن اللئيم جواب
لست عديم الرد لكن
ما من أسد يرد على الكلاب”
فالمغرب إيمانا منه بعدالة قضيته الوطنية الأولى، سيستمر في شق طريقه بثبات نحو مراكمة المزيد من الانتصارات الدبلوماسية رغم كيد الكائدين، ودون أن يكون نباح الكلاب قادرا على إيقاف قافلة التنمية.