عمدة الرباط المثيرة للجدل!
اسماعيل الحلوتي
بعد خوضها غمار عدة تجارب في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغيرها، وأبانت على قدراتها في تقلد عديد المسؤوليات وحضورها المتميز في مراكز القرار، صار واضحا لدى الكثير ممن كانوا يشككون في مؤهلاتها أن المرأة المغربية لا تقل شأنا وحنكة عن شقيقها الرجل في تحمل المسؤولية مهما كانت جسامتها وحساسيتها، ولنا في ذلك نماذج نسائية ناجحة يضيق المكان في استيعابها وذكرها سواء في الحكومات المتعاقبة أو البرلمان أو القضاء أو الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والديريات الإقليمية أو المجالس الجماعية والجماعات الترابية وغيرها…
بيد أنه في المقابل وكما أن هناك رجالا فاشلين، هناك أيضا نساء أخفقن فيما أنيط بهن من مسؤوليات بسبب عنادهن أو تسرعهن في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة لعدم كفاية تجاربهن أو لاعتبارات أخرى، ممن لا تلبثن أن تكشفن عن الجانب “الخشن” في شخصياتهن ومدى تسلطهن. وفي هذا الإطار نجد عمدة عاصمة الأنوار الرباط “أسماء اغلالو” المحسوبة على حزب رئيس الحكومة “التجمع الوطني للأحرار”، التي استبشرت بها الساكنة الرباطية خيرا، وعلقت عليها آمالا عريضة ليس فقط في النهوض بمرافق المدينة، بل كذلك في إعطاء النموذج الأمثل في الاستقامة والنزاهة والحد من مظاهر الفساد.
لكن تجري الرياح أحيانا بما لا تشتهي السفن، إذ سرعان ما خاب ظن المواطنات والمواطنين وأفسدت عليهم السيدة العمدة فرحتهم، جراء ما بدأت تراكمه من أخطاء وفضائح زكمت روائحها الأنوف، إن على مستوى ما باتت تعرفه المدينة من انحسار بسبب التدبير السيء للمجلس الجماعي والتوتر المحتدم بينها ورؤساء مقاطعات المدينة الخمس وخاصة رئيس مقاطعة حسان المنتمي لحزبها، أو على مستويات أخرى كقضية “الموظفين الأشباح” وما ترتب عنها من جدل واسع وردود أفعال غاضبة، بسبب استمرار استنزاف المال العام وعدم سلكها المساطر القانونية لإيقاف النزيف، ولاسيما بعد الإعلان عن وجود 1700 شخصا يستفيدون من أجورهم الشهرية بشكل منتظم دون أداء أي عمل، فضلا عن توصلهم بنفس التعويضات التي يستفيد منها الموظفون الفعليون ممن يمارسون مهامهم في ظروف عادية.
كما تجدر الإشارة إلى تداول مجموعة من النشطاء وثيقة رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف عن اختفاء ثلاثة ملايير سنتيم من الفائض المالي، الذي سبق لعمدة الرباط الإفصاح عنه والمقدر بعشرة ملايير سنتيم، عندما كانت صرحت في لقاء حزبي عقب إحدى الدورات بالقول إن: “المجلس استطاع تغطية العجز وتحقيق فائض 10 ملايير سنتيم” قبل أن يتبين فيما بعد أن الرقم المصرح به سابقا يتعارض مع الذي عرض بشكل رسمي على المستشارين أي سبعة ملايير سنتيم فقط، وهو ما أثار نقاشا حادا ومطالبتها بالكشف عن حقيقة ما يحدث من تلاعب في المعطيات المالية، إما بتوضيح مصير الثلاثة ملايير أو تقديم تفسير واضح لما يقع من نفخ في الأرقام والدعاية لإنجازات وهمية وغير واقعية…
وليس هذا وحسب، إذ أنه وفي عز الظروف الصعبة التي تمر منها بلادنا بسبب غلاء الأسعار، الذي تكتوي بنيرانه الأسر الفقيرة والمتوسطة أمام ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدني مستوى الأجور، قامت عمدة العاصمة الإدارية دون أدنى مراعاة للاحتقان الاجتماعي القائم، وفي تجاهل تام للدورية الصادرة عن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الداعية إلى ضرورة الحرص على ترشيد النفقات وخاصة منها تلك المتعلقة بكراء السيارات، بإبرام صفقة تأجير ل”13″ سيارة فاخرة لفائدة نوابها المحظوظين في المجلس الجماعي بمبلغ 1,34 مليون درهم سنويا، فأين نحن يا ترى من ترشيد النفقات وتقليص الأعباء في شق ميزانية التجهيز، واحترام مشاعر المواطنات والمواطنين؟
وعلاوة على ما سلف ذكره لا يفوتنا التذكير هنا بما خلفه قرارها الأهوج في فبراير 2023، عندما أصرت بتزامن مع الارتفاع الصاروخي في أسعار الخضر والفواكه واللحوم والأسماك ومنتجات الحليب وغيرها وقبل أيام قليلة على حلول الشهر الفضيل رمضان، على فرض أداء واجب ركن السيارات على المواطنين وإعادة العمل ب”الصابو” في شوارع العاصمة، وهو ما استفز السكان وخاصة أولئك الذين يركنون سياراتهم أمام بيوتهم، وأدى بهم إلى الخروج للشارع للاستنكار والتنديد بهكذا قرار جائر…
فالمثير للاستغراب أن تقدم من تتولى عمودية عاصمة المغرب الإدارية، وهي واحدة من أعضاء حزب يقود التحالف الحكومي، ولم ينفك رئيسه عزيز أخنوش يرفع شعار الدولة الاجتماعية ويحث على حسن التدبير وترشيد النفقات، على إبرام صفقة كراء سيارات فارهة لنوابها من المال العام ضدا على دورية وزارة الداخلية، علما أن المجلس يملك سيارات مازالت صالحة للاستعمال ورثها عن المجلس السابق. هل من المعقول التمادي في هدر وتبديد المال العام، في وقت تعيش فيه بلادنا على صفيح ساخن، بسبب تصاعد وتيرة الغضب الشعبي أمام تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية؟
إننا مع مبدأ المناصفة وطالما دعونا إلى ضرورة تعزيز التمثيلية السياسية للنساء، والرفع من مشاركة المرأة في مناصب المسؤولية السياسية والإدارية والمساهمة في بناء القرار، ولاسيما أن دستور البلاد يقر مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكننا ندعو أيضا الأحزاب السياسية إلى الحرص على اعتماد الكفاءة والاستحقاق انتقاء مترشحيها خلال الاستحقاقات الانتخابية، وعدم الدفع بمن هم وهن ليسوا في مستوى تحمل المسؤولية رجالا كانوا أم نساء، تفاديا لمزيد من الفساد والاستهتار بالمسؤولية.