قواعد عمل من أجل حياة أسعد
ذ. محمود بودور
على عكس ما يتوقعه الكثير من الناس من العمل الجماعي في الادارات العمومية أو المدارس أوالمؤسسات التعليمية أو الشركات أو أي مكان يقتضي الاشتغال في جماعة، فقد يصبح مكان العمل محنة عظيمة تقض مضاجع الكثير منا في أحيان كثيرة .
فضغوطات العمل الصارمة ومتطلبات العمل الشاقة وطول ساعات العمل المضنية في مكان العمل وتعامل الزائرين والمواطنين والتلاميذ … وغيرها كثيرا ما تقسم ظهر حتى الأكفء منا. إضافة إلى أن هذه العوامل قد تصبح السبب الرئيس للمعاناة من ضغوطات أماكن العمل workplace stress وعدم الرضا على جودة الحياة بصفة عامة مما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى أمراض وعقد نفسية مستعصية قد تسبب بدورها أمراضا جسدية عضوية ممكن أن تؤدي لا قدر الله إلى حد وضع الإنسان حدا لحياته كما هو الواقع في كثير من الدول المتقدمة خاصة تلك التي يشتغل فيها الناس لساعات طويلة كما هو الحال في دول شرق آسيا. فيكثر الانتحار رغم رغد عيشهم ورفاهية حياتهم ومستواهم المعيش.
استوقفني في هذا الباب مقال باللغة الانجليزية https://www.google.com/amp/s/blog.vantagecircle.com/work-rules-for-happy-life/amp/ حول هذا الموضوع فأحببت أن أشارك أفكاره بتصرفي وتجربتي في إدارة تعليمية عمومية يشتغل فيها العشرات من الموظفين والأعوان ويلجها كل يوم صباحا ومساء وحتى يوم السبت- الذي هو يوم راحة بالاضافة الى الأحد في معظم ان لم أقل كل الدول الغربية- المئات من التلاميذ والزوار وأولياء أمورهم وغيرهم.
القاعدة الأولى:
إحترم الجميع لكن لا تثق بأحد ثقة عمياء:
احترم الجميع في مكتبك أو مكان عملك لكن إياك أن تصدق أو تثق بأحد بطريقة عمياء. في كثير من المرات نجد أنفسنا في مأزق كبير بسبب ثقتنا العمياء في أشخاص قد يكونوا مقربين منا بحكم اشتغالهم معنا جنبا الى جنب قبل أن نفكر مرتين. وبالتالي يجب علينا أن ندع علاقاتنا في مكان العمل علاقة رسمية دون أن نتعداها مع تجنب الثقة العمياء التي يمكن أن تأدي بنا إلى ما لا يحمد عقباه. فلا يمكن أن تعلم من قد يخدعك من أجل مصلحة شخصية رخيصة.
فهذه القاعدة في مكان العمل من القواعد الذهبية التي يجب أن نحافظ عليها.
أما الاحترام يا سادة فذلك عمود كل شيئ. فمن يحترم الناس يحترمه الناس. ومن ثبت أركان الاحترام في مكان عمله احترمه الجميع فكان محبوبا ومقبولا ومسموعا حتى من أراذل القوم.
ولقد شهدت فيما شهدت، أستاذة وصفت تلميذها داخل الفصل أمام أقرانه بالكلب، أعزكم الله، فرد عليها : انت كلبة بنت كلب. فقلت لها وهي تشكو لنا ما قاله التلميذ: أتنتظرين يا أستاذة من تلميذ في قمة مراهقته مع تغيراته الهرمونية والفزيلوجية تصفينه بهذا الوصف أن يقول لك شكرا يا أستاذة!!
والأمثلة في هذا الباب كثيرة أن تذكر هاهنا تكفينا منها العبرة وأخذ الدروس.
ومما يجلب الاحترام حسن الهندام. فيحرص المسؤول وخاصة الرئيس منهم على حسن مظهره أمام مرؤوسيه أوتلامذته أو زبنائه. فلا يروا منه الا مظهرا مقبولا وتعاملا لبقا وحسن سلوك.
2- حديث المكتب يبقى في المكتب:
فلا ينبغي لنا أن نشارك معلوماتنا الشخصية والعائلية مع زملاء العمل. والعكس أيضا صحيح: فلا ينبغي نقل كل ما يقع في العمل الى العائلة والاصدقاء. فقد تؤدي هذه المشاركة الى أن يحاكمنا الناس حسب ما يسمعونه عنا من القيل والقال مما قد يؤدي إلى مشاكل وتعقيدات جمة.
ومما ابتلي به كثير منا نحن رجال ونساء التعليم أننا نتحدث عن التعليم في كل مكان. فتجدنا في قاعة الاساتذة نتحدث عن مشاكل التعليم وهموم التلاميذ وشغبهم ومصائبهم اليومية. وفي البيت أيضا كثير منا لا يتحدث إلا عن المشاكل اليومية التي تقع في القسم أو المؤسسة. وتجدنا في المقاهي أيضا على نفس المواضيع.
وكأن التعليم جلد لصيق بنا لا ننفك ننسلخ منه إلا قليلا ممن استطاعوا أن يوازنوا بين الأمرين.
ومما عمت به البلوى في قطاعنا أيضا حديث الأستاذ عن حياته الشخصية والعائلية ومغامراته ورحلاته وأولاده داخل الفصول الدراسية. فيستخف به طلابه ويحفظون حديثه ويستهزؤون به في كثير من الأحيان. فيؤدي ذلك إلى انتشار الفوضى داخل الفصل وانكسار هيبة الأستاذ فيصبح مسخرة بينهم وحديثا للقريب والبعيد وقد يلقبونه بألقاب ساخرة فتضيع هيبته بين التلاميذ وتتكون صورة نمطية سلبية يتناقلها التلاميذ جيلا بعد جيل.
فالتحدي كل التحدي هو إعطاء كل ذي حق حقه وترك ما يحدث في مكان العمل هناك وأيضا ترك ما يقع في البيت داخل أسوار منازلنا.
3- مكان العمل ليس مكانا للرومانسية:
مقر العمل هو مكان يتفاعل فيه الناس ويلتقي فيه أشخاص بنفس الاهتمامات والمهارات. وطبعا بالضرورة تنسج فيه صداقات قد تفضي الى ارتباط دائم في إطار زواج. ومن المهم تجنب تطوير هذه الصداقات الى علاقات رومانسية داخل مكان العمل طبعا لانها قد تضر أو حتى تدمر المشوار المهني للشخص.
ونحن طبعا- نساء ورجال التعليم- لسنا استثناء. كثير منا تزوج من داخل مكان اشتغاله – اي استاذة مثله أو تلميذة. هذا الامر شرعي لا غبار عليه.
لكن تصرفات بعض المنسوبين الينا من الذين تورطوا في تحرشات بالتلميذات أساءت الى صورة التعليم في بلدنا بصفة عامة. فأصبحنا نسمع عن مدير أو أستاذ على أبواب التقاعد يتحرش بتلميذات في عمر بناته أو حفيداته. هذا عيب وعار وعلى من ابتلي بهذه الآفة أن يتوب إلى ربه وأن يستتر على الأقل.
وما يزيد الطين بلة عندما يتم التواصل عن طريق الهاتف النقال – البلاء الأزرق – فيتم التقاط مقاطع فيديو او اصوات يتم تداولها بين التلاميذ . ولكم أن تتصوروا الباقي….
“اذا ابتليتم فاستتروا” انها قاعدة نبوية عظيمة نظيفها هاهنا. فأماكن العمل ليست أماكن للرومانسية.
ورب سقطة بسيطة ورثت ذلا أبديا.
قد يخطأ الانسان في آخر أيامه قبل تقاعده ، وبدلا من أن يكرم ينتهي به المطاف بين ردهات المحاكم والمجالس التأديبية إضافة الى المشاكل الشخصية وتشتت العائلة ويذكره الناس بشر الى يوم الدين.
3- احترم وقت الدخول والخروج من العمل:
الوصول الى مكان العمل في الوقت المناسب سيخلف انطباعا رائعا عليك لدى الآخرين. وستكسب ودهم واحترامهم. وانصرافك في الوقت المحدد أيضا سيضمن لك الوقت المناسب لنفسك وأهلك.
4 – لا تنتظر أحدا أن يخدمك:
في مكان العمل أخدم نفسك بنفسك ولا تنتظر أن يخدمك الآخرون من زملاء وإداريين وأعوان وتلاميذ. قم بمهامك على أحسن وجه. بل تطوع أنت لخدمة تلامذتك والاهتمام بقسمك ومؤسستك فهي منزلك الثاني. فسعاتك في خدمة الآخرين وليس في خدمة مصالحك. سيجعلك ذلك أسعد الناس وسيدهم.
5- التعلم لا ينتهي ” من المهد الى اللحد”:
دائما ما أقول إن أحسن متعلم في القسم هو الأستاذ/ة نفسه/ا. من المهد إلى اللحد هو شعارنا جميعا.
6- لا تشخصن الأمور:
تجنب أن تأخذ ما يقع في مكان العمل من احتكاكات وسوء تفاهمات بسبب ظروف العمل بشكل شخصي. لا تجعلها تأثر على صفاء نفسيتك وهناء بالك وسريرتك. فأمور كهذه غالبا ما تقع في كل مكان خاصة مع رؤسائك المباشرين. حاول أن تصلح الأمور بشكل ودي وحضاري فإن لم تفلح تجاهل ذلك وركز على الأمور الإيجابية ودع الوقت يعالج الجروح.
8- العائلة فوق كل اعتبار:
أهم شيئ في الحياة هو سعادة أفراد عائلتك. فاجعلهم أولى أولوياتك ولا تدع منغصات العمل الحتمية تضيع علاقاتك العائلية. فلن تجد في الأخير الا زوجتك وأولادك بجانبك إن أحسنت معاشرتهم طبعا وأديت مسؤوليتك تجاههم بحكمة وتبصر.
9- لا تبقى خاملا في مكان عملك:
فكثرة الجلوس والعمل على الحواسيب تضر بصحتك الجسدية والعقلية. تحرك باستمرار واعتبرها رياضة لجسدك. واخدم نفسك بنفسك كما قلت سابقا فذلك خير لنفسيتك وبدنك. وخذ قسطا من الراحة وتجول داخل مكان عملك كلما سنحت لك الفرصة.
10-لا تضيع وقتك في المقارنة مع الآخرين:
تذكر دائما أن كل واحد منا مختلف عن الآخرين في قدراته ومواهبه وإمكانياته ومستوى عيشه. إرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس. لكن ليس عيبا أن تحسن دخلك ومستواك المعيشي إذا كان ذلك بالطرق المشروعة وليس بابتزاز أولاد الشعب الفقير بالساعات الخصوصية باليل والنهار واللهف وراء المدارس الخصوصية على حساب مبادئك وأخلاق هذه المهنة النبيلة المقدسة.
12- اعرف قدراتك وحدودك:
اعرف ما أنت قادر على فعله في العمل وآمن بها. وابذل قصارى جهدك لانجاز مهامك على أحسن وجه. لكن إياك أن تحرق كل مؤهلاتك وطاقتك في أولى سنواتك. فالمشوار طويل ومرهق خاصة بالنسبة لنساء التعليم لانهن يتحملن مسؤوليات كثيرة. كلما ارتفع هرمون الكورتزول – هرمون القلق – كلما هبطت مناعة الجسم. فالرهان كل الرهان أن ننهي عملنا ونحن في صحة وعافية.
13- الالتزام دون مبالغة:
ضع حدا دقيقا بين الالتزام والمبالغة في الالتزام. فالعمل لا ينتهي أبدا . فكثير منا يقضي حتى أوقات فراغه بل أوقاتا من الليل في مكان عمله بينما هو وقت للعائلة والرياضة والالتزامات الشخصية الأخرى.
14- تعلم أن تضحك على أخطائك:
ومن منا لا يخطئ؟!! خذ الامور بخفة نفس وليس بجدية دائما فتهلك هدوء نفسك وأعصابك. ففي كثير من المرات تكون أخطاء خفيفة لا تستدعي أن نتعصب عليها ونقتل أنفسنا.
15- لا للكراهية والغضب:
ليس عيبا أن لا تحب أحدا لكن لا تكرهه. الكراهية والغضب صفتان تدمران الحياة العملية والشخصية على حد سواء ولهما تأثير كبير على القدرات العقلية للشخص. حاول أن تتجنبهما قدر الامكان. فإن كانت لك ضغينة مع أحدهم فحاول أن تعالج الأمر وسامح فأنت الرابح. وإلا فانس الأمر ولا تحمل في نفسك الكراهية والغضب فأنت تدمر نفسك بنفسك.
16- تجاوز الماضي وعش الحاضر:
دع أخطاء الماضي وركز على حاضرك وما هو موجود بين يديك. عش الحاضر فالماضي قد ولى وفات ولن يعود أبدا. لا تفوت فرص الحاضر فلربما لا تتكرر مرة أخرى. وركز على استغلال الحاضر لتجد مستقبلا مشرقا.
17 – لا تعط الأولوية للخلافات :
لا تعط أهمية كبيرة للخلافات التي تقع في مكان العمل. ولا تكترث لمن سيكون الغالب فيها. حاول أن تبتعد عن الصراعات والسجالات داخل العمل. فإن وجدت نفسك تجاهها لا محالة فالأفضل الالتزام بالسكوت لكي لا تخرج الأمور عن السيطرة وتتطور لا قدر الله الى ما لا تحمد عقباه.
18- انت من يتحكم بسعادتك:
تذكر دائما أنك أنت من يملك السلطة على سعادتك. تذكر القولة الجميلة” اذا أعطتك الحياة ليمونا فاصنع به مشروبا لذيذا” . كل ما يقع في مكان العمل يمكنك أن تصنع منه شيئا جميلا.
19- اضحك وابتسم أكثر:
لابد أنك سمعت الناس يقولون إن أفضل دواء في العالم هو الضحك. فهو يخفف ضغوطات العمل ويجعل الثقيل خفيفا. إضافة الى ذلك فالضحك والابتسامة معديان وينشران السعادة بين الناس. فابتسم دائما مع الزملاء والرؤساء والمرتفقين فتبسمك في وجوههم صدقة.
20- احرص على النظافة والنظام في مكان العمل:
يلعب محيط عملك دورا مفصليا في تحديد مزاجك في العمل ونفسيتك على العموم. اذا كان مكان عملك أو مكتبك أو قسمك نظيفا ومرتبا وجميلا فذلك كله يحفز من انتاجيتك ومردوديتك ويبعدك عن التوتر والقلق ويبعدك عن كثير من الأمراض والمشاكل الصحية. فاحرص على دوام النظافة والنظام داخل مكان اشتغالك. اترك مكانك نظيفا كما تحب أن تجده نظيفا. وهذه فرصة رائعة لتربية التلاميذ على التطوع لتنظيف القسم في 5 دقائق كلما سنحت الفرصة.
21- كن إيجابيا دائما:
كن دائما إيجابيا في كل شيئ وروض عقليتك على الإيجابية في مكان العمل. ابتعد عن المحبطين. واذا كنت تمر بأوقات صعبة فاعلم علم اليقين أن لا شيئ يدوم الى الأبد فإن بعد العسر يسرا. لا تفقد الأمل واعمل بجد واجتهاد ولا تيأس وتيقن أن جهودك لن تذهب سدى وستكافأ على ذلك ولو بعد حين.
ذ. محمود بودور