دفاعا عن اللقلاق
محمد شحلال
يعتبر طائر اللقلاق من الطيور التي تتعايش مع الإنسان في كل بقاع العالم،وتحظى باحترامه باعتباره أحد المساهمين الجادين في التوازن الإيكولوجي.
يستمد،،برارج،،كما نسميه ببلدتنا،أو ،،بلارج،،عند آخرين،تقديره من اختياره لقمم المآذن كمحطة للإقامة والتزاوج عند عودته من رحلة الهجرة،كما قد يكتفي بأسطح بعض المنازل والأشجار القريبة من السكان لبناء عشه لما يشعر به من أمن متوارث.
لم يجد،،برارج،،في بلدتنا ما يحفزه على الإقامة وكأنه قرأ الطيش والإذاية في عيون الأهالي ،فاكتفى بالعبور في الأجواء نحو وجهات أخرى،ومع ذلك فإن الناس كانوا يتوسمون خيرا في السنة عندما يسجل مروره في من غير توقف.
خلال الأيام الأخيرة،تحول طائر اللقلاق إلى مادة دسمة في الإعلام الجزائري ،حينما كشف أحد مستشاري رئيس الدولة المكلفين بالتوثيق، سرا موغلا في السذاجة الفكرية، وهو يورد بلسان الواثق من نفسه ،كيف أن لقلاقا مزق علم فرنسا المحتلة،فتم،،قصفه،،ليفقد إحدى قائمتيه قبل أن ينعقد مجلس للمحاكمة لم يتردد في الحكم على الطائر،،الطائش،،بالمؤبد، وظل يعاني الألم إلى أن تم علاجه وتوثيق قصته مع المحتل ليتحول إلى بطل من أبطال المقاومة !
ما كاد المستشار المفلق ينهي هذيانه المقرف،حتى انبرى أحد الإئمة ليسرد حكاية أخرى حول،،بلارج،،بز بها مستشار الرئيس،ونسج قصة لن تصدقها أقوى العجائز سذاجة،ذلك أن رجل الدين قد كشف بأن ،،بلارج،،قد اختطف صبيا ذات زمن من سنوات الاحتلال،وفشل سلاح الجو الفرنسي في استعادته،وتمكن الطائر من وضع الصبي في مسجد وتم تبنيه من طرف عائلة أحسنت تربيته وأدخلته إلى الجندية حيث أبلى بلاء حسنا في الثورة،و،،طرد،،فرنسا الغاشمة،ولم يكن ذلك الصبي سور،،الفريق،،شنقريحة !
بالعودة إلى التاريخ،فإن رجل الجزائر القوي، لم يكن مؤهلا للمقاومة لصغر سنه يومئذ،ثم إنه يجب أن يكون بحجم سمكة أو قشة ليتمكن اللقلاق من حمله والهروب به من طائرات العدو كما أوضح الراوي المفتري على الطائر الوديع.
إن طائر اللقلاق المخلص لنهجه في الحياة،قد تعرض قبل اليوم لافتراءات عديدة ،تثبت بأن الإنسان في عالمنا العربي قد تجاوز كل حدود المنطق حين ينسب للطير والحيوان قصصا ما أنزل الله بها من سلطان،وكان للمغاربة نصيبهم من ذلك.
عندما اشتغلت بمدينة جرسيف،روى لي بعض الأشخاص بأن طائر لقلاق كان قد بنى عشه على سطح أحد الأبنية بقصبة،،امسون،،غير البعيدة،ثم إن شخصا قد تسلل يوما إلى عش الطائر خلال غيابه بحثا عن الطعام،فسرق إحدى بيضتيه ووضع مكانها بيضة غراب.
بعد أيام،انفرجت البيضة الدخيلة عن فرخ أسود،وهو مما جعل الطائر الأب يجن جنونه ،ثم غاب هنيهة قبل أن يعود مع وفد كبير من اللقالق التي أحاطت ب،،الزوجة الزانية،،ظلما ثم قتلتها وانصرفت !
كنت قد تأثرت لسماع القصة الغريبة التي يصعب تكذيبها، لكني ما لبثت أن أصبت بالمرارة حينما سمعت القصة ذاتها في برنامج إذاعي ،وقد زعم راويها بأنها حدثت في مكان آخر قبل أن اسمع آخر يتحدث عن حصولها في ،،فضاء،،ثالث !
لقد دفعتني حكايات اللقلاق المفترى عليه إلى استحضار مجموعة من القصص والأساطير التي سمعناها في الصغر، والتي ارتبطت في أذهاننا بأمكنة محددة،لكن قناعاتنا الساذجة سرعان ما خمد أوارها بعدما تشعبت الروايات والأمكنة مع مرور الأيام، لنشعر بالحاجة الماسة لإعادة بناء وتشكيل مأثوراتنا التي لعبت بها الألسن.
إن المتابع لتناسل المعجزات في جزائر الثورة،لا يسعه إلا أن يشفق لحال النظام هناك، وهو ينتقل من الفكر الثوري، إلى نكوص خطير، ربما قاد البلاد نحو المجهول بعدما نما حلف الاستحمار في كل قنوات التواصل الرسمية والخاصة إرضاء لنزوات نظام مريض،أما اللقلاق فسيظل في الأجواء يمارس حياته المرسومة، تاركا زمرة الأفاكين تتنافس في بث الجهل.
*ترفعت عن نقل فيديو كل من مستشار الرئيس ورجل الدين رحمة المتابعين…