القرار الأهوج لعمدة مراكش!
اسماعيل الحلوتي
بعد أن قطع رئيس الحكومة عزيز أخنوش الشك باليقين بخصوص إحياء المغاربة شعيرة عيد الأضحى لهذا العام 1444 خلال الجلسة العمومية للأسئلة الشفهية الشهرية المنعقدة بمجلس النواب يوم الاثنين 8 ماي 2023، منهيا بذلك الجدل القائم حول إمكانية إلغائها، ومؤكدا في ذات الوقت على أن الحكومة ستكون حريصة على ضبط أسعار الأضاحي، وستبذل قصارى جهودها من أجل أن تظل الأسعار في الفترة المقبلة مستقرة وفي متناول المواطنين، رغم الظرفية الفلاحية الصعبة التي تمر منها البلاد.
وبعد أن وافقت الحكومة على استيراد الأغنام القابلة للذبح بسبب الأزمة القائمة في اللحوم الحمراء، وأوضحت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بأنه في ظل الوضع الحالي الذي يتسم بالجفاف الشديد وما له من تأثير مباشر على القطيع الوطني، قرر المغرب المضي في استيراد الأغنام المعدة للذبح لضمان إمداد السوق الوطنية باللحوم.
وصار الباب موصدا في وجه آلاف الأسر المغربية التي كانت تمني النفس أمام ضعف القدرة الشرائية، بأن يحذو ملك البلاد وأمير المؤمنين محمد السادس حذو والده المغفور له الحسن الثاني، الذي اضطر بسبب الجفاف المتواصل إلى إلغاء الاحتفال بعيد الأضحى خلال سنوات 1963 و1982 و1996. وعدم إيلاء مدبري الشأن العام أدنى اهتمام بآلام المواطنين ولا بذلك الهاشتاغ الذي اجتاح شبكات التواصل الاجتماعي للمطالبة ب”إلغاء عيد الأضحى 2023″ في ظل مسلسل غلاء أسعار المواد الغذائية الذي شمل كذلك الأعلاف والمواشي التي تأثرت بفعل التضخم، حيث أنه بلغ معدل 10 في المائة حسب ما أعلنت عنه المندوبية السامية للتخطيط…
شرع الكثير من المواطنات والمواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود في البحث عن مخرج أو أي وسيلة من شأنها تمكينهم من توفير ثمن أضحية العيد لفائدة أطفالهم الصغار، وهم الذين أنهك جيوبهم مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي أرخت بظلالها على باقي أسعار المواد الغذائية من خضر وفواكه ولحوم وأسماك ومنتجات الحليب وغيرها كثير. إذ منهم من أصبح يفكر في الاقتراض سواء عبر مؤسسات القروض الصغرى المنتشرة في جميع ربوع المغرب، أو من عند الأهل والأقارب وسواهم أو بيع بعض الأثاث والأغراض المنزلية…
فإذا بالساكنة المراكشية تفاجأ بقرار جائر لعمدة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري القيادية بحزب الأصالة والمعاصرة ووزيرة التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، الذي نزل على رؤوسهم كالصاعقة. وهو القرار الذي يقضي بعقد جلسة يوم الجمعة تاسع يونيو 2023 من أجل تخفيض عدد الأسواق المقرر كراؤها لعرض الأغنام المعدة للذبح بمناسبة عيد الأضحى والاكتفاء بسوق واحد فقط، حددت موقعه في الطريق الوطنية الرابطة بين مدينة مراكش ومدينة ورززات أمام دوار أولاد الكرن مقاطعة النخيل، والذي يبعد عن ساكنة المدينة بحوالي 30 كيلو متر، على ألا تتجاوز مدة الكراء عشرة أيام من فاتح ذي الحجة 1444 إلى العاشر منه.
وهو ما أثار استياء عارما في أوساط سكان المدينة الحمراء وخلف ردود فعل غاضبة، حيث تساءل الكثيرون كيف يعقل أن يخصص سوق أغنام واحد ووحيد لمدينة بحجم مراكش، لما قد يطرح من عبء إضافي وإشكاليات متعددة، منها غلاء أسعار الأضاحي ومصاريف التنقل لبعد السوق عن العديد من الأحياء والمناطق وما قد يترتب عن ذلك من حالة الاكتظاظ والازدحام وما يصاحبه من مشاكل أخرى مختلفة؟
ومن المفارقات الغريبة التي تظهر إلى أي حد أن مدبري الشأن العام ببلادنا يخبطون خبط عشواء في اتخاذ القرارات دون احتكام للعقل والمنطق، أن عمدة مراكش هي نفسها من سبق لها أن راسلت رؤساء مقاطعات المدينة، داعية إياهم إلى الالتزام بتوفير مستلزمات دفن الأموات من كفن وصندوق عند الضرورة بالمشرحة الجماعية، ووضعها بالمجان رهن إشارة المواطنين الوافدين عليها لتسلم جثث ذويهم، وذلك اعتبارا من 30 مارس 2023. وقد تم بالفعل الشروع في تفعيله من قبل المكتب الجماعي لحفظ الصحة، بهدف التخفيف من أعباء ومصاريف الدفن، ولاسيما بالنسبة للفئات الفقيرة والمعوزة، كما ورد في المراسلة الإدارية. فكيف إذن لمن يفكر في التخفيف من مصاريف الدفن عن ذوي الأموات، أن يضاعف آلام الأحياء بإضافة أعباء التنقل إلى سوق الأغنام ومصاريف حمل الأضاحي إلى بيوتهم؟
فقرار عمدة مراكش الأخير الذي يطالب المراكشيون بالتراجع الفوري عنه، ليس في واقع الأمر سوى نموذجا من القرارات الهوجاء، التي تكشف عن قصر النظر والاستبداد بالرأي لدى عدد من المسؤولين ممن أسندت إليهم مهام تدبير الشأن العام ببلادنا، مما يستدعي إعادة النظر في المعايير المعتمدة في انتقاء المرشحين للاستحقاقات الانتخابية والمناصب العليا من قبل الأحزاب السياسية، حيث يتعين على الشخص المسؤول قبل اتخاذ أي قرار التصرف بحكمة وحسن الإصغاء والتواصل …