هل يعكس ارتفاع نسب النجاح واقع التعليم ببلادنا؟!
اسماعيل الحلوتي
عند نهاية الموسم الدراسي من كل سنة، ومباشرة بعد الشروع في الإعلان عن النتائج النهائية، وخاصة منها تلك المتعلقة بالامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا، يتجدد النقاش في أوساط الأسر وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ليس فقط حول ارتفاع نسبة النجاح في مختلف الشعب والمسالك الدراسية، بل كذلك حول ارتفاع معدلات النجاح المحصل عليها من قبل نخبة من التلاميذ المتميزين في المدرسة العمومية، التي تصل أحيانا إلى حوالي 19 من 20.
بينما يكاد الحديث لا ينقطع على مدار السنة والسنوات الماضية عن ارتفاع وتيرة الإضرابات المتوالية، ومدى انعكاساتها على مستوى التحصيل لدى التلاميذ وخاصة في التعليم الثانوي التأهيلي، فضلا عما تعاني المنظومة التعليمية ببلادنا من اختلالات بنيوية وهيكلية، لم تجد نفعا في تجاوزها تلك الميزانيات الضخمة، التي أنفقت في عمليات الإصلاح وإعادة الإصلاح والبرامج والمخططات الاستعجالية وغيرها…
فبصرف النظر عن نسبة النجاح في الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا برسم دورة يونيو 2023 العادية، المعلن عنها في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين 19 يونيو 2023 من قبل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، التي تكاد لا تختلف كثيرا عن سابقاتها في السنوات الماضية، فإن ما لا يستطيع استساغته الكثير من المهتمين بالشأن التربوي وغيرهم من الملاحظين والخبراء، هو هذا الارتفاع اللافت لنسب النجاح في جميع الأسلاك التعليمية الثلاثة: التعليم الأساسي، التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي، التي تصل حوالي مائة في المائة بالنسبة للتعليمين الأساسي والإعدادي و75 في المائة بالنسبة للبكالوريا في مجموع الدورتين العادية والاستدراكية، وهو ما يتناقض مع مضامين التقارير الوطنية والدولية والخطب الملكية، التي كشفت في عدة مناسبات عن الصور القاتمة لقطاع التعليم.
فطالما ارتفعت أصوات الشجب والاستنكار منددة بوضعية التعليم المتأزمة التي لا تنحصر فقط في مشكل الاكتظاظ الحاصل في الفصول الدراسية أو ضعف البنيات التحتية وقلة التجهيزات البيداغوجية والنقص الصارخ في الموارد البشرية، وإنما في ضعف مستوى المنتوج التعليمي ككل، كما يتضح جليا من ارتفاع معدلات الهدر المدرسي والجامعي وجحافل العاطلين. ودون الخوض في خلاصات تلك الدراسات والتقارير التي دقت ناقوس الخطر أكثر من مرة ودعت المسؤولين والفاعلين والمتدخلين في قضايا التربية والتكوين إلى التعجيل بمعالجة الوضع الكارثي دون جدوى، ويكفي أن نستحضر هنا بعجالة ما جاء في خطاب 20 غشت 2013 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب حول منظومتنا التعليمية، حيث قال جلالة الملك محمد السادس بصراحته المعهودة: “إن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية في التخصصات التقنية والتعليم العالي، وهو ما يقتضي تأهيل المتعلم أو الطالب على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه”
ترى ماذا تحقق مما دعا إليه عاهل البلاد والتقارير الوطنية والدولية من إصلاحات حقيقية؟ المؤسف هو أن وصفات الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية الوطنية لم تجد نفعا في معالجة العلل المتراكمة، التي أدت بالمدرسة المغربية إلى احتلال مراتب متدنية في مؤشرات جودة التعليم العالمية، وغياب الجامعات الوطنية في ترتيب الجامعات الدولية. فكيف يمكن تفسير ارتفاع نسب النجاح، في ظل وجود أرقام مقلقة وصادمة تعكس التردي الحاصل وفق ما صرح به الوزير الوصي على القطاع شكيب بنموسى، منها أن 70 في المائة من التلاميذ لا يتحكمون في المقرر الدراسي عند استكمالهم التعليم الابتدائي، وأن 30 في المائة فقط من التلاميذ الذين يتمكنون عند نهاية المرحلة الابتدائية من المقرر الدراسي، وأن 10 في المائة من تلاميذ التعليم الإعدادي هم فقط من يتمكنون من المقرر الدراسي عند نهاية المرحلة…
فالمغاربة ليسوا بحاجة إلى استمرار المتعاقبين على تدبير الشأن التربوي في التشخيص وإعادة التشخيص وترديد تلك الأرقام الصادمة على مسامعهم عبر قنوات التلفزيون والمحطات الإذاعية، وضاقوا ذرعا بسماع تلك الأسطوانة المشروخة حول تدني مستوى تلاميذ المدرسة العمومية، مادام الجميع يعلم جيدا أن قطاع التعليم يعاني عديد العيوب والنقائص، بسبب سوء التدبير واستشراء الفساد في ظل غياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ناهيكم عن انعدام الإرادة السياسية الحقيقة للإصلاح الفعلي.
إن ارتفاع المعدلات ونسب النجاح في البكالوريا وغيرها من المستويات، لا تعكس حقيقة المستوى المعرفي والمهاري للتلاميذ، وإنما يخضع إلى عدة عوامل ومنها مثلا نفخ نقط المراقبة المستمرة وما يشوب عملية المراقبة من تساهل وغش إبان الامتحانات الإشهادية، خاصة في ظل استعمال وسائل تكنولوجية متقدمة تتجاوز أحيانا قدرات وإمكانيات لجن الحراسة، فضلا عن تنميط هذه الامتحانات ولجوء تجار الساعات “الإضافية” إلى تكييف المقررات والطرق البيداغوجية…