الذل والهوان في دولة الجيران!
محمد إنفي
مظاهر الذل والهوان في دولة الجزائر لا تعد ولا تحصى؛ ومن يغامر بتعدادها، ثم تعريفها وتوصيفها قبل تصنيفها، سوف يجد نفسه أمام أكوام من الأوراق، لا يمكن لمقال رأي أن يستوعبها؛ بل هي تصلح كباب في موسوعة خاصة بالظواهر النفسية والاجتماعية والأخلاقية…؛ وبالأخص تلك التي تحيد عن العادي والطبيعي. لذا، سوف نكتفي ببعض العينات التي تنضح ذُلاً ومهانةً وتقطر ضَعَةً وصَغاراً.
لن نعود إلى الإهانات المتكررة التي توجهها فرنسا إلى مقاطعتها الإفريقية السابقة، منذ عهد شارل ديغول إلى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون؛ وأقصى ما يفعله النظام الجزائري، أمام هذه الإهانات، هو ردة فعل لحظية، قبل أن يعود إلى نفسه، فيتذلل ويتودد ويطأطئ الرأس، ثم يعود إلى بيت الطاعة دون أي اعتبار أو إشارة من الطرف الآخر؛ كما لن نتناول آخر فضيحة “بجماجم” المتمثلة في طرد السفير الإماراتي من الجزائر والتراجع عن القرار في وقت قياسي؛ ناهيك عن تفاعلات وتبعات هذا الحادث الغريب.
وسوف نقتصر، في حديثنا هذا، عن زيارة السيد عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية (عن الاسم والمسمى، أنظر مقالنا بعنوان ” دولة الجزائر ودولة المغرب بين الاسم والمسمى”، “الحوار المتمدن”، الموقع الفرعي باسم محمد إنفي، بتاريخ 15 يناير 2022) لروسيا الاتحادية لما فيها من مفاجئات مضحكة ومؤسفة ومقززة في نفس الآن؛ وبمعنى آخر، لغناها بمواقف الذل والهوان.
وقد احتفى الإعلام الجزائري بهذه الزيارة ووصفها بالناجحة والتاريخية (هي تاريخية، بالفعل، بعثراتها وسقطاتها)؛ بينما هي كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وقد شاهد العالم الطريقة التي تم استقباله بها في مطار موسكو، وتابع بعد ذلك خطاب التخبط والانبطاح والتذلل والانكسار، المليء بالسقطات التاريخية والأخلاقية والديبلوماسية، بما في ذلك التفريط في السيادة الوطنية. لقد جعل تبون من بوتين حامي حرية الجزائريين (كل العزاء لأحرار الجزائر) وضامن استقلال البلاد والمؤتمن على صونه. وكيف لا، والرئيس الجزائري يعترف بالجميل لروسيا التي “ساهمت”، حسب زعمه، بشكل كبير في استقلال الجزائر؟ أليس هذا الاحتفاء بزيارة تبون إلى روسيا وبالكلمة – الفضيحة التي ألقاها في قصر الكرملين، دليلا على الاحتفاء بالمهانة والمذلة، والتفاهة والرداءة…؟
فأين دورٍ الجيش الوطني الشعبي في الحفاظ على استقلال البلاد؟ وأين ذهبت تضحيات ملايين الشهداء الذين تتم المتاجرة بعددهم على مدار الساعة؟ وأين اختفت مقولة تبون: “الجزائر قوة، قوة ضاربة”، ومقولة “شنكريحة”: “الجيش الجزائري أكبر قوة عسكرية في المنطقة”، ورواد التواصل الاجتماعي يعلمون جيدا أن تدوينات الفايسبوك ترعبه وتقض مضجعه؟ فماذا بقي من “النيف” الجزائري أمام “القيصر” الروسي الجديد؟ وهل هناك ذل وصَغار أكبر من تقديم الجزائر من قبل رئيس جمهوريتها على أنها محمية روسية؟ وبالأخص في هذا الوقت بالذات حيث بوتين يبحث عن استعادة الأسلحة من زبائنه لمواجهة الخصاص في العتاد والذخيرة في حربه ضد أوكرانيا. وهل يمكن وصف كلمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغير خطاب الضَّعَة والمذلة واحتقار الذات…؟ ويا لها من إهانة للدولة التي يمثلها عبد المجيد تبون!
وفي انتظار أن تدخل الجزائر إلى منظمة “البريكس”، التي تنتظر منها هذه المنظمة أن تعطيها دفعة قوية (إلى الخلف، بدون شك) بفضل اقتصادها المتنوع وعملتها القوية والدخل الفردي المرتفع الذي يجعل الجزائري يعش في بحبوحة؛ وفي انتظار ذلك، لا بد أن نسجل أكبر مهزلة وأذل موقف هزلي وقع فيه تبون، وهو يخاطب بوتين. لقد وصفه تبون بصيق العالم؛ وبوتين نفسه لم يخف استغرابه من بلادة هذا الرجل؛ وقد عبر عن ذلك بابتسامة ساخرة وعريضة، ولسان حاله يقول: كيف لهذا البليد أن يعتبرني صديق العالم، وهذا العالم قد تضرر من الحرب التي أعلنتها على أوكرانيا؟ وكيف له أن يطلق هذا الكلام الغبي وأنا أواجه الغرب كله في هذه الحرب؟
خلاصة القول، الجزائر تتخبط وتعاني من الفشل في كل شيء، بما ذلك الكذب والإشاعات وفبركة الاتهامات ضد المغرب؛ مع الإشارة إلى أن هذا الأخير بإعلامه الرسمي ومؤسساته، لا يلقي أي بال لما يصدر عن إعلام “الصرف الصحي” الجزائري الذي يعمل على تحويل اهتمام الرأي العام الداخلي بهدف التغطية عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الجزائري، سواء في حريته (كثرة الاعتقالات) أو في قوته اليومي. ولا نحتاج، في هذا الباب، أن نُذكِّر بالطوابير ألا متناهية من أجل الحصول على قسط يسير من المواد الغذائية الأساسية الضرورية. والأمر قد أصبح معتادا في بلاد غنية بثرواتها الطبيعية. أليس هذا هو الذل والهوان بعينه؟ أليس في الأمر إذلال للشعب الجزائري وإهانة له؟ ألا يستحيي النظام الغبي من هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الجزائري؟…
مكناس في 23 يونيو 2023