الجزائر و،،إزلي أوضرضور،،
شحلال محمد
هجرت القلم منذ بضعة أيام ممتثلا لضغط ظرف طارىء،لكني لا أفرط في متابعة تصاعد عدوانية النظام الجزائري على كل ما يمت بصلة لبلادنا ولو كان ناقل العدوان من هذا الجار، في أرض الحرمين الشريفين.
ولنقل جزء من صورة ما يجري في أبواق الطغمة العسكرية،فإني أمتح هذه المرة من مثل عريق ببلدتنا،وهو مثل أمازيغي صرف.
لقد كان الفضل في نشأة هذا المثل، مرتبطا بمناسبة الأفراح التي يحييها الأهالي خاصة عند اقتراب الأعراس،حيث اعتاد الناس أن يلتئموا بانتظام كل ليلة لينتشوا برقصة،،بوشطبة،،الأسطورية.
تتلخص معدات هذه الرقصة في امتلاك عباءة بيضاء ودف ناطق، ثم رصيد من ،،إزلان،،( جمع إزلي) وهو بيت شعري من محفوظات الراقصين، أو هو ارتجال توحي به الأجواء التي تذكيها النساء بالزغاريد وإشارات الغواية التي يلتقطها الدهاة من الطرفين.
يفتتح الرقص من خلال ما تجود به قريحة أحد خبراء الميدان،ثم سرعان ما تنحل عقدة الألسن فيتنافس الراقصون في إبداع،،إزلان،،أملا في حصد أوفى نصيب من زغاريد الإعجاب وتبعاتها.
حدث أن شارك رجل أصم (أضرضور)قديما في افتتاح إحدى سهرات،،بوشطبة،،وراح يردد الجزء الموكول لصفه في ضبط الإيقاع،لكنه فاته أن يواكب المستجدات المتسارعة بسبب المنافسة،ولذلك،ظل يردد اللازمة التي افتتح بها الحفل.
لقد حرص على أن يردد،،فاطنة،،الواردة في،،إزلي،،الافتتاح، بينما انتقل شركاؤه إلى،،حليمة ويامنة وامباركة،،بل إن الإبداع قد تشعبت أهدافه وأدواته وصاحبنا ما يزال وفيا لما التقطته أذنه أول الأمر،مما أثر على الإيقاع وخلق خلطا مقرفا في الأسماع،وكان لا بد من إيقاف الرقصة لتصحيح الوضع بكل ما ينجم عن ذلك من اختلال وفتور في وتيرة السهرة.
كان هذا الحادث كافيا ليتحول إلى مثل كلما ظهر بين الناس شخص يتمسك، بل يتعصب لأمر عفا عنه الزمن،حيث يبادر الناس إلى القول بأنه لا يعدو أن يكون مجرد،،إزلي أوضرضور،، الذي لا يعتد به ولا تترتب عنه أدنى قيمة.
إن الحال في ثكنة الطغمة الحاكمة بالقطر الجزائري،ليس إلا صورة أخرى ل،،إزلي أوضرضور،،ذلك أن هؤلاء الحكام ما زالوا آسارى إيديولوجية كتب لها أن تتوهج لبعض الوقت بعد نجاح ثورات الشعوب المستعمرة،حيث ظهر في الساحة زعماء سرعان ما استرقوا النجومية الثورية وأنشأوا تنظيم ،،دول عدم الانحياز،،التي ارتبطت بأسماء تاريخية من أمثال : الماريشال اليوغوسلافي بروز تيتو والهندي نهرو والأندونيسي أحمد شوكارنو و الكوبي فيديل كاسترو وجمال عبد الناصر بمصر،قبل أن ينضم الرئيس هواري بومدين لهذا التنظيم غير البريء،ويتحول إلى خطيب تلهج باسمه كثير من الشعوب التواقة للحرية.
لقد عرف بومدين كيف يلمس مشاعر الجماهير الدفينة ويلهبها عبر التطلعات الحالمة ،من خلال تفريخ لائحة مفتوحة من الشعارات التي كان على رأسها،ربط التحرر والتنمية بالقضاء على الأنظمة الملكية باعتبارها عائقا يكرس الرجعية،مما جعل الراحل الحسن الثاني-رحمه الله-على رأس قائمة المستهدفين،لكن القدر كتب لعاهل البلاد أن يعيش ويموت في أحضان شعبه،بينما انتهى ،،بوخروبة،،نهاية مأساوية انتهى معها ذكره بشكل يبعث في النفوس أسئلة سوريالية.
تعاقب رؤساء عديدون على رأس الدولة الجزائرية،لكن لازمة،،إزلي أوضرضور،،حافظت بقوة على استمرارها،حيث يزداد منسوب الحقد والكراهية لنظامنا الملكي ولكل ما هو مغربي،إذ لخص حكام الجارة الشرقية وأبواقها فلسفة النظام هناك في اجترار قضية الصحراء في كل المحافل ،إلى درجة أن هذا النظام قد حول هذه القضية إلى أولوية كل الأولويات ،بينما تؤجل قضايا المواطن الذي سدت في وجهه كل الأبواب وصار مكرها على مسايرة حماقات جنيرالاته.
لقد أيقن كل عقلاء العالم بأن مطالب الجزائر في تنظيم استفتاء تقرير المصيربالصحراء والالتزام بقرارات سابقة ،أمر لم يعد واردا بعد التطورات التي حصلت على الأرض وبعد التحولات الجيوسياسية،بينما يأبى حكامرالجزائر إلا أن يظلوا أوفياء للازمة ،،الأصم،،في رقصة،،بوشطبة،،وذلك لسبب بسيط،وهو أن الراقصين في هذا البلد، عز عليهم أن يبدعوا،،إزلي،،جديدا يحي الرغبة في المنافسة ليستمر الرقص في أبهى صوره.
ولعل آخر ما تفتقت عنه عبقرية الدبلوماسية الجزائرية،هو ما ورد على لسان وزير خارجيتها حينما انتصر لوحدة ،،صربيا،،على حساب شعب،،كوسوفو،،المسلم،بينما يطالب بتقسيم المغرب !
كان الجواب عن هذا الإسهال الفكري صامتا،ذلك أن وزير خارجية ،،صربيا،،قد عبر بقسمات وجهه عن امتعاضه مما سمع،وكأنه أشفق لحال وزير يقارن خارج القياس.
كم يراودنا الشوق لمتابعة رقصة،،بوشطبة،،لكن من غير راقص أصم !